مهمة النخبة السياسية

دأب المواطنون على التعبير عن معاناتهم بشتى انواعها من خلال الحديث عن السياسات والقرارات الحكومية ويتجاذبون اطراف واعماق الاقتراحات الاصلاحيه . لا بأس في ذلك ، لكن البأس والبائس هو في حديثهم عن الاصلاح وطرقه ومطالبة الحكومات وكأنها لا تعرفها ، أو قادره عليها . وفي هذا خلصت للكلام من الآخر وقلت أن أي قول أو عمل سياسي اجتماعي اقتصادي اصلاحي لفرد او لحزب هو بمثابة العبث مع وجود النهج السياسي القائم . وأن الاخلاص والجدية في الدعوة للاصلاح يكون بالعمل السياسي على تغيير هذا النهج كهدف وكشرط لازم لنفاذ الاصلاح أو لجدية المناداة به ، فكل ما يدعيه المواطن من ضيق او جور او فساد هو وليد شرعي لهذا النهج او ما أسميه بالسيستم . فهذه نتائج لمقدمات ، لا تتغير إلا بتغيير المقدمات . وفي هذا المقال أذكر المواطنين بكيفية اتخاذ القرارات في الشأن الداخلي ،ففي ذلك ما يختصر الطريق عليهم لتحديد المسئوليات
بداية هناك أربعة أنواع من القرارات في الأردن تتبع أربعة أنواع من المسائل . ثلاثة منها لها مساس بالشأن السياسي بألوان اقتصاديه وعسكريه وأمنيه في خدمة اهداف السياسة الخارجية ، بتأثيرات مباشره وغير مباشره على المواطن وسريه ومعلنه ،اضافة للقضايا الدوليه المعزولة عن اهداف السياسة الخارجيه ، والرابع يتعلق بالشأن المحلي بشتى المجالات .ولكل من الأنواع الاربعه ألية خاصة به لاتخاذ القرار . وعملية اتخاذ القرار في أي منها لا تتم وفق أي معيار لنظام سياسي غربي أو ديمقراطي ، بمعنى أنها عملية لا تخضع لمبدأ المشاركة الشعبية وتلمس الرأي العام Public Opinion بطريقة ما ، ولا تقوم على أساس دراسات وأبحاث تجريها مؤسسات متخصصة ، كما أنها ليست قائمة على برامج سياسية لحكومات حزبية أو منتخبة ، فهي عملية غير ممأسسه ، ولا مسئولية جماعية ولا خيارا شعبيا public choice.
حديثنا هنا هو عن القرارات المحليه الداخلية ، فهذه كلها باستثناء العسكرية والامنية المحليه وما يمس السياسة الخارجية واهدافها ، يتخذها رئيس الوزراء حصة له وإقطاعا . إلا ان هناك حالتان فيهما استثناء الأولى إذا كانت القرارات المحلية المراد اتخاذها تؤثر مباشرة على عموم المواطنين والاستقرار الداخلي كقرارات رفع الدعم وتحرير الاسعار والقروض والضرائب والخصخصه فلا يتخذها الرئيس الا بموافقة الملك او بطلب منه . ولا شك بأن الملك يتخذها لخدمة جزئية في اطار اهداف السياسة الخارجية ، السياسية والمالية . والثانيه عندما يطلب الملك منه اتخاذ قرار ما ، او توصيه دائرة المخابرات بعدم اتخاذ قرار ما
مجلس الوزراء ممثلا بشخص رئيسه الذي لا يعنيه سوى من يضعه في المنصب او يعزله ، هو الذي يحدد لنفسه صلاحياته وآلية اتخاذ قراراته في الشأن العام في حدود حدوده ومستحقاته التي يعرفها ، وكذلك عمل كل الوزارات . فالرئيس يمارس عمله في التصرف بشئون الدولة الداخلية وأجهزتها المدنية بتفويض من الملك بعيدا عن الشعب ومطالبه وأحاسيسه. ويتخذ قراراته من غير الاستثناءين بجرة قلم ، يصدرها باسم مجلس الوزراء بطريقة التمرير ، اي تمريرها على اعضاء المجلس للتوقيع. ومع أن مجلس الوزراء يضع بعض الأنظة لتحكم عمله وقراراته إلا أنها تبقى شكليه وديكوريه ، وفي كثير من الحالات لتضفي الشرعية على غير المشروع . والدستور الذي لم يحدد صلاحيات الرئيس ، تمادى ليمنحه الحق في تفصيلها لنفسه رغم أنه رئيس غير منتخب ولا يمثل حزبا كُلّف لينفذ برنامجا وطنيا،.
فهو مطلق اليد في اصدار اي قرار إداري أو اقتصادي أو خدماتي أو تنظيمي أو انشائي بأثاره المالية ، باستثناء العسكرية والأمنية وما يمس السياسة او يؤثر على أهدافها سلبا او إيجابا ، وهو يمتلك حق وضع ما يشاء من القوانين المؤقتة وتسخيرها لخدمة ما يشاء واستحداث الأنظمة والتعليمات واستحداث الدوائر والمؤسسات وافتراس المنصب العام ، والأهم أنه يمتلك وسيلة إخلاء نفسه من المسئولية وتبرير قراراته وتقصيره باستخدام وتوجيه القضاء وأذرعه حين الحاجة ، كقضاء غير مستقل إداريا وماليا عن إرادة السلطة التنفيذية ، السلطه الوحيدة في الدولة .. فرؤساء الوزرارات يمتلكون كل وسائل الفساد والافساد بحكم النهج االسياسي لقائم ، ليس بالتقنين فقط بل بالصلاحيات المحميه وغير المقيدة وفي غياب سلطة السلطة التشريعيه ، كما يمتلكون كل وسائل إحقاق العدالة بين المواطنين لكنهم لا يفعلون إلا ما يعود عليهم بمنفعة ليصبح هذا الإحجام فساد بحد ذاته
ونظرا لعدم وجود المأسسه التي تحمي القرارات الملتبسة في نوعها نرى الرئيس والوزراء والموظفين يتهربون أحيانا من المسئولية واتخاذ القرار بشأن أمر ما داخلي هام من صميم عملهم مخافة من وجود محذور أمني أو سياسي لا يخصهم ، أو عندما يشكون بوجود مثل هذه المحاذير.. فهم لذلك إما يتغاضون عن القيام بواجبهم ، أو يعومون اتخاذ القرار بالتجاهل أو المماطلة . والرئيس في كثير من هذه المسائل يترك الأمر لدائرة المخابرات لاتخاذ القرار أو يلجأ للتشاور معها لاتخاذه . ونحن في كل هذا نتحدث عن اشخاص وكلاء على اقطاعيات وليس عن مؤسسات ودوله
نتطلع لنهج جديد فيه بيئة سياسية صالحة تسمح بالإصلاح ، وهذه هي مهمة النخبة ومعيارمسماها ، ومهمة الاصلاحي ومعيار جديته ، تبدأ بايقاظ الشعب واعاد ثقته بنفسه ليصعد على خشبة المسرح السياسي كلاعب أساسي في تقريرحاضره ومستقبله ومستقبل وطنه