من يحمي الهوية الاردنية ؟

هويتنا الوطنية الارددنية هي اليوم على المحك . وليس منا من يقبل أن تكون برسم البيع اضحية لوجه الأبالسه . إنها قيد المحو المقنن بحكم الأمر الواقع حسيا وماديا وسياسيا ، ولا داعي لعلك المعلوك . فأنا لا أكتب مجرد مقال بل أطرح مشروعا . صحيح أن هذه الهوية ليست وهما ولا عارضا بل أصيلة على الأرض في التاريخ ، إلا أن التاريخ ذاته قد حدثنا بأن هويات الشعوب تمسح وتنقرض بضعف أصحابها واستسلامهم ، لا بمجرد قوة الطامعين والمستفيدين .

كان استهداف هويتنا قد تبلور ابتداء على شكل ابتلاع ، ورد هذا في فكر ونصوص المشروع الصهيوني ووعد بلفور وصك الانتداب ، فجميعها اعتبرت أن الأردن جزء من فلسطين التاريخية كوطن لليهود ، وكلها أنكرت أيضا وجود شعب أردني . ثم استبدل ابتلاع الهوية بتغييبها ، وذلك كبديل جاء مع إنشاء الامارة حين أخرجت بريطانيا الأردن من وعد بلفور لا ليكون دولة لشعبه ، بل دولة لاستيفاء شروط إنجاح المشروع الصهيوني في فلسطين كمرحلة أولى. بمعنى ( مطرح ما ……شنقوه ) . وبدأت هذه الهوية مع تشكيل الاماره غائبه تماما أو مذابه في محلول عربي واهم ، ليسهل على الأردنيين ابتلاع الطعم … . وتكرس الفصل بين الأردني وهويته الوطنية المتلازمه سياسيبا مع الأرض الاردنية لا من خلال السياسات والممارسات فحسب ، بل أيضا من خلال الإصرار على تغييب مظاهر الربط والتلازم بين الأردنيين والأرض الأردنية كدولة ، وهي المظاهر المتعارف على وجودها في الدول الحديثة ، بروتوكولية كانت أو سياسية أو وطنية ، والتي ما زلنا نفتقدها . وأخرها كان بالأمس لدى الاصرار على تلبيس الجيش الأردني وحده في المحيط العربي إسم الجيش العربي ، نزعا للهوية الأردنية عنه في ظرف إقليمي ودولي حساس ، مع أننا عروبيون دون حاجة للتقنين ، وليس في سياستنا المزايدة على جيوش الدول العربية ، وأصحاب القرار في بلدنا يدركون أن جيشنا هو الأردن والأردنيين ، والعنوان العنيد للهوية والانتماء للوطن معا .

وها هي اليوم هذه الهوية تواجه حربا مفتوحة خارجية وداخلية ومن طرف واحد من خلال ممارسات وسلوكيات رسميه محلية وإقليمية ، أهدافها معزولة تماما عن همومنا الأساسية ، ومن خلال سياسات غير مؤردنه على كل الصعد . وأصبحت معها حدودنا مفتوحة من جهاتها كلها للأذى، والضياع إلا مع فلسطين المحتله،،

السؤال هنا هو من يحافظ على الهوية الوطنية ويحميها في الدول والأوطان ؟ فإذا كان النظام فهو في بلدنا موجود ولكنه غير مؤهل لتاريخه ، وكلمة مؤهل هنا تعني موسوعة تاريخيه . والحكومات لدينا بلا ولاية لها سوى تحمل مسئولية المآسي بحقنا والوطن ، وبالأجر المدفوع ، فهي في نظر المعظم مأجوره . وإذا كانت الديمقراطية هي الحاميه ، فهي تبدو من المحرمات علينا ، وتحول العلك فيها إلى ملهاة عبثية لنا ومنتجة لهم . وإذا كان الدستور ، فهو في بلدنا لعبة لاعب واحد ، وتعديله أو تفسيره أو تفعيله يكون دائما مغايرا للواقع وللمطلوب . وإذا كانت الأحزاب هي من تحمي الهوية ، فإن الأيدولوجية منها على ساحتنا كالإسلامية والقومية واليسارية فإنها لا تضع الهوية الوطنية هما ولا قضية أساسية في أدبياتها ، وهي فعلا أحزاب غير وطنية خالصه . أما البرامجية من الأحزاب فهي على مساحتها الضيقة جدا ، مدجنة هنا ، ومخترقة هناك ، ووظيفتها استحالت إلى تسويق مقولة اصحاب القرار وفعلهم . فكلا النوعين ليس في برامجه ولا في مقدوره حماية الهوية الوطنية .

أما إذا قلنا هنا أن الشعب هو ما تبقى لدينا لحماية هويته ، فإننا ندخل في مفهوم الإنتماء للوطن ، ليصبح هذا الإنتماء هو العامل الحاسم في المعادلة ، حيث لا حراك وطني لغير منتم . ومن هنا كانت وما زالت الحرب بكل الأسلحة تخترق هذا الإنتماء وتشوهه شكلا وموضوعا وتضع له أندادا ليكون الانتماء إاليها ، وتخلق أمامه أولويات إنسانية أساسية قاهرة ، وأوليات سياسية إلهائية . فتم إدخالنا في مواجهات مع سياسة الافقار والعوز وغياب العدالة ، والاختلالات الوظيفية والتأمين الصحي والطبشورة ومشاكل الجامعات . كما تم إقحام الميسور منا في مواجهة أوليات سياسية ينشغل بها كالغاز الاسرائيلي المسروق وداعش والارهاب وقوانين الأحزاب والانتخاب والمفاعل النووي وكلها وجيهه ، ولم يلب واحد منها فوجودها وبقاؤها مطلوب . ولكنها تبقى تفاصيل لملهاة تلهي عما هو أعظم ، وهو مصير وجودنا ووطننا بحد ذاته ….. وما أن نخرج من موضوع يرمى علينا الجديد ………. وارتبك المواطن وأخذ اليأس منه وهو يشاهد تهزيء العمل العام وتقزيم الدولة وافتراس المناصب وارتجالية القرارات ، في جو من التهميش والتطنيش وعدم وضوح الرؤيا ، حتى أصبح الحصول على جنسية أجنبيه محل تفكير الكثيرين وبشكل غير مسبوق ،

