من أجل الأردن وأمنه والقضيه، نتلمس الحقيقة ولا نسحج

الأمن في الأردن بالذات يُقَيَّمُ “مسألة حياة أو موت”، ولا نتصور أن يُسمح للفساد أو التقصير والتهاون أن ينفذ اليه بأي نوع وعلى أي مستوى، وتحت طائلة نفس التقييم الحاسم، وهذا المفهوم يدركه العدو من معرفته للواقع الأردني بالتزاوج مع المطلوب من هذه الدولة سياسيا، أما نحن فنفهم أن الأمن مرتبط بالاستقرار الحقيقي وسلامة أجهزة الدولة وجاهزيتها في مواجهة الإرهاب على مفهومه التاريخي والمعاصر “كمسألة سياسية” بالأساس يستخدمه منشئؤه لنسف هذا الاستقرار على مذبح تحقيق أهداف غير مشروعة بالضغط والابتزاز والاستهداف المباشر، وهو اليوم في قاموس الصهيونية الأمريكية استهداف للشعوب العربية والأردني منها.
وإن الأمن كفهوم مرتبط بالاستقرار مباشرة، يقوم على تحقيق أسسه الراسخة على الأرض وفي النفوس كلها، وعلى أسس دبمومته وحمايتها، ولا يقوم على مجرد ملاحقة الجناة واستخدام القوة وأدوات الفرض والقمع، فهذا وحده لا يصنع الا الإحتقان والأرضية الرخوة وبروز التناقضات، فليست المسألة لعبة عسكر وحراميه يُصْنَع فيها العسكر والحرامية صنعاً، وليس الحل في العقلية الأمنية، والحكومات في الأردن ما كانت يوما تختط استراتيتيجية قائمة على أسس منطقية وعلمية لتحقيق الأستقرار الواعي والحقيقي وتحقيق الأمن الذي يصنع الأمان، ولذلك ما كان الاستقرار والأمن في الأردن يوما إلا مصطنعا وهشا وما زال.
من غير المقبول إطلاقا أن لا تخضع المسألة الأمنية في الأردن لاستراتيجية وطنية شاملة تقوم على رؤية سياسية تسقط أمامها كل المحاذير والمعيقات في مشاركة مع المواطنين في منازلهم وأحيائهم، وعلى مقدمات لنتائج مضمونه بعيدا عن المنظرة والوهم والسطحية، وفي الحالة الأردنية لا يمكن أن تكون هناك خطة استراتيجية لمواجهة الإرهاب دون أن يكون هناك اجتثاث للخلل الإداري والهيكلي القائم في مؤسسات الدولة الحساسة التي تمسك بكل خيوط القرار، وعلى رأسها جهازي الديوان والمخابرات، فالمسألة لا تحتمل حسابات لأشخاص ومصالح وفساد، إنها مسألة دولة وشعب مستهدفين بأبشع الصور وأقذر الأهداف.
لنكن واضحين وصريحين فلا هاجس لي كان يوما في العبثية أو الاساءة فيما أكتب، ولم ألمس من أي شخصية وطنية على مستوى الرموز الشعبية أو التي كانت في الحكم من لا يحرص على سلامة الملك وقيادته الهاشمية، ولا من لا يريد لجهاز المخابرات إلا أن يكون محكما بلا ثغرات وناجحا ومنتجا في عمله، ولم ألمس أي معارضة شعبية إلا وهاجسها ملكا حاضرا دائما وقويا وأجهزة سليمة.
