كتب المحللون كثيرا عن نتائج اتفاق الملف النووي الايراني وانعكاساته على المنطقه وكتبوا عن حصص من الكعكة لدول في الأقليم وغيرها ……. عندها سمعنا البعض في بلدنا يرددون عبار( خرج الاردن من المولد بلا حمص ). نعم ليس من شك بأن المفاوضات الصعبة كانت في الكواليس بين أمريكا وإيران تقوم على تفاهمات بشأن الدور والسلوك والتأثير الايراني وامتداداته في المنطقه والتمهيد للعلاقة بين البلدين ، وتفاهمات أخرى مع روسيا ومع تركيا واسرائيل وهذا شيء طبيعي أن يحدث مع دول وكيانات مؤثرة على الارض وقادره على أن تفعل شيئا أو تمتنع عن أخر ……..لكن عن أي حمص نتكلم نحن الاردنيين ؟. وأي مصلحة نتوقع جنيها من طحن الدول العربية ومسخ جيوشها أو تغيير ديمغرافيتها سوى استعمار جديد نراه يتخطى الارض والحكام هذه المرة ، ليطال ثقافتنا وموروثنا الوطني والسياسي وعقيدتنا وطموحاتنا كأردنيين وكعرب على مذبح المشروع الصهيوني
إن علم الحساب يقول بأننا نحن في الاردن من الموزعين الأساسيين المفترضين لحمص المولد والدافعين ثمنه للأخرين . وإن خروجنا من المولد دون أن نخسر الخسارة الكبرى هو الانتصار الكبير لنا . وليست قيمتنا عند حلفائنا الكبار أصلا غير قيمة نعجة تعلف لتقدم ما عندها للغير بانتظار يوم نحرها أضحية .. فالتاريخ السياسي الحديث والموثق في منطقتنا يقول بأن الاردن الحديث قد انشأه التحالف الأنجلو صهيوني لهدف حيوي وأساسي هو انجاح وتحقيق المشروع الصهيوني بمرحلته الأولى . فلم ينشأ الأردن على نفس نسق وهدف إنشاء الدول السيكوسبيكية العربية الأخرى ، ولم يخطط له ولا لإخراجه من وعد بلفوراستنادا للمادة 21 من صك الانتداب ليكون دولة مستقلة بهوية سكانها الاردنيين . بل لإلغاء خصوصيته السكانية والجغرافية تاريخيا وجعله مكانا لاستيعاب الفلسطينيين المهجرين قسرا من غرب النهر، ولخدمة المشروع الصهيوني . وتلك المادة بقيت تنص على أن المنطقة من النهر لعمق الصحراء جزءا من فلسطين .
فالحرب الجارية في المنطقه ليست حربا على حكامها بقدر ما هي علامة على انتهاء دورهم والبدء بحرب استكمالية له ، إنها حرب نفسية وعقائدية وثقافية على الشعوب العربية مباشرة لتبديل قناعاتها ولتطويعها للسلام مع اسرائيل طبقا للمنظور الاسرائيلي بعد جعله أفضل المتاح ، حرب لاستعمار الشعب العربي فكريا وثقافيا وسياسيا بعد أن استعمر وطنه ومقدراته تستخدم فيها ألعن وسائل الاعلام وأقذر الأيادي . فالغرب الصهيوني يعلم بأن معركته في المحصلة النهائية هي مع الشعوب لا مع الحكام ، فدورهم قد استهلك وانتهى . وما يجري من صنع لشرق اوسط جديد هو في محصلته النهائية لتحقيق الرؤية الاسرائيلية بتفريغ مكونات ملف القضية الفلسطينية خارج فلسطين ، وتغطية اهتمامات ومصالح أمريكا وغير العرب في الإقليم .