وباختصار شديد هنا ، ليتأكد كل مواطن في هذا البلد ، أن كل ما لا يجد له سببا أو تفسيرا وطنيا أو إنسانيا أو منطقيا ، فإن السياسة الخارجية الأردنية وأهدافها هي وحدها من تقف وراء ذاك السبب وذاك التفسير . فهذه الإمارة أنشئت بهدف تنفيذ هذه السياسة التي وثقتها بكتابي الأخير ، .ولذلك قامت الإمارة على نسق وهدف مختلفين عن باقي الدول العربية السايكوسبيكية .

فهل الهوية الأردنية على طريق الانقراض ؟ وهل عندها ستصبح اتفاقية حماية السكان الأصليين والقبليين لعام 1957 واتفاقية الشعوب الأصلية والقبلية لعام 1989 …..أقول هل ستصبح ملجأنا ؟
. …..نعم إن هوية أشقائنا الفلسطينيين قد خطط لاستهدافها كما نحن ، بل أن استهداف الهوية الفلسطينية على الأرض الفلسطينية قد تطلب استهداف هويتنا . ولكن الفلسطينيين نهضوا في الشتات وتمكنوا من إقامة مؤسساتهم للحفاظ على هويتهم ونجحوا نظريا في تثبيتها وسط العالم ، وما لم ينجحوا في فرضها واقعا على الأرض الفلسطينية فلن فلن تنجو هويتنا أيضا . إن محافظتنا على الهوية الأردنية ضامن أساسي لحماية الهوية الفلسطينية والعكس صحيح . فهلا ابتدأنا …. فهلا تحركنا

صحيح أن الأبواب والمنافذ تغلق قبل مد اليد لفتحها ، واحتكار الدولة يفعل فعله في احتكار حبة الزيتون والكلمة والرأي ، وفرض سياسة الارسال دون الاستقبال . فليس هناك من آبه بأموات ، ولا ألأموات يوهبون الحياه في دنيانا . وصحيح أن البديل غير موجود، وإن اعتقدنا غير ذلك فهي الفوضى والدماء . لكن الاستسلام مرفوض واليأس مرفوض . ولا بد من تجاوز سياسة النقد دون ذكر البديل أو فتح نافذة أمل في الجدار . وأمام هذا الواقع في بلدنا ، فلا أرى عملا سياسيا منتجا دون وجود نواب حقيقيين للشعب والوطن ، وهذا ما زال خطا أحمر لأصحاب القرار ، وسيبقى الأمر كذلك ما بقينا كذلك وبقيت المؤامرة الدوليه . وربما يمدد عمر المجلس الحالي لأكثر من مدته القانونية ليكمل مشاريع لم تختمر بعد .

ومن هنا فإني لا أرى بدا من البحث في فكرة انشاء برلمان أردني شعبي تطوعي .لا عشائري ولا حزبي ولا مسيس ، بل سياسي راشد ، مواز للحكومي ، يغطي مساحة الوطن ،و يجري تشكيله بالتوافق ، يحمل نبض الشارع ويأخذ على عاتقه عملية التنوير ورمرمة الهوية الأردنية السياسة الوطنية الموحده والمستقله بذاتها وعن أي هوية أخرى ، وحمل رسالة الشعب الأردني بقضيته كشعب أصيل له حق غير قابل للتصرف بوطنه وبهويته السياسية المستقلة على أرضه وبكافة حقوقه المقننة دوليا بالحياة الحرة الكريمة بأمن وسلام ، رافضين المخططات الظلامية الاقصائية المتوارثة باستهداف شعب ووطنه معا ، والدفع باتجاه احترامه في الخارج والداخل كشعب أصيل في وطن أصيل . ويصبح هذا البرلمان بهذه الصفه أشبه بمنظمة غير حكوميه ، أو مؤسسة مجتمع مدني ، وتصبح معها هذه المؤسسه مؤهلة لتسجيلها في الأمم المتحدة إذا ما تطلب الأمر ذلك ، وتصبح كذلك حينها مؤهلة لطلب الحصول على مركز استشاري من المجلس الاقتصادي والاجتماعي أحد الفروع الخمسة الأساسية لمنظمة الأمم المتحدة . ولمن يذهب بعيدا أقول بأن هناك مؤسسات مدنية أردنية ليست غاياتها بأقدس من غاياتنا وحصلت على هذا المركز .

وختاما ، يثار السؤال ، من يحمل هذه المهمة ويضيء عليها ؟ وهنا أقول ، ما أجمع الأردنيون يوما إلا على الجيش . ولا علق الجرس ولا قرعه يوما غيره . ولا هناك من يغطي مساحة الوطن ،أخضر الجاذب منه ، وأصفره الطارد ، غير أفراده وجماعاته . ولا هناك من استطاع يوما المزايدة عليه . هو الطبقة الأفقر مالا والأغنى أنفة وانتماء، وبالتالي الأكثر تأهيلا للتضحيه . هو الطبقة الأوسع والموجود فروعها في كل بيت ، من شعر كان هذا البيت أو من حجر أو من طين . هو الأردن والأردنيين جميعهم ، هو العروبي دائما . ومن ينجد أخيه لا ينسى نفسه ولا أبناءه .