قوى الدس والشر وأدوات التآمر تنشط في هذه الأيام لرسم مشهد اللعب بعقولنا وباستفزاز ألسنتنا وصولا للنيل من وحدتنا وتشكيل مصيرنا على المقاس الصهيوني. نحن أمام جهد متواصل يُطبخ على نار بنكهة الزيت لتشكيل مشهد اردني يهيئ لفتنة أهلية في دولة لا تحتملها لعظم خطورتها. والتي إن اندلعت لن يسلم من نارها أحد ولن يسلم الوطن ولا الدولة. لا مصلحة لأردني من أية أصول كان في التعاطي مع العنصرية والإقليمية بل فيها هلاكه. ولا يعتقدن أحد أن اللعب بخيوطها مزحة أو كمناوشة بين جارتين على حبل غسيل. الفتنة موجودة دائما، ويلعن الله ويلعن الوطنُ وتلعن قضيتنا الفلسطينية الاردنية موقظها ومن يتعاطى بها أو يستجيب لها. فلا ندع المسجد يستحي بجمعتنا الزائفة بداخله وإن نطق لطردنا من حضرته، ولا الخُلُق والوطن والعروبة يتبرؤون منا.
نحن في هذا البلد لا يجمعنا ملك ولا ملكة ولا يفرقنا ملك ولا ملكة ولا فساد الفاسدين أيا كان لبوسهم وكانت لون كوفيتهم التي نرنو لجعلها بلون مأساتنا والتحدي المشترك. بل يجمعنا الوطن الواحد والقضية الواحدة والاخطار المشتركة والمستقبل. ويفرقنا استسلامنا لمخططات العدو فينا. من منا في الأردن لا يعرف أن العمل جار منذ نشأة الدولة على بذر بذور الفتنة بيننا ليوم حصاد على جثتي الأردن وفلسطين. ما هذه الردة في ساعات الجمع والجماعة. لقد أشعلوها في سيعين القرن الماضي وفشلوا بوعي ونقاء أمهاتكم وأبائكم حين تركوا المتحاربين من أبنائهم المقادين وحضنوا بعضهم في المنازل.، فكيف تستجيبوا لتكونوا مشروع أداة نحر لأنفسكم ولوطنكم.
لندرك أن الفساد في الأردن سياسة بحجم القضاء على الدولة، وبحجم إنهاء علاقة المواطن بوطنه. ولم يعد هذا الفساد حكرا على الفاسدين بالفطرة ولا بالمهمة المطلوبة من المسئولين، فقد تجاوز في بلدنا مفهوم نهج حكم الى نهج دولة، وأصبح هذا الفساد نمط حياة انخرط فيها كل مواطن من حيث يدري ولا يدري بحكم غريزة الحفاظ على البقاء في غابة وحوش بشرية الجرم فيها والموت ناعم، بلا حكماء ولا رجال ولا مضحين. ولن يتوقف هذا الفساد إلا بتوقف النهج السياسي، المتهم الرئيسي المسخر لهدم الدولة ومواطنها لخدمة المشروع الصهيوني.
مشهد الفساد واضح، جُعل في الاردن سهلا ومحميا للفاسدين المحليين، يستخدمه المسئولون العامون الكبار والمتنفذين في القطاع الخاص حيثما استطاعوا لذلك سبيلا في تحالف واحد يشكل طبقة. والهبش لا يحدد حجمه إلا الفارق بطول اليد ودرجة الحماية، إلا أنه لا فساد في القطاع الخاص ممكنا إلا بفساد القطاع العام. وكلامي مفهوم جدا. فهم في القطاعين حلفاء وأصدقاء ألداء، ونحن المواطنين بالهوية مع وطننا الضحية. ولا يريدوننا متحدين في مواجهتهم بل منقسمين ونتعارك في جهنم لتسهيل مهمتهم أولا واستعدادا للفتنة الكبرى التي سنكون حطبها إن لم ننتبه ثانيا. فأمريكا وبنكها وصندوقه ا الدولي يعلمون بسياسة الأرض المحروقة في الأردن. لا صديق لأي من فئاتنا في نظام الحكم وأجهزته ولا في خارج الأردن، وليس من باك علينا اردنيين كنا أو فلسطينيين ومن أي منابت نبت أجدادنا.