ومن هذا المنطلق أقول بأن جهاز الديوان الملكي ليس سليما كقدوة، والممارسات العملية فيه تتناقض مع الحالة الأردنية ومع توجه وتصريحات الملك، والمخابرات يطالها نوع من الإختراق الداخلي يفسد سوية عملها ويفرض عليها سلوكيات خطيرة رسمية تعرض أمن الدولة والشعب للخطر، وهذا محكي على ألسنة الخاصة والعامة؟ ألا يستحق هذا تدخلا مباشرا من الملك للتحقق والاستقصاء الموثق عن واقع هيكلة الديوان والمخابرات من قبل لجنة أردنية متخصصة ومحايدة؟
إن ما يهمني هنا هو الكلام عن جزئية الجهوية وخطرها المدمر في المؤسسات وخاصة الحيوية جدا كالمخابرات العامة صاحبة المسئولية الأولى عن أمن الدولة والناس، وأبدأ من حقيقة أن أمن الملك لا يكون إلا من أمن الدولة وناسها، والعكس صحيح الى حد كبير، فالتقصير في أمن الدولة والناس هو تقصير في أمن الملك، وعدم التوازن في هذه المعادلة يكشف عن خلل قاتل في المفهوم والممارسة
الجهوية بمفهومها المعاصر مصطلح مرتبط بمناطق في اطار دولة تكون فيها أولوية الإنتماء للشخص او الأشخاص لمناطقهم، وأولوية الخدمة لسكانها ومصالحها في استغلال خطير للسلطة، والجهوية هذه لا تُتَرجم أو تحقق نفسها الا في المؤسسات العامه لأنها لا تكون على حساب النفس بل لحساب النفس وعلى حساب مجهول أو عاجز أو مقدرات سائبه . وفي هذه الحالة فهي على حساب المصلحه العليا للدولة التي يُسفك من خلالها دم القانون وأمن الدولة والعدالة الجتماعية وكل معايير الوطنية، إنها فساد سلطة بكل ألوانه ينخر الدولة والانسان فيها معا، لنرى كيف تتشكل وتعمل هذه الجهوية في بلدنا لعلنا نستأصلها؟
من الطبيعي والغريزي أن صفات الإنفتاح والمصارحة والثقة الشخصية والمجاملات والاحراج والإلتزام الأدبي بالمساعدة، والتغطية على الإخطاء والتقصير والطبطبة كلها وغيرها الكثير موجودة بالتدريج بين افراد العائلة ثم الأقرباء ثم المدينة ثم المنطقه، إلا أن تفعيل تلك الصفات عند الإنسان في مؤسسات الدولة تدمير لها ولفكرتها، وتفعيلها يتحقق أليا حينما تتشكل هذه الجهوية، ولا تتشكل هذه الجهوية الا باجتماع سببين أو شرطين معا.
الأول، هو الغياب المسبق للتربية الوطنية والأخلاقية والوعي على المصلحة العامة عند المواطن في البيت والمدرسة والمؤسسات المدنية.
والثاني، هو عندما يُشَكِل أبناء منطقة أو مدينة وخاصة في مجتمع عشائري نسبه عددية متفوقة في دائرة أو مؤسسة ما.
وإن التخلص من هذين الشرطين المبنيين على تقصير نظام الدولة وحكوماتها ومخططينها، لا يرتبط بالضرورة بالأنظمة الديمقراطية أو الدكتاتورية، بل بالأنظمة الصالحه التي تقوم بواجبها الوطني بمسألة حساسة من شأن إهمالها أن تهدم الأنسان أولا ثم تلغي فكرة الوطن والدولة.
الاستهداف الأمني الأخير في هذا الظرف والتوقيت لا يعالج بمجرد القبض على منفذيه ولا بمجرد إحباطه وملاحقة غيره في دولة بوضع الأردن، ولا بتوصيف المنفذين وجريمتهم بغير الواقع أو الافتراض بعدم انتمائهم لتنظيم ارهابي ممول ومرعي من العدو وله قاعدة واسعة في الأردن، بل يعالج هذا الإستهداف بالتعامل معه كجزء من حالة لا كحدث، وبوضع كل الأوراق على الطاوله، حالة خلفيتها سياسية أبطالها خارج الأردن بينما في داخله مفرخة لأدواتها ممثلة بالخلل في سياستنا الداخلية التي تُغيب مفهوم الدولة،وفي الاختلالات في هيكلة وطبيعة مؤسساتنا الرسمية وأليات عملها واستحقاقاته السلبية، ونحن قادرين بمجرد الارادة السياسية على اجتثاث هذا الخلل، فالأمر في هذا لا يتعلق بمستوى قدرتنا على مقاومة الخلفية السياسية.
النظام والحكومات مسئولون بالتضامن والتكافل عن الواقع القائم في الأردن وفي مؤسساته، وعن التخلص من كل وسائل إفشال الدولة القائمة ومن سياسة استهداف وإخضاع شعب المملكة. ومسئولون عن ضرورة إخضاع السياسة الخارجية للسياسة الداخلية واحتياجاتها عندما يتعلق الأمر بأمن الدولة ومصالحها الوطنية العليا، وإن عكس هذه المعادلة فيه تدمير للدولة والذات، والقول الزائف بأن الأردن هو الدولة الوحيدة التي تتمتع بالأمن والاستقرار حتى لو كان ذلك على صفيح ساخن كل ما تحته ملغم، يقابله القول بحقيقة أن هذه الدولة هي أيضا الوحيدة في العالم المهدد كيانها السياسي والمستهدف شعبها لحساب المشروع الصهيوني ووصوله لمرحلة نهائية لا نعرف كيف طريقهم إليها .
كاتب وباحث عربي

Leave a Reply