مرحلة عربية انتهت وننتظر مستقرها.. فما هي الاستراتيجية العربية المطلوبه عندها وما هي أرضيتها للنهوض بمشروع تحرري عربي محلي الصنع فإسرائيل لا تتحمل أكثر من خسارة واحده

عسكرنا يحاربون وسياسيونا يعملون وحكامنا يجتمعون وكتابنا يكتبون وشعوبنا ترقب شيئا لن يحدث فكلهم للنتيجة عارفون، فلا مناص للمحكوم بالأعدام مقيدا أن يعيش يومه وللمذبوح أن يرقص رقصة الموت، دولنا تتساقط بخطى مشيناها، وسوريا ليست أخرها . لم يهزمونا بخيانة الحكام ولا بفشل الجيوش ولا بتزوير التاريخ فهذا كله لا يكفي لأن يوصلونا لما أوصلونا اليه، ولا يكفي لسحق شعوب بحجم العربية وعمقها التاريخي وإرثها الثقافي، بل فعلوها باستراتيجية اختراق الانسان العربي وهزيمته من الداخل عندما أهملناه وهمشناه وجلدناه وتركناه فريسة للجهل والفقر والمرضلتتولى الصهيونية تثقيفه. لكن، أليست الشعوب بوصف شعوبنا تكبو ثم تنهض . أليست هذه هي المهمة والمشروع ؟. متى وكيف؟
ما زال النظام العربي محوران متضادان منذ أن تشكلت دوله الحديثة أو فصِّلت، واليوم كلاهما، كسيحان ويعانيان، بلا شعب كان قد طمسه المحوران . فمحور الإعتدال المتصالح والمتعاون مع المعسكر الغربي الداعم للصهيونية يرتد على نفسه ويلاقي مصيره المحتوم، بينما المحور الأخر هو محور الرفض المطلوق على الدول المعادية للصهيونية والذي حدد علاقته مع المعسكر الغربي ودخلفي مواجهة سياسية إعلامية مع المحور الاخر، يترنح . والشارع العربي ما كان يوما إلا مع محور الرفض لكنه لم يستطع تقديم شيء له لتغييب النهج الديمقراطي وتحجيم دوره وفعاليته إلى نثر وشعر وخطابة، مدحا وهجاء.
الخطأ الاستراتيجي لمحور الرفض أنه استبعد الديمقراطية نهجا كمسألة حياة أوموت للدول والشعوب،وجعل منحى نضاله من البداية للنهاية باتجاه مقارعة محور الاعتدال لتغييره،مُدخِلا نفسه في مواجهة ملهاة مستمرة على حساب أولوية ترتيب بيته الداخلي وبناء دول متينة اقتصاديا وعلميا وعسكريا تمكنه من تفعيل رفضه وصموده، ومن فرض نفسه على العدو أيا كان وكانت امكانياته .ونتيجة هذا الفشل تراجع هذا المحوروتوسع محور الاعتدال والمال على حسابه، وولِدت من هذا الواقع المقاومة الفلسطينية .لكنها دخلت أو أدخلت بالصراعات الداخلية وبعدوى النظام العربي، وانتهت لتظهر مكانها المقاومة الاسلامية في لبنان وغزة في وضع عربي ودولي سيء .فتشكل محور المقاومة في هذا الجو الذي افتقدت فيه مقاومة غزة لأية حاضنة من النظام العربي بينما حظيت اللبنانية بالحاضنة الإيرانية.
والنتيجة المنطقية أن دولنا اليوم بمحوريها مدمرة ومستباحة وساقطه، بلا سيادة ولا جيوش، وأنظمتها ليست بوارد الحديث عن تحرير المحتل من الاراضي العربية إطلاقا، بل بوارد سلامة سلطتها وحصص اعادة الاعمار. والمقاومة الفلسطينية محاصرة من الجميع، أما شعوبنا فتعوم في ثقافة اجتماعية ومجتمعية متخلفة وفاسدة تبحث عن حاضنات، تروم المأوى والطعام، وتعوم في طوفان الدين والتدين بمعزل عن الواقع والحقيقة، هبط عليهم من أسفل إلى أعلى، على يد مراكز صهيونية متخصصة تستخدم التكنولوجيا المجانية ليصل كل بيت وزاوية على مقاس التشويه والتجهيل والاستخدام الخاطئ والمرتد على الأمة والعقيدة والأوطان، وصنعوا للشعب مشايخ في مواجهة مشايخ السلاطين، وجعلونا اليوم أكثر شعوب العالم تدينا واقلها انتاجا وأكثرها فشلا وتخلفا
ليس لدي شك بأن استراتيجية العدو الصهيوني وحلفائه قد قامت على العبث في شخصية الانسان العربي وبرمجته من جديد بمعزل عن الحقيقة والواقع، وعن مكونات سلوكه التاريخية والعقدية ليصبح مخلوقا جديدا كالإنسان الآلييُلَقن ويبرمج ولا يفكر، بل يتحرك وفق مفاهيم جديدة يصبح من خلالها عنصرا هدَّاما لكينونته وللموقع الذي يكون فيه . لقد نجحوا الى حد كبير في ذلك، والباحث يرى بأن الحيثيات المظلمة التي أمامنا سببها ومحورها خلل مكتسب في الإنسان العربي نفسه، توالد محليا ليسهم في هدم مكونات شخصيته في المنزل والشارع وبيوت العلم والعبادة وأمكنة عمله، ففي كل مكان هناك سطو على عقل الانسان العربي وحريته المكبلتين اصلا بفضل منتوج السياسة التعليمية الاستعمارية .
