من يفك لغز مستشفى البشير

إن الإصرار على الابقاء على وضع مستشفى البشير وما يتعرض له من تمييز وأهمال من الحكومات المتعاقبة، رغم ما يمثله هذا المستشفى ويعنيه للأردنيين ورغم ما ناله من توجيهات ونداءات، أمر يطرح تساؤلات كبيرة ولدت لغزا عجزت عشرات السنين من فك رموزه. ولو كنت صاحب قرار لطرحت مسألة التعامل مع المستشفى كأكبر عملية تقصير وفساد يصيب كل الشعب الاردني وخزينة الدولة، ولحاسبت بأثر رجعي كل رؤساء الحكومات ووزراء الصحة. وكلهم أخذو ا التوجيهات من الملك مباشرة لتعديل وضعه وكلهم عايشو الملك وهو يجعل من زيارة هذا المستشفى باكورة عمله. ولا أقصد هذه الحكومة وحدها فقد تكون خير من قدم للقطاع الصحي.
اما اللغز المطلوب حله فهو أننا اعتدنا التعايش مع قاعدة ليس لها استثناءات، وهي أن المسئولين الكبار يقومون بواجباتهم أو ينفذون عملا ما دون حجج مالية او تردد، لدى تلقيهم التوجيهات الملكية، إلا انهم جميعهم مصرون على أن يكون مستشفى البشير هو استثناء لهذه القاعدة، فلم يستجيبوا لتوجيهات الملك المتكررة.
فالملك عندما يزور هذا المستشفى، تجرى الحكومة الدراسات وترسم الخطط، ثم يكرر الزيارات وتكرر الحكومات رسم الخط وينتهي الأمر. ينتهي لأن المواطنين المنتفعين وأصحاب المصلحه من تطوير وإصلاح المستشفى لا واسطة لهم للوصول. وإن وصلوا فلا صوت لهم مسموع ويموت بعضهم وهم صامتين وبعضهم الاخر يموت قهرا. ومن يتوفر لديه قليلا من المال يهرب للقطاع الخاص ويجلد هناك.
إن مبرر ومصداقية إصلاح المستشفى ينطلق من تعريفه، فهو يضم عشرات المباني على 154 دونم وفيه من الأسرة ما يساوي أسرة أكبر ثلاث مستشفيات في المملكه مجتمعة هي الجامعة وحمزة والملك المؤسس. ومع ذلك يحظى كل منها بمديرية عامة وبهيكلة ورعاية فنية ومالية دون أن يحظى بها البشير وهو المستشفى الذي تجري فيه حوالي ربع العمليات التي تجرى في كل مستشفيات وزارة الصحة بالمملكة مجتمعه ومثلها للولادات.
ويستقبل يوميا عشرين ألف ما بين مريض ومراجع منهم اربعة الاف مريض يوميا. والطوارئ تستقبل وحدها في الشهر 45 ألفا. وكادره الوظيفي هو 3500 موظف من مختلف المهن عدا أطباء الامتياز بالمئات والمتدربين من كليات الطب وطلبة المهن الصحية الاخرى. ومع ذلك فإن هذا المستشفى التعليمي أيضا ما زال يعامل اداريا وهيكليا كأي مستفى في بلد ة . بل يعامل كمستشفى الرويشد ذو العشرين سريرا تماما ، رغم وصفه هذا وكونه ملجأ سواد الشعب الفقير .ومع ذلك لا يستحق عند الحكومات الهيكله التي يستحقها ولا وبمديريه عامه ولا بدعم وتشجيع مالي منصف لأخصائيه الذين تعرف الحكومات حاجتها لهم حين ينتقلون للقطاع الخاص وتتعاقد معهم بأضعاف ما كانوا يأخذون
إن الخلل في البشير ليس بمدرائه وادارته ولا بأطبائه بل هم المبدعين والعصاميين وخمرة العجين التي نفتخر بها ، إن الخلل يكمن في واقعه الاداري كعائق أساسي لعملية تطويره . وهذا مرتبط بسياسة الوزارة والقرار السياسي والاداري من الوزراء وصولا لرؤساء الحكومات . .
لتترك الوزارة سياسة الهروب من الحل الجذري المطلوب ، وتترك سياسة طواقي الاخفاء وتدوير تلبيسها بهدر الطاقات المبدعة في وزارة الصحة من الأطباء والاداريين الناجحين في مواقعهم حين تنقلهم من مواقعهم التي تنتعش بهم ويرسلون ليغيرو ويصلحوا المستشفى بلا أدوات التغيير والإصلاح . فالمدراء ليسو بسحره وإن أصريتم على انهم سحره فامنحوهم أدوات السحر. إن حبتين من البندورة مع حبة من البصل وملعقتين من الزيت لا يصنع منها المدير منسفا مهما كان ساحرا او مبدعا بل يصنع قلاية بندوره مفتخره ولكنها ليست المطلوبه . فالمدير السابق الدكتور الشريده على سبيل المثال كان ناجحا في أي عمل استلمه ولكنه كما هو الوزير نفسه يفشل في صنع المنسف بلا أدواته . والدكتور القطيطات المعروف بإبداعه اداريا وفنيا وخلقيا في كل المواقع وعلى رأسها عمله السابق يضحى به أيضا ليذهب للبشير لصنع المنسف بمعجزه ، ولا أقول هنا لا يصلح العطار ما أفسده الدهر .
دولة الرئيس الموضوع أمامك وهناك كتاب قد صدر في عام 2013 من الديوان الملكي بتسمية المستشفى مدينة البشير الطبية بمديرية عامه بكل مستحقاتها . إنه المستشفى الأكبر حجما ومسئولية وروادا ، ولأولى والأحق حتما من غيره في الرعاية . وعلى دولة المواطنة أن تعمل دون ابطاء على إعادة هيكلتة بمال قليل يوفر الكثير ويعطي سواد الشعب من الفقراء حقهم. وإن كل كلفة تنفق لرفع سويته هيكلة إداريا وفنيا وماليا وبما يشجع أخصائيه من حوافز تبقيهم في عملهم هو استثمار . سيدعم في محصلته ا خزينة الدوله ، والاستقرار معا .