إن إسرائيل في قلب أهداف ونتائج المولد الدموي ولا نريد أن نكون دراويشه ومستقره . وعلينا أن نتذكر دائما بأن هناك توافقا دوليا – عربيا – اسرائيليا على استحالة تحقيق الاستقرار السياسي والأمني لاسرائيل وفي المنطقه وامتداداتها دون طوي ملف القضية الفلسطينية بمكوناتها ، ونفس هذا التوافق قائم على استحالة تحقيق هذا الهدف دون دولة تستوعب المكونين السياسي والسكاني للفلسطينيين ، وحيث أن هذه الأطراف تعلم أن اقامة اي دوله فلسطينيه ذات سياده على اي بقعة بين البحر والنهر امر مرفوض رفضا استراتيجيا باتا من قبل اسرائيل كونه من وجهة نظرها يشكل الغاء لمعتقدها وللمشروع الصهيوني وتهديدا لوجودها ، فإن من هذه الروابط الثلاثه يصبح الأردن هو الحل المنطقي والمسمى صراحة ، ويصبح العائق أمام أمريكا واسرائيل لتحقيقه هي الشعوب العربية وإيجاد التبرير الدولي ، ولم يكن التصور للتغلب على هذا العائق إلا بحرب على هذه الشعوب ومنطقتها في فوضى خلاقة لهم وهدامة لنا .
ولنتذكر أن نص قرار التقسيم قد قسم فلسطين بين اليهود والعرب وليس بين اليهود والفلسطينيين، ونتنياهو يقول أن اسرائيل طبقته وأخذت المساحة بين البحر والنهر وتساوي خمس فلسطين وتركت الأخماس الاربعة للعرب. ونحن طبقناه ونرى الأردن وطنا مفتوحا لسيول من العرب المهجرين من أقاليمهم . وعندما نقول الوطن البديل فلا يعني اقامة دوله فلسطينيه في الاردن باسم دولة فلسطين بل جعله مكانا يستوعب استحقاقات الدولة الفلسطينية السكانية والسياسية والوطنيه. والسيناريوهات في هذا كثيره ، وتتسارع وتيرة تهيئة ظروفها وبيئتها .
إن الأردنيين والفلسطينيين هم اليوم في أضعف حالاتهم . ولم يكونوا يوما معزولين عن قضيتهم وعن حكامهم وعن الشأن العام كما هم عليه اليوم . وإن الفساد بأشكاله والمديونية بضخامتها والصراعات الاجتماعية وإفقار الناس وتهميشهم وتفصيل النواب وكل السلطات هي سياسة مفتعلة ومبرمجة تعلمها امريكا واسرائيل وتتفقان معها . وما هي إلا وسائل من أجل إلهاء الشعب وإضعافه وفرض اولويات عليه وإشاعة الخوف واليأس في نفسه .وتهيئته طائعا للحلول .
علينا أن نخلع الأجنحه والأوهام ونستحضر واقعنا ونستحضر معه دائما اسرائيل . فنحن تناقضها الأساسي والأردن محطة مشروعها ، وعلى كبارنا أن لا يساقوا كما يسوق خرافهم . فالتهاون في حفظ الأمانة والوطن جرم تاريخي وخيانة عظمى . وليس لنا بعد أن نتكلم ونقرر ونفعل من رؤوس غير رؤوسنا . معاناة وإذلال وعار قد تحمله الأجيال لقرون إن تسامحنا أو قايضنا على الوطن وحرية أحفادنا . وليس لنا نحن المسئولين أن تترك لأجيالنا إرثا ثقيلا لا يتوقعونه منا . إن الرجال مواقف ، والموقف لحظة . لنقول مرة واحدة… لا.. ونقوم على استحقاقاتها …وندفع استحقاقاتها . فالوطن وطننا والكرامة كرامتنا والمستقبل لأحفادنا .
نحن نعيش في الوقت الضائع ، ومشكلتنا الأساسية والملحة الآن هي سياسيه بامتياز ، فلا ننساق لإشغالنا بمسلسلات أوهام الاقتصاد والاستثمار والمدارس وقصص أخرى وبكل وسائل الإلهاء المتعمده ، فكلها مسائل هامة لكن طرح الدولة لها غير جاد ولا هو الهدف، فحالها وحال المواطن معها في تراجع . فإما ثورة بيضاء تبدأ بالنفس . يقودها الملك بالتحالف مع شعبه مستثنيا كل الرموز التقليدية وأدواتها من تابعين ومدجنين وسحيجة ، وإما وقفة شعبية سياسية وجادة من مختلف المناطق يقول فيها الشعب كلمته للملك مباشرة . فالحديث لا يكون الا بين النخب الحرة المنتمية للوطن وناسه ، وبين الملك..