يمثل ترمب الفردية في روح النظام الامبريالي، ويزاوج في سياسته بين مصالحه وطموحاته الشخصية وبين المصالح الصهيونية في الملفات الفلسطينية والعربيه، وهي المزاوجه التي تؤمن له الحماية الصهيونية من السقوط. ومن هنا انقلب كرئيس لا يؤمن بالديمقراطية على مصداقية امريكا وموقعها العالمي المستقر وعلى حلفائها التقليديين وخاصة الأوروبيين. ولا اعتقد أن الصهيونية الأمريكية المتمكنة ستستمر في دعمه. والمسألة بالنسبة لها لا تتعدى إكماله للمهمات الصعب تبريرها دوليا وقانونيا بصفته قد قدم نفسه للعالم كمتمرد.
وهذه المهمات تتركز في الوطن العربي بما يخدم ابتلاع فلسطين والجولان وهضمهما، وحيث أن طريق اسرائيل الى الملف الفلسطيني أصبح ممهدا وواضحا ومعلنا من قبلها وأن المسألة لها باتت مسألة وقت لانجاز المهمة، فإنها تسعى لاستغلال ترمب لهذا الوقت حتى لا يكون ضائعا. وذلك بتوجيهه الى ملف جديد.
الملف الجديد الذي سلمه نتنياهو الى ترمب هو الملف السوري. وعلى خلفيته يدخل على الخط الروسي في سوريا بطريقة عسكرية ميدانية، ضخامتها هي دلالة على جديتها لخلط الأوراق وتغيير المسار السلمي لروسيا باتجاه تحقيق المصلحة الاسرائيلية بشكل أفضل وأضمن.ومبتغى هذا الاتجاه هوتقسيم سوريا لتأمين موطئ قدم ونفوذ فيها لتأمين استقرار هضم الجولان الذي ضمته اسرائيل وأعلنت بأن التخلي عنه يشكل مقتلا مائيا وعسكريا استراتيجا. وكما جاءت طبيعة التدخل الامريكي في سوريا جغرافيا وديمغرافيا تؤشر على مصلحة امريكية اسرائيلية مشتركة في خلق الدولة الشاهنشاهية الكردية من شمال العرق شرقا للمتوسط غربا “.
وهنا يصبح ترمب في مواجهة جديدة معقدة مع تركيا وسوريا وروسيا وايران. حيث بدأ بتعزيز وجود امريكا العسكري وتوسيع نطاق تجييشها للمقاتلين ونطاق المساحات التي تقع تحت نفوذها العسكري واطلاق التصريحات المضلله عن سبب هذا التصعيد وربطه بمنع عودة الارهاب في وقت انتهت فيه فكرة الدوله الداعشية واصبح الارهاب في سوريا بموقف دفاعي او انسحابي. وهنا نصل الى طبيعة الأزمة على خلفية الحدث الذي يثير الخلاف والصراع بين الأطراف الأن على الساحة السورية والمتمثل في جدلية كرد سوريا المستهدفين تركيا فقط. وهنا ايضا علامة الاستفهام. /
أمريكا تحتاج في تدخلها الى غطاء سوري على الارض السورية، وقد اختارت الأكراد كحلفاء اضطراريا وبحكمة سياسية رغم كلفة هذا الخيار لما يعكسه من ضرر بعلاقتها مع تركيا. فهذا الاختيار لا يعود لميزة عسكرية بهؤلاء الأكراد بل لميزة سياسية فيهم ولهم. إذ ليس هناك بديل سوري سياسي عنهم يفي بالغرض. فاسرائيل تقبل بالعرب عملاء لا حلفاء لأنهم أصحاب القضية ولا هدف استراتيجي لهم مشترك مع اسرائيل وبالنهاية هم هدف. بينما يوجد للأكراد هدف استراتيجي يشكل ارضية لتحالف استراتيجي مع امريكا واسرائيل، وهو الدولة الكردية انطلاقا من سوريا التي تعدهم بها امريكا والتي ما كانوا يحلمون بها لعدم توفر أسسها الجغرافية والسكانية والوطنية حيث ما كان لهم يوما مجال للتذمر من أي نظام سوري ولم يكن يوما تمييزا في الحقوق السياسية بينهم وبين العربي في سوريا، بل ان سوريا وقفت مساندة للكرد في الدول الاخرى ودفعت اثمانا.
أكراد سوريا اليوم هم الفصيل السوري الوحيد من بين التنظيمات السورية او المدعية بسوريتها الذي ينفرد ويجاهر بتقسيم سوريا.. وهم الذين يسيطرون على اراض سورية بالتعاون مع امريكا ولصالح امريكا وتحت النفوذ الأمريكي. وهم الذين تهادنهم سوريا من دون كل الفصائل ولا تصطدم معهم. هذا المنطق يمكن تفسيره ولكن لا يمكن تفهمه.
