أجري خلال قرن ونصف من الزمان مسح ميداني وحملات تنقيب دولية متخصصه ومتنوعه نبشت كل بقعة ما بين المتوسط غربا وغور الأردن شرقا ، والجليل شمالا وسيناء والبحر الأحمر جنوبا وكان ذلك ابتداء على يد هيئة غربية مطعمه بيهود سميت بصندوق التنقيب في فلسطين (Palestine Exploration fund )الذي أسس في بريطانيا عام 1865وكان هدفها المعلن هو (التحري المنهجي لآثار وطوبوغرافية الأرض المقدسه وتقاليد وعادات شعبها لتوضيح وإثبات حكايات العهد القديم . وقد كان الفرنسيون قد سبقوا بريطانيا على صعيد إرسال البعثات لاستكشاف مفردات السرديات والقصص التوراتية حيث ارسلوا في عام 1799ماية وخمسة وسبعون خبيرا لاستكشاف أصول تلك السرديات في مصر..
أما بعد صندوق التنقيب في فلسطين فقد جاءت إلى فلسطين في عام 1890بعثة علمية اثارية برئاسة البريطاني فلندرز بيتري FLinders Petrie الذي أطلق عليه البعض لقب أبي الآثار الفلسطينية وقامت بالتنقيب فى تل الحسى ووادي الربابعه . وبعدها جاءت بعثة أخرى برئاسة (بيلس) ومعاونه (روبرت مكالستر )(Stewart Macalister )واجريا تنقيبا في جنوب فلسطين (تل الصافى -تل زكريا- تل جديدة) . ثم في عام 1909قام الأمريكي دونكان مكنزي Duncan McKenzie بتنقيبات في تل الرميلة . وفي عام 1918قام جورج ريسنر 1867-1942)(George Andrew Reisner )بتخويل من جامعة هارفرد الأمريكية بتنقيبات اثاريه في أريحا وسبسطية ..
ثم جاء الانتداب البريطاني على فلسطين وارادت بريطانيا ان تثبت حق اليهود فيها وبأن وعد بلفور قام على حقائق تاريخيه . فتم تعيين الاثاري البريطاني جون جارستانج John Garstang مديرا للاثار الفلسطينيه فبادر الى حث المؤسسات الدينيه والجمعيات الاثاريه على البحث والتنقيب انطلاقا من الخلفيه التوراتيه لاثبات صحتها . ونتيجة الفشل توالى التنقيب واتسع ليشمل كبريات الجمعيات والمؤسسات الغربيه وصولا الى التنقيبات الشامله والمضنيه والمتواصله التي قامت بها حكومه اسرائيل نفسها باشراف عسكرييها في الضفه الغربيه بعد احتلالها عام 1967 وشمل التنقيب المنطقه التي كانت تضم القدس وبيت لحم و كل مناطق دولتي السامره ويهوذا المزعومتين وقد استعانت اسرائيل بافضل العلماء الغربيين واليهود وباحدث وسائل التنقيب بمشاركة مختصين امريكيين وكنديين وبريطانيين والمان وغيرهم .
ومنهم اذكر البريطانيه كاثلين كينون التى مسحت في الستينيات منطقة الحرم وكذلك الالمانية مارغريت ستينر Margaret Steiner في القدس والهولندي هنك جاكوبس فرانكلين Henk j Franken والأميركي بول لاب Paul W Lapp على رأس بعثة واليهودي إسرائيل فنكلستين Israel Fenkelstein وغيرهم من الأسماء حيث عملوا بإشراف الحكومه الإسرائيلية وتوصلوا بشكل قاطع إلى النتيجة التي وصل إليها اثاريو الغرب وعلمائهم وهي عدم اتفاق ما جاء في التوراه من سيرة مع التاريخ الموثق ومع اللقى الاثريه..