الملك وحده الذي نستطيع دستوريا مخاطبته ولومه على ما جرى ويجري في الأردن وفي الديوان الملكي، ديوان الشرعية وبيت الأردنيين جميعا، من فظائع الفساد المالي وإلإداري والدستوري والسياسي والأخير مسئول عن كل فساد في الدولة. وقد وصلت هذه الرسالة للملك بالمكتوب والمسموع والمرئي وشبع من سماعها. ولا نستطيع تحميل مسئولية التغيير ووقف التدهور بالدولة ومواطنها لغيره ما دام يقر بأنه صاحب القرار ولا أحد غيره، وما دامت القرارات الادارية العليا تصدر باسمه. وما دام ينأى عن صوت الشعب وعن الرأي العام والرأي الأخر. فلا تضيعوا مركز المسؤولية.
أنتم المواطنون تساقون لشخصنة الفساد وتجزئتة وتحريمه وتحليله ولجعله ملهاة وأداة استخدام للعبة خطيرة، في صمت مطبق وألسنة مقطوعة لأصحاب الشأن من الزعامات الإجتماعية والسياسية والثقافية في هذا البلد من كلا المكونين الشقيقين.
حان الوقت لندرك بأن الخطاب الحراكي في الشارع من خلال بعض الهتافات غير الواعية، والخطاب الأوسع انتشارا في وسائل التواصل الإجتماعي استُخدم ويُيستخدم لأبشع صور الفتنة الأهلية والإقليمية لشق الصف الوطني في حرب على الذات الجمعية. وبما يؤكد جهل المتعاملين معه والمستجيبين له، ويؤكد عمق اختراق الدولة العميقة. استُخدم أولا بإحلال الخطاب الخاطئ مكان الصحيح الذي لا يجب أن يتحول عن الخطاب السياسي، واستُخدم ثانيا لازدواجية الخطاب الاستفزازي في الفساد حين يميز ويتناول فاسدا ويترك أخر لصنع حالة من فقدان ثقة الواحد من بأخيه وجعل العرب عربان والأردنيين ندانا، وفي تضييع المسئولية والجهة التي يجب مخاطبتها.
بينما لأردن الذي نريده الصخرة التي يتحطم عليها وعد بلفور بالقطرين يحتضر بسرطان في عقبه لا يترك خلية سليمة في جسمه.. فنحن في ظرف نخضع فيه لحرب من طرف واحد كشعب ووطن نموت فيها بصمت ودون سلاح أو قتال، وكل ضمير في هذا الوطن متهم ما لم نتماسك وننتفض انتفاضة الجسد الوحد لا شرقية ولا غربية ولا شمالية ولا جنوبية، ولها يعلق حبل المشنقة شرعا في بلد كالأردن. الإنسان هو الأقدس، لكنه والوطن توأمان متلاصقان وفصل أحدهما يذهب بالإثنين معا، وهذا الفصل هو ما يعملون عليه اليوم في الأردن الذي يحكمه ويسيره إتلاف شرعية العصابات المحلية مع الصهيو أمريكي. ومن الغباء القول بأننا في دولة بالمعنى الواقعي أو أن النظام الذي كان يحكمنا ما زال نفسه. إنها اللحظة التي نصحى فيها وليست التي نغرق فيها في الوحل.
التونسيون قفزوا عن كل أحزابهم العقائدية والبرامجية وعن نقاباتهم وخلفياتهم المنابتية والمناطقية وتوحدوا تحت قيادة تونسي عربي من خارج هذه الأطر ويعلن علم تونس لجانب علم فلسطين. ولبنان الذي تحكمه العائلات والمشايخ، و بلد الأعراق والطوائف والمذاهب والاقطاعيات السياسية توحد شعبه بعيدا عن تلك الاقطاعيات وطبقتها وخرج منها وعليها بعد أن وجد نفسه حطبا في خدمة تلك الاقطاعيات. أين نحن في الأردن من هذا؟
ألسنا الأحق فيه ونحن نعاني من انعدام الأفق أمام الاستهداف الصهيوني المباشر تحت وطأة الضغوطات المعيشية وفشل الدولة وإفلاسها، ونحن الأكثر تهميشا وعزلا وفقرا. فكيف نُحْجِم عن التوحد ونستجيب بدلا من ذلك لنداءات وإيحاءات الفرقة وتحويل معركتنا إزاء الخطر المشترك الى معركة فيما بيننا. هل نحن أقل وعيا وثقافة ووطنية أم أننا أذناب لطبقة الخون.