فالهاجس الاستراتيجي المتمثل في النهوض العربي ارضيته محطمة ما دام الانسان العربي محطم . ولا عمل استراتيجي يكون الا بالإعتماد على النفس لا على دول غير عربية من صديقة أو حليفة . فلهم عند ساعة الصفر أولويتهم في همهم ومصالحهم ومحاذيرهم . ولا بأس أن يكون ذلك أملا في الظروف الحالية ولا يتعدى ذلك . فنحن نعلم أن الكيان الصهيوني لا عمق طبيعي ولا تنفيذي له، وبالتالي ساقط عسكريا . وتحطيمه سهل في ساعات أمام ارادة سياسية مؤهلة عسكريا حرصت اسرائيل على حرماننا منها . فهذا الكيان لا يحتمل خسارة واحدة، فهو إن لم ينتهي بخسارة واحده فستجعل منه هذه الخسارة كيانا من الصفر بلا أنياب، ومرتزقته يذهبون ولا يعودون . وقوة حزب الله الرادعه والهجومية معا، أكثر من قادره على انجاز المهمة لكن هذا يعتمد على تزامن بين خطاء سياسي استراتيجي من اسرائيل احتماله ضعيف،وبين إرادة ايرانية، وهذا له ثمن كبير لا تدفعه بعيدا عن احسابات مصلحتها القومية، بل يدفع مثله العرب لو كانوا مؤهلين .
ليس لدي تصور أجزم به لما ستستقر عليه الحالة العربية وخاصة الدول العربية وشكلها ومضمونها خلال العقدين القادمين، لأني اتصور بأن مخاض الحرب علينا سيستمر خلال هذه الفترة بكل الاسلحة الملموسة والمحسوسة، ونبقى فيها في حالة انكسار وتراجع مستمر ننتظر مستقره كيف سيكون . فمن هم في حالة حرب خاسرة وانكسار وتراجع تحت الكرباج لا تكون أولويتهم غير وقف الحرب والنجاة بدفع المستحقات، وليس التفكير بغير ذلك، بينما تكون أولوية المنتصر هي الإعداد لتثبيت شكل ونتائج ومستحقات النصر والبناء عليه لتعزيز الحالة المستجدة التي خطط لها وأنتجها.
ومن هنا فنحن نتحدث عن استراتيجية عربية مضمونها ثورة فكرية- تربويه – مفاهيمية، محلها الإنسان العربي. وزمانها حين تصل منطقتنا العربية الى مستقرها المأساوي الذي يشعر فيه العربي في أي دولة أو مكان بأن مصيره مرتبط بمصير أخيه العربي في اي دولة ومكان، وبأن العمل ما لم يكن جمعيا يبقى فاشلا . فالاستراتيجية المطلوبة لا تقوم إلا على هدف قاعدته الأساسية هي تحفيز قيام سيرورة لا تنتهي، في اعادة بناء الانسان العربي ووعيه،بناءً يجعل منه إنسانا حرا ومفكرا وباحثا عن الحقية، وعندها يعرف ما له ولا يتنازل عنه، وما عليه ولا يتخلى عنه . فهذا هو المشروع العربي، إن انجز سنكون عندها جاهزين وقادرين على تبني مشروع نهضوي عربي محلي الصنع، به نحرر أنفسنا ونعظم قدراتنا ومكتسباتنا، ومنه ننطلق الى العالمية لنعطي لقيمنا مكانتها بين الأمم كشركاء.
كاتب وباحث عربي

Leave a Reply