نخب الكفاءات والنظام

هناك اعتقاد سائد بأن المسئولية في معاناة الشعوب والفشل في التغيير تقع على الشعوب نفسها. وإذا ما تفحصنا هذا الاعتقاد لوجدناه غير متوازن ولا منصف ، فنهضة الشعوب وقدرتها على التغيير لا تكون بمعزل عن وجود قادة يحفزون الشعوب بأدوات التحفيز ويحركونها ويوجهونها ويقودونها . وهي هنا النخبة السياسيه وإن اختلفت طبيعتها من حالة لأخرى أو من عصر لأخر ، والباعث والتصميم في داخل نفوس الشعوب هو شرط لازم وغير كاف . فالمسئولية عن الفشل في التغيير السياسي تصبح على عاتق هذه النخبه .
إلا أن الفشل في التغيير السياسي ليس عائقا حصريا لرفاه الشعوب وتطور الدول. ولا معاناة الشعوب وتأخرها مرهونا بفشل النخبة السياسية . فهناك نوع أخر من النخب تقع على عاتقه عملية تطوير وتقدم الدول والشعوب وارتقائها وهي نخب الكفاءات الابداعية والمتخصصة في مختلف حقول الحياة في الدوله.
صحيح أن الدول التي نهضت سياسيا وديمقراطيا بقيادة النخبة السياسية الصادقة قد أصبحت مؤهلة سياسيا لحشد واستقطاب نخب الكفاءات والاختصاصات من داخل دولها ومن كل دولة أخرى طاردة للكفاءات وحققت بواسطتها التقدم والتطور علميا واقتصاديا وبمختلف المجالات ، الا أن فرصة نخب الكفاءات في اسعاف الشعوب وتطوير دولها في ظل أي نظام سياسي أمر ممكن حين تستثنى من اللعبة السياسية . وقد استخدمت فعلا هذه النخب لتقوم بدورها بنجاح في العديد من الدول النامية وغير الديمقراطية .
إن شعوبنا إن لم تتفوق ثقافة وسعة اطلاع ووطنية على شعوب الدول الديمقراطية الغربية مثلا، فهي لا تقل عنها .وإن نخب الكفاءات التي تصنع نفسها من واقع مواهبها الموروثة واجتهادها الشخصي والقادره على تنمية وتطوير وتحديث وتقدم الدول ورخاء شعوبها ،هي نخب موجودة بين شعوبنا العربية والشتات ، ولكنها لا تجد نفسها في دولها ولا مكان لها فيها ولا طلب جاد عليها ، فتحرم منها شعوبنا ودولنا وأنظمتنا . فالأردنيين يشعرون بتراجع حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية في غياب فرسانها ، ويتعايشون معها وتتعايش معهم بفضل سياسة الجباية والقروض والمناقلات والاحتواء والحلول المؤقته ، تستقر الاوضاع معها لا فيها . فهي لا تحل مشكله ولا تبني مستقبلا .
، فعلى من تقع مسئولية إقصاء وتطفيش نخب الكفاءات الأردنية التي نكتفي بالاطلاع على اسهاماتها العلميه وابداعاتها في دول الغرب من الصحف ،ونسمع عن التقدير المالي والمعنوي الكبيرين لها ،
إن أشخاص هذا النوع من النخب لديهم قدرات وطاقات تطغى على سلوكهم بالفطره ، إنها بضاعتهم ويبحثون عن تحقيق ذاتهم فيها وعمن يقدرها ، فهم لا يعملون في السياسة ولا في عملية التغيير السياسي ، بل في عملية تطوير المجتمع والارتقاء به ،.وبمقدور أنظمتنا الحالية أن تستفيد من كفاءات هذه النخب وأن تفيد شعوبها ودولها دون خوف على سياساتها أو وجودها ،فهي عنصر استقرار ، واستثمار وطني كبير ومتعدد الاتجاهات لا يفرط به .
وهنا فإني لا أعتقد بأن قيادتنا الاردنية تريد استبعاد وتطفيش نخب الكفاءات غير السياسيه او المسيسه. ولا هي ضد استقطاب الكفاءات المحلية والاستفادة منها ، ولا ضد إعادتها من الشتات ، بل أن بطاناتها والنخب الحاكمة في المناصب الادارية العليا بدءا من رئيس الحكومة و جهازالديوان الملكي قد أصبحت في غياب المؤسسية الدستورية تشكل طبقة تعمل على حماية مصالحها وتفصل الكثير من القرارات الادارية على مقاس مصالحها ومقاس زمن وجودها في مراكزها ، إنها هي التي تحارب هذه النخب وتشعرها بالغربة لتستقطب مكانها نخبا وهمية محسوبة عليها لا تحمل من مؤهلات سوى شهاداتها الجامعية أو الشلليه كالعملة الرديئة تطرد الجيده .
إن قيادتنا ومن يهمه أمرها وأمر بلدنا قادرون على ان يعطوا هذا الامر اولويته ، فلمثله تقام المؤسسات المستقلة وتشكل اللجان وتجرى المسوحات. وقادرون على مراقبة إيحاءات وقرارات الحكومات والبطانات التي لا تخدم سوى أنفسها على حساب مصالح الوطن والشعب ، والأمل معقود على مأسسة عمل رئاسة الحكومة وجهاز الديوان الملكي بالدستور ،