خلصت النتائج الى عدم العثور على أيه أثار للسيره التوراتيه باسمائها ومصطلحاتها في فلسطين وإلى اكتشافهم بدلا من ذلك تاريخا اخر تماما ، هوالتاريخ الفلسطيني الكنعاني الفينيقي ، وشملت النتائج ما يثبت خرافية التاريخ التوراتي في فلسطين والمنطقه بدءا بقصه الخروج من مصر والفتح العسكري لفلسطين ومرورا بممالك و ملوك اسرائيل فيها وانتهاء بحيثيات تاريخهم السياسي العسكري المزعوم مع شعوب المنطقه . وقد عبر زئيف هرتسوج Zeev Herzog الأستاذ في قسم اثار وحضارة الشرق القديم في جامعه تل ابيب عن نتائج البحث الاثاري الدولي العلمي في فلسطين والمنطقه في صحيفة هاآرتس بتاريخ 29/10/1999 ونصها بالمختصر
“بعد سبعين عاما من الحفريات المكثفه بارض اسرائيل وجد علماء الاثار ان الاباء المؤسسين وافعالهم كله خرافه وان الإسرائيليين لم يقيموا في مصر ولم يخرجوا منها ولم يحتلوا فلسطين وليس هناك أي ذكر لمملكه داوود وسليمان وليس هناك من أساس لمعتقد آلهة إسرائيل وهذه الحقائق قد عرفت من سنين لكن شعب اسرائيل عنيد ولا احد يريد ان يسمع عن ذلك ان الاسرائيليين لم يكونوا ابدا فى مصر ولم يتجولوا في صحرائها ولم يغزوا ويفتحوا فلسطين من خلال حمله عسكريه ولم يستوطنوا فلسطين ويتوزعوها من خلال اسباط اسرائيل الاثنا عشر”
أما الباحثون الذين أسهموا بالبحث وأدلوا بأرائهم فلا يتسع المجال لذكرهم وذكرها ولكنهم عبروا عن تلك النتائج بالقول أن من شانها ان تحول التوراه من كتاب ذو صفه دينيه وتاريخيه الى كتاب ذو صفه أدبيه واساطيريه وخرافيه مسروقه. .
إن الفشل الصهيوني في العثور على مايؤيد هدفهم في فلسطين والفشل الذي تبعه في مسح مصر وبلاد الرافدين قد قادهم الى تغيير مسار هدف التنقيبات الاثريه بحيث يصار إما الي تزويرها وإما الي سرقه واخفاء اللقى المتعارضة مع السيرة التوراتيه او إتلافها . وعبر الاثاري والعالم الايرلندي روبرت ماكلستر Stewart R Macalister حين أكد في كتابه قرن من التنقيب في فلسطين عام 1925 بأن هناك نزعه غير علميه أصبحت تسود التنقيب لان الباحثين ينطلقون من فرضيات مسبقة ويحاولون البحث عن ما يدعمها ،ويهملون فيها كل المكتشفات الاثارية التي لا تدعم فرضياتهم او تغايرها . ” وهذا ينطوي على طمس التاريخ الفلسطيني .
إلا أن الآثاريين المحايدين عندما لم يجدوا تاريخا يهوديا هناك تحولوا في تنقيباتهم الى استكشاف التاريخ الفلسطيني. ومن هنا كانت الخطة في شن الصهيونية الاسرئيلية حربا ارهابية منظمة ضد العلماء والاثاريين الذين يقفون بوجه مخططها والتي وصلت للتصفيه الجسديه . ومن الامثلة على ذلك عالم الآثار الامريكي د.ألبرت جلوك Albert Glock الذي اغتيل في بير زيت وعالم الاثار الامريكي بول لابPaul W Lapp الذي كان عقابه الموت باغراقه في مياه قبرص الشماليه وهو ما ورد في كتاب فجر فلسطين للكاتب والصحفي الامريكي ادوارد فوكس(Edward Fox) حيث كان لاب بول قد تراس بعثه تنقيب في فلسطين عام 1962 بالقرب من نابلس وأنه مع العام 1967 و بعد احتلال الضفه الغربيه وقطاع غزه احتج على الحفريات غير المشروعة في ارض محتله ، .فأوقفها الاحتلال ولكنه دمر حي المغاربه بالقدس . وأسمي ايضا الكاتبه والصحفيه الامريكيه أيمي دوكسر ماركوس (amy Marcus Dockser ) التي اقامت علاقات وثيقه مع الاثاريين اليهود في تل أبيب ثم نشرت بكتابها المشهد من نيبو ما يخرق تعهدها بعد نشر ما لا يتفق مع من المكتشفات الاثاريه مع حكاية التوراة ..
وفي الختام ، إذا كان حكامنا بعلاقتهم المتطورة مع الاحتلال الصهيوني يعلمون الحقائق العلمية والتاريخية في بطلان أية علاقة أو حق لليهود القدامى والآريون الجدد في فلسطين ، فيستحضرني عندها كلمة قادة ومفردها قائد ومصدرها قياده ككلمة عربية لم يعد لها مسمى عندنا ، ويستحضرني مثلها كلمة قوادون ومفردها قواد ومصدرها قواده ككلمة عربية أيضا لها عندنا مسمى ، ولكني لا أستخدمه هنا في وصف بعض حكامنا ومفتوهم تماشيا مع التقاليد المحصورة بنا كعرب .