معادلة أنظمتنا بشعوبها تتكسر فأين يخطئ الملك.. وقصتنا تتحول الى قصة فشل للغرب.. أليست الطائفية في لبنان يقابلها الإقليمية في الأردن.. ولماذا تخويفنا بوضع جيراننا هو ابتزاز فاسد؟

المعادلة القائمة بين أنظمتنا وشعوبها، والمستهجنة بشذوذها على الصعيد العالمي، هي السبب الأساسي والمباشر لما وصلت اليه أقاليمنا وشعوبها من ترد وانحطاط غير مسبوق، ومن تنمر الصديق والعدو علينا واسترخاء العدو الصهيوني وتعويم القضية الفلسطينية، حتى فقد العربي حرمته الانسانية وفقدت أوطاننا قدسيتها، وأصبح امتلاكها بوضع اليد. إن الإنقلاب على هذه المعادلة بين أنظمتنا وشعوبها هو مفتاح الحل الذي بات اليوم أقرب من أي وقت مضى، وباتت الحالة العربية معه على طريق التغيير والنهوض.
فَمِن انسداد الأفق تُفتح آفاق، ومن اشتداد الأزمة يَخرج الأمل. قصتنا تتحول إلى قصة فشل للغرب حين بالغ في ترسيخ أنظمة العصور الوسطى في الشرق الأوسط العربي، وحين بالغت هذه الأنظمة بدورها في ضغوطاتها وقمعها ونجحت في إجبار شعوبها على تقبل التخلي عن القيم القومية والوطنية وعن الحقوق السياسية والإنسانية، وحين وقعت في الفخ عندما تمادت ونجحت بجعل خيارات الموطن مقتصرة على استجداء مقومات حياته البيولوجية منها، صانعة منه ” المواطن المستقر” يتقبل العبودية مقابلها. فصنع هذه الحالة على خلفية غرض المستعمر يتبعه منطقيا تشكيل حالة “الحاكم المستقر” الذي يرضخ فيها الحاكم العربي بدوره لحالة العبودية للمستعمر ليؤدي دور المنتحر على مذبح عجزه عن تحقيق أهداف سيده باستسلام المواطن وفصل ارتباطه بوطنه.
فخضوع هذا “الحاكم المستقر” ورضوخه لطلب تصعيد ضغوطاته على شعبه بلا حدود سيؤدي في المحصلة إلى عجزه عن القدرة على تأمين حاجات هذا المواطن البيولوجية وبالتالي زوال مقومات استمرار حالة المواطن المستقر. فيصبح هذا المواطن يتساءل عن جدوى عبوديته وعن مصلحته بالنظام القمعي أو بالحاكم ويبدأ بمقاومته والإطاحة بنظامه دون أن يفكر بالغد وبالنتائج طالما أنه جائع، وبما يعني تشَكُل ثورة الجياع في النفوس لا في العقول.
ولذلك فإن الشعوب العربية لا تنطلق في ثورتها اليوم من أرضية سياسية بل من منطلق مطلبي ومعيشي. فتلك طبيعة الصراع التي فرضتها القوى المستعمرة على شعوبنا من أجل تحييد الصراع السياسي معها تحت وطأة الأولوية المعيشية وصولا لاستسلامها في معادلة الغذاء مقابل الاستسلام لمخططاتها التي نراها اليوم تفشل على مذبح التصعيد في التجويع والحرمان وانسداد الأفق. لتنقلب معادلة العدو في المحصلة، وتفرض شعوبنا الطبيعة السياسية للصراع من أوسع الأبواب من خلال ثورة الجياع.
