تكاد االمقالا ت تفقد غايتها والراي العام يفقد معناه والصحف تنطق و تتساءل عن سبب تطنيش المسئول او المسئولين في الاردن لصوت جمعي يطالب بالتغيير وتحصين الدولة من خطر داهم يأتي على الجميع . إن للمواطنين حقا ما زال مسلوبا في دولتهم وسياستها ومصيرها، والتأثيرات القاهرة على معيشتهم بهدف إلهائهم بمسرحيات واحداث محلية لا تتوقف. فقد أصبح المواطنون محاصرين في دائرة تخلومن الزوايا.
وليس هناك من مواطن اردني يؤمن واقعا بشرعية تشكيل السلطات الثلاث أو سلامة عملها، ولا واثقا من غده، وعندما تشتد المحن ويشتد الكلام نسمع التوجيهات، فتنتهج الحكومات سياسة جاهزة هي سياسة الالتفاف على الاصلاح اوالحدث نفسه , وهي سياسة راسخة لا يستطيع اي رئيس حكومة القفزعنها. واصبح الاردن وما عليه أشبه بسفينة قطط تعوم تحت الحوامة ولا تبحر،وما عليها يفترس نفسه . والدستور يخلي الملك من المسئولية القانونية ولكنه كمواطن لا يخليه من مسئولياته الانسانية والوطنية.
أمامنا ثلاثة مشاهد داخلية أشكالية الطبيعه وأخر سياسي إشكالي النهج، اما الداخلية، فماذا يدور برأس النظام حتى يجعله يعتمد تجنب مواجهة الواقع الداخلي المتخبط بالفساد وسوء الادارة وقضم الرتابة الاجتماعية وتفكيك الدولة وإشاعة الحيره والجدليه البيزنطيه، وماذا يدور برأس الشعب المهمش صوته ومعاناته منتطرا قشة البعير فلا تأتيه ولا يأتيها، وماذا يدور في رأس النخب الوطنية الممتنعة عن فعل شيء من واجباتها حتى أخذت تتساقط في السيستم أو تسقط شعبيا في الشعب.
انها “دلمة” dilemma الدوله تصنع مكوناتها حالة “حيص بيص” حقيقية، فهل الثقه بالنفس مفقوده في داخل كل طرف من الاطراف الثلاثة وبأن هذا جعلها مشلولة التفكير والحركة والتفاعل ؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هو السبب، أم ان الثقة مفقودة بين تلك الاطراف ببعضها وأنه ليس من طرف منها يؤمن بجدوى التواصل مع الاخر وربما الخوف والريبة منه؟ وإذا كان السبب لا هذا ولا ذاك فهل أن الأطراف الثلاثة مصابة بمرض النرجسية والاعتداد بالنفس ولا يخرج منها سوى اقوال وسلوكيات المعلمين بلا تلاميذ تسمع، بل معلمين يمتلك كل منهم الحقيقة لتصبح جدلية لا لقاء عليها.
من هو الرابح من هذه “الدلمة” في معادلة متعددة الأطراف لا نهاية لعقدتها و لا حل لها يلوح، وما هو التغيير المطلوب عليها للتوازن ومن أي طرف؟ بالتأكيد لا رابح فيها من الأطراف الثلاثة بل فيها مستفيد وإلا لما كانت، فالرابح غائب الظهور حاضر الفعل. أما التغيير المطلوب لتصحيح المعادلة فيكفي أن يقوده طرف واحد من تلك الاطراف الثلاثة، ويتمثل سره أو مفتاحه بتغيير ما بنفسه أولا ثم نهجه الذي يصبح تغييره سهلا.
الشعب والنخب طرفان لا قوة ولا تأثير لأي منهما من دون تلاقيهما أوتكاملهما، وتلاقيهما بوجهه سدود من ازمات الثقة وما يغذيها من المرئيات والتجارب، والطرف الثالث يمتلك من الأسباب والادوات ما يكفي لقمع ومنع هذا التلاقي . إن الملك هو الأقدر والأسهل والاسلم في عملية التغيير إذا بدأت من عنده . وهذا يحتاج في غياب تأثير الشعب والنخب الى قناعته الشخصية الكافية لصنع الارادة السياسيه . فمن الذي يقنع الملك ليفعلها في الوقت المناسب. وهذا يقودنا الى الاشكالية السياسيه.
فالاشكالية السياسية في الاردن هي ام الاشكاليات، وما الاشكاليات الداخلية الا مظاهر ونتائج لها، وطبيعتها تكمن في أنها دولة منذ عام 1921 والتشكيك قائم في سيرة وأهداف قيامها وأصالة شعبها من قِبل من أنشأوا كيانها السياسي الحديث حين اعتبروها دولة انتقالية محصلتها وديعة لاستيعاب محذورات المشروع الصهيوني في فلسطين، ولم نستطع خلال ماية عام من عكس هذا المفهوم الصهيوني، بل تكرس وتوج من خلا النهج السياسي للنظام الذي ما زال قائما . فالقراءة السياسية لمستقبل الاردن القائمة على قرائن مادية وسياسية نعيشها اليوم باصرار أضحت اشارات تجذرت على الارض مع تجسيد اسرائيل لموانع الدولة الفلسطينية على الارض الفلسطينية والهجمة اليوم في مرحلة الاستحقاقات.
إن ميزان القوة في هذه المرحلة بين الاطراف الداخلية في الدولة الاردنية يتغير اليوم بخطوات متسارعة، وليس مرده الى جديد في الشعب او نخبه، بل الى كون النظام اصبح عبئا على اسرائيل . الا أن أيا من الاطراف الثلاثة لا يتفاعل مع هذا التغيير الذي يستهدف الاردن ككيان سياسي وفلسطين كقضيه .، ولم يعد مُهِماَ عند اسرائيل وأمريكا من يتربع على عرش الحكم في هذه المرحلة التي تُقنَن فيها هوية الاردن السياسية، والموقف الاسرائيلي من الملك والدولة الاردنيه هو موقف استراتيجي لا علاقة له بيمين اسرائيلي أو يسار.
بضعة امتار ستكون ما يفصلنا من نهاية الطبخة إذا استطاعت اسرائيل التخلص من العائق الاخير وهو حزب الله الذراع الايراني والاسطوري الذي يمنعها من التدخل المباشر بالمنطقة وتجسيد مخططها ونقطة ارتكازه الأردن، وما يمنع أيضا حلفاءها العرب من اعلان تحالف قائم معها بات مفضوحا . وما طبول الحرب التي تدق الرياض طبولها وتهيء لدور فيها إلا استعجال لها، وتل ابيب ترحب لكن واشنطن هي صاحبة الحسابات الدقيقة . وربما على الملك أن يترك حالة التغاضي عن واقع يكشف مستقبلا اصبح مقروءا، فمصلحته الشخصية من ناحيه، والوطنية الستراتيجية باتت مرتبطة بالانقلاب على نهج بات لا يعمل، بنهج وطني ينقذ الجميع.
كاتب عربي