إن وجود الاتراك في سوريا يتساوى مع وجود كل الدول والجهات التي تطأ الارض السورية دون إذن او طلب سوري. وهي دول او جهات جاءت بغطاء ما سمي بالتحالف ضد الارهاب وحصل في هذا توافق دولي بعلم الأمم المتحدة وعدم اعتراضها. وهذا سلوك يعبر عن منطق القوة التي يقابلها الضعف، ولا يعبر عن أية مشروعية قانونية. ونحن نتفهم عدم قدرة سوريا على اخراج تلك الدول من سورية ونثمن بنفس الوقت ارادتها بالتعبير عن عدم موافقتها على هذا الوجود.
إلا أن انتقاء القيادة السورية لدولة واحده مثل تركيا والتركيز عليها وتهديدها لوحدها رغم أنها الدوله الوحيده التي تكمن مصلحتها بدرء خطر عنها، في الوقت الذي تشهد فيه هذه القياده التعامل الدبلوماسي والسياسي الروسي والأمريكي المرن مع تركيا، أمر يطرح علامات استفهام على موقف سوريا وعلى موقف الدولتين الكبرتين، وموقف سوريا الخجول من حليفها.
تركيا على اتصال قريب وعميق مع امريكا وتعرف نواياها بتفتيت سوريا، وعلى ثقة من موقف روسيا الذي يضحي بأي موقف لها من الأزمة في سبيل استقرار مصالحها بسوريا، وتعرف أن كلا الدولتين الكبرتين ليستا مستعدتين للتخلي عن تركيا وصداقتها بالمحصله. ومن هنا تجري عملية عفرين التي سبقها تسويقا تركيا مع الدولتين بسلاسه، وإن زاد الأمر على ذلك فبمقايضات. المسأله باعتقادي أصبحت محسومة بعدم رغبة أو قدرة الأطراف الدولية السياسية على تسوية في اطار وحدة اراضي الدولة السورية.
على القيادة السوريه أن تحدد ما تريده في ضوء رؤيتها لواقع السلوك الامريكي الروسي على الأرض السوريه كلها، فالحرب القائمة الان بمعاركها عنوانها توسيع رقع نفوذ الأجانب في سوريا ولا نريد أن تكون القيادة السوريا جزءا منها بل جزءا عليها. وعفرين ترسم صوره سياسيه لواقع النوايا الامريكية – الروسية – التركية في سوريا ككل. فهذه المدينه يختلط فيها الوجود او النفوذ العسكري للدولتين الكبرتين مع الوجود السوري، وتواجه عملية تركية على خلفية الادعاء بمنع سيطرة وحدات حماية الشعب الكرديه على المدينة. والسؤال هو، ألم تسأل القيادة السورية نفسها لماذا لم يكن ممكنا توافق الاطراف على ان تكون الشرعية السورية بقانونها هي من تسيطر على المدينة مثلا ؟، الجواب سبق هذا التساؤل.
عروبة سوريا وسلامة ووحدة اراضيها لا نراه أمر يخضع للدبلوماسية ولا للسياسة ولا لمجاملة الحلفاء، وان تسامح اوتغاضي القيادة السورية عن عدم تمكينها من بسط سيطرتها على اراضيها ومشاركة روسيا بذلك يجب أن يكون موضوع اهتمامها وبحثها، فنحن نتفهم وجود روسيا على الاراضي السورية كونه جاء بطلب سوري، ونتفهم التحالف معها على قاعدة تحقيق مصالحها ومصالح سوريا العليا وبغير ذلك تشويها لهذا التحالف او انقلابا عليه.
ولمن بقي من امتنا يحترم او يؤمن بشرعية الحكام على الصعيد العربي اقول، كانت مسألة وجود او عدم وجود الأسد في السلطة هي محور سياسة الدول العربية كلها في سوريا. لكن الخطر على سوريا اليوم هو استباحتها واستهداف وحدة اراضيها ولم يعد الأمر مرتبطا بإقصاء الأسد ولا بتركه الأن وحيدا، بل إن الموقف الوطني والقومي الذي يفرض نفسه الأن هو التحالف مع الأسد لدعم شرعيته على كل شبر في سوريا لتجاوز هذه المحنه والطامة الكبرى أولا، وبعدها فقط نقول أن للأوطان في ضمائرهم حيزا مهما صغر.
كاتب وباحث عربي