فنحن اليوم أمام مشهد عربي شعبي في دول الطوق وجوارها يضع الأنظمة وشعوبها في مواجهة مفصل تاريخي. فلا الحاكم المستقر ولا المواطن المستقر عاد قادرا على الاستمرار بحالته. وكلاهما يتلمس رأسه وطريقه. ولا حلول عادت ممكنه إلا الحل الوطني الخالص. وإن فرصة السبق بالتغيير الآن أمام الأنظمة، فالشعوب اليوم ترنو للثورة على حالتها وحالة الأنظمه ولا مجال للإصلاح والترقيع والطبطبة ولا للعودة بتزويد الحظائر بالأعلاف، فالكرة في داخل حظائر الحكام ولا نجاة لهم ولنا إلا بالتغيير. ولا تغيير حقيقي إلا في العقول والنهوج السياسية. فبلادنا هي من تمتلك المال والموارد والجغرافيا والعقول ولكن شعوبها لا تمتلك القرار السياسي الوطني.
لعل أكبر خديعة يُسَوِّقها النظام الأردني على المواطنين لشراء سكوتهم ورضوخهم لما يُقترف بحق الدولة وبحقهم، هي تخويفهم من الانجرار الى حالة دول الجوار العربية. بينما الواقع والمصيرالمر الذي فيه يَجر النظامُ الدولةَ وشعبها بات معروفا للمواطنين، ويتشكل بشأنه رأي عام شعبي مفاده أن هذا التخويف فاسد وخادع لأنه غير مُقترن بأي عمل ينعكس ايجابيا على حالة الدولة والمواطن، وبالإصرار على نفس النهج ونفس الأدوات وبتعايش النظام مع مسار التراجع وتداعياته الأكثر خطورة دون أية خطوة نحو التغيير. بل أن التحذير والتخويف مقترن بحملات مستمرة في حرب ناعمة على المواطن والدولة ستؤدي نتائجها إلى ما هو أبعد وأقسى مما حدث في دول الجوار، وسيجد المواطن نفسه معها في وضع يندم فيه على سكوته ورضوخه الذي كان هو السبب.
النظام الأردني مخطئ جدا إن بقي يعتقد بأن المواطنين المجردين من مواطنيتهم سيبقون راضخين لقواعد اشتباك الدولة البوليسية والقبضة الأمنية. ومخطئ أكثر إن راهن على تمسك الأردنيين بالقيادة الهاشمية على حساب حياتهم وكرامتهم ودولتهم ومستقبلهم. ومخطئ إذا اعتقد بأن العودة لتزويد الحظائر بالأعلاف عاد مقبولا. وعليه أن يتذكر بأن البنية السياسية التي قننها للشعب من خلال الأحزاب السياسية ومجالس النواب للسيطرة على حرية وحركة الشعب وتزوير إرادته فقدت دورها الإيجابي له. وقياداتها وشخوصها باتت معزولة،
وعلينا تذكيره، بأن المشهد الذي يعجز فيه المواطن على تزويد أطفاله بأساسيات الحياة إذا لم يهز كيان الحاكم فسيهز عرشه وكل ما في أمامه، وأن استهداف ارادة الشعب بالإفقار والتجويع وبالأرنبة والإخضاع طبقا للمنظور الوظيفي للدولة ساقط، وأن المراهنة على صبر الناس وعلى جبروت الدولة البوليسية والقمع أصبح مغامرة خطيرة. فثورة الجياع لا يسيرها عقل ولا يوقفها أي جبروت عسكري لأنها انفجار داخلي في النفوس بوجه المجمل. لا تعرف صديقا ولا عدوا، ولا تحتاج لأكثر من شراره طائشة.
وعلى الأردنيين أن يدركوا بأن الطائفية التي تنهش بلبنان يقابلها الإقليمية في الأردن، وتساويها الهويات الفرعية فيه. فالإقليمية أداة العدو لنجاحه بمخططاته في الاردن، وفيها مقتل لنا. وإسقاطها وحده ما يؤهلنا على الصمود والقدرة المنتجة على المواجهة من أجل دولة مواطنة ديمقراطية حرة بشعب حر واحد قادر على حمل أمانة القضية الفلسطينية التي هي بنفس القدر قضية أردنية. فلن تقوم لنا قائمة في الأردن ولن ننجح بأي مشروع سياسي أو حراكي ما لم ندفن هذه الإقليمة وندفن وسائلها لغير رجعة.