لم نسمع موقفاً اردنيا رسميا واضحا من الصفقة في بيان رسمي مفترض أن يخرج عن الدولة بشأنها لا قبل ولا بعد اعلانها. فإجابة الملك هي نفسها في كلا الظرفين، وإجابته على الهواء بقيت ثابتة، كما سياستة العملية على الأرض بقيت ثابته وكلاهما متعارضان ولا انسجام بينهما. لماذا يفتقد الملك الجرأة في التوضيح والوضوح في موقفه. وهل هو بصدد سياسة تمرير المطلوب منه بالقطعة وتركيز الجهود على التبرير بالقطعة مفترضاً بأنه اسلوب يمر على الناس؟، أم أنه في سياق انتظار شئ أخر، والشيء الأخر هذا لا يمكن أن يكون إلا شخصياً. فلا نتوقع منه أي جهد أو قدرة لتغير المسار الصهيو أمريكي ضمن وضعه الداخلي والخارجي ومدى ارتباط هذا الوضع بيد أمريكا.
لا أدري إن كان الملك يتجاهل بأن الأردن ليس مصر ولا سوريا ولا السعودية ولا المغرب، الأردن هو الصفقه ومحلها وليست فلسطين وحدها محلها. الأردن معني فيها وفي مواجهتها كما فلسطين تماماً. الكلام الواضح المطلوب هو التصريح بأن الأردن نظاما وشعبا يستهجن ويرفض الخطة الامريكية الاسرائيلية موضوعا وشكلا ويعتبرها جرما سياسيا وأخلاقيا بحق الشعب الفلسطيني وقضيته المقدسة وبحق مستقبل الدولة لاردنية وشعبها، وانقلابا فاضحا على القانون الدولي والشرعية الدولية وعلى كل مانجزته الأمم المتحدة على صغر حجمه. وأن الاردن لن يتعاطى معها على أي صعيد مهما كانت التهديدات أو المغريات. هذا هو ردنا الابتدائي المفترض
اجتمعت الجامعة العربية على مستوى الوزراء بطلب فلسطيني ولم تتداعى للاجتماع من نفسها ، اجتمعت على مستوى الوزراء للاختباء خلفهم وليس هذا ما يستحقه الحدث ولا مستواه، حضرت الدول التي احتفلت مع امريكا واسرائيل باعلان الصفقة واشتركت بالبيان، البيان يرفض الصفقة بمبرر أنها لم تلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية وكأننا نريد تعديلها، وبأن في الحقوق قليل أو كثير وقابلة للتفاوض، أقول إن المغمغة بالكلام فيه خيانة الجبناء.
لنفترض أن الرفض للصفقة جاء صريحا وعلى لسان رؤساء الدول العربية فرادى وجماعة . فهذا كذب وخداع إذا وضعنا خلفه نقطة واستمرينا في نهجنا، فحتى يكون هذا الرفض صادقا ومنتجاً يجب أن يكون متلازما مع عمل يُفَعَله ويثبت مصداقيته، إنه يحتاج الى التغيير في النهج وفي سياسة التعامل مع امريكا واسرائيل، والى استراتيجية إفشال الصفقة والتحرير.
الصفقة يافطة بحجم الاقطار العربية مكتوب عليها نهج لعبة وخدعة المفاوضات انتهى دوره. وما كان له أن يكون فلم يَنتزِع العدو الارض والحقوق منا ليعيدها الينا طائعا او راغبا. وليس من غاية للمنتصر من التفاوض إلا الحصول على الاستسلام والتوقيع عليه واستكمال الافتراس.لا تفاوض ولا ثقة ولا صلح لضعيف أو منهزم. وليس أمامه إلا المقاومة وحدها التي تغير ميزان القوة وترضخ لها القوة الغاشمه. هذا علم ومنطق وتاريخ. ومن يقفز عنه خادع أو مخدوع أو متآمر.
المفاجأة الكبرى في اجتماع الجامعة العربية كان حديث عباس. فعندما استمعت لحديثه مع ترمب الذي كان ما زال يتلمس طريقه وفي خلفيته أن هناك شعبا فلسطينيا مقاوما ويفوق شعوب العالم ثقافة وتمسكا بحقوقه وبأرضه وله قضية عادلة يقف خلفها العرب والمسلمون. اقول عندما استعمت لحديث عباس اليه حزنت جدا جدا على الشعب الفلسطيني وعلى العقول المفكره والمفاوضه فيه. وقلت لنفسي بأن ما تبرع به عباس من كلام الى ترامب كان كفيلا بأن يصنع صفقة قرن أسوأ بكثير.
لقد أوصل الى ترمب رسالة مغايرة للرغبة والارادة الفلسطينية وتمحي القدرة النضالية الفلسطينية ودماء قوافل من الشهداء وخيار المقاومة، أوصلها في قالب ولسان يجهل تماماً السياسة ومبادئ التفاوض بل والحقوق الفلسطينية. ابلغه رسالة تحمل او تتضمن القفز الى نتيجة استسلامية باستعطاف وامتنان لم يكن لا ترامب ولا اسرائيل يتوقعون أدنى منها إطلاقا، وبأنه لا يريد اكثر من مكان بمسمى دولة منزوعة السلاح والسيادة يعيش الشعب الفلسطيني فيها بسلام وأنه لا يؤمن باستخدام القوة ولا السلاح ولا المقاومة وماما زال هذا الرجل يشحد السلام والحقوق بالمفاوضات ويقف ضد ارادة خمسة عشر مليون فلسطيني بالمقاومة واعتمادها طريقا للتحرير او لتجاوب العدو للحقوق كاملة.
وأخيرا نكون قد وقفنا على سر اوسلو.فقد لجأت اسرائيل اليها من ضعف وخطر الانتفاضة، ذهبت لتنجي نفسها بمنح الفلسطينيين ما يريدونه فوجدت مفاوضها عباس، حان لفتح وللشعب الفلسطيني أن ينتزع حجمه الحقيقي من سلطته ومن غيره من العرب ليواجه به امريكا والعالم.