مشاريع وسياسات لأردن أخر

يعتقد الكثيرون أن الحكومات الأردنية عندما تصر على بعض المشاريع الجدلية مثل المفاعل النووي وصفقة الغاز، أو عندما تحجم عن أخرى كاستخراج النفط ، بأن القرار قرارها وأن لديها قناعة قائمة على مسوغات اقتصادية خاطئه لا بد من مقارعتها . هؤلاء المعتقدون يبتلعون طعم صانعي القرار حينما يدخلوا في نقاش وبحملات اقناع للحكومات على هذه الخلفية الاقتصادية . فقناعة المسئولين الحكوميين بخطأ سلوك الدولة الاقتصادي والوطني في هذه المسائل الثلاث التي تشفل الرأي العام الاردني لا تقل عن قناعة معارضيها. فهذه المسألة محسومة علميا ووطنيا . لكن مسارنا في مواجهة تلك المشاريع خاطئ ومضلل لأنه مسار معزول عن خلفية إصرار الدولة على مثل تلك المشاريع وعن مسوغاتها الحقيقية ،
إن إصرار صانعي القرار ومتخذه ومنفذوه على المضي في انشاء المفاعل وعقد صفقة الغاز وعدم استخراج النفط ليس من ضروب العبث ، ولا تلك الأطراف عاشقة لإغضاب الناس . ولا الجدوى الاقتصادية لدى صانعي القرار في هذه المرحلة مقدمة على الجدوى السياسية ، ولا الخيارات أمام متخذ القرار تزيد عن اثنين ، ولا الحكومات غاوية في إظهار نفسها جاهلة بعلم الاقتصاد ، ولا بوضع نفسها في موقف لا تستطيع فيه الدفاع عن قرارت تصدر باسمها دون تسبيب اقتصادي أو وطني . لكن هذا الموقف الذي تقبله لنفسها هو قدرها ما دام قدرها يجعلها تقايض الأمانة العلمية والموقف الوطني بكرسي الوظيفة . وهو كرسي يصبح في هذه الحالة وهميا ومأجورا، والجالس عليه خائن .
إنها ليست قرارات اقتصادية بل سياسية صنعت في الخارج . وليس من الصواب أن نبني معارضتنا لتلك المشاريع الثلاثة على النقوصات الفنية والمالية لها ، ولا على هدر المال عبثا ، ولا على جهل الأطراف التي نخاطبها فهي ليست جاهلة ، ولا أن ننتظر تراجعها على هذه الأسس . فصناع القرار متكفلون بكل الجوانب المالية والفنية ولا شأن لهم بهمنا الوطني والسياسي . وهنا نأتي إلى الأهم وهو أن نقف على السبب الحقيقي وراء مثل تلك المشروعات. لأن الوقوف عليه هو وحده الذي يوفر الارضية السياسية الصالحة للانطلاق منها إلى مقاومة السياسة التي تتخذ في ظلها تلك القرارات .
بالمنطق أقول أن السبب الحقيقي لتلك المشاريع والسياسات هو أنها ليست مصممة لهذا الأردن الذي نعيش فيه الآن شكلا وهيكلا ومضمونا ، بل للأردن القادم كما يخطط له ، وكاحتياجات للدولة التي يريدونها . وسيتكفل أصحاب القرار والمخططون بكل ملاحظاتكم . والمشهد السياسي القائم يقول بأنكم سترون النفط والزيت الصخري والمفاعل ، وسترون أنفسكم عمالا في آلة العدو الصهيوني الانتاجية ، ومستهلكين لمنتوجات احتلاله المغتصبة ،
علينا أن ندرك مرة واحدة بأن كل قرار مستهجن وطنيا وفنيا في بلدنا وراءه السياسة الخارجية التي قامت على أساسها هذه الدولة في بداية العشرينيات من القرن الماضي . وقد كان الملك الراحل رحمه الله ، في طريقه للانقلاب عليها وتحريرها عندما رأى اصرارهم على أن يبقى الاردن في غرفة الانعاش وأن يبقى نظامه نظام دور ، لكن الوقت لم يسعفه . ومن كان يتابع محادثاته السرية لعشرات السنين مع الاسرائيليين بعد عام 1967 يدرك أنه كان يحاول النجاة بنظامه وبالأردن بأي ثمن يضمن هذه النجاة ، ولم يتمكن أمام الرفض الصهيوني الاستراتيجي .
إن دلالة تسارع الظرف الدولي نحو اعادة هيكلة المنطقة تَطلبتْ مسخ الحكومة الى حكومة شكلية لتصريف الأعمال الروتينية وتنفيذ تعليمات غير روتينية ، وما افتراس حقوق واموال الناس واستباحة الدستور واغتصاب الاعتبارات القانونية والسياسية والمعنوية للمواطن الا في دولة يرونها مؤقتة .
وتَطلبتْ أيضا انحسار دور جهاز المخابرات الى الدور الامني الميداني فقط ، وبدا هذا في تخبط الدولة في اختيار أشخاص الوزراء والأعيان دون الرجوع لملفات الدائره ، وكذلك في الانتخابات الأخيرة التي تُرِكَ تفصيل نتائجها هذه المرة الى وزير الداخلية ورئيس اللجنة المستقلة جداً .
وتطلبتْ بالتالي هيكلة عسكرية وقضائية تسمح بإحكام تركيز السلطات في الديوان الملكي ممثلا بشخص الملك ، واتخاذه القرارات الاستراتيجية المحلية والدولية بالتشاور إن لزم الأمر مع شخصيات مقنعة له من خارج الديوان