هذه الحرب سياسية

تشير المعطيات من تصريحات اعلامية وسياسية أمريكية حول الحرب التي يشنها التحالف الدولي على داعش كما يشير أيضا واقع المعارك نفسها بأن هذه الحرب هي حرب سياسيه بامتياز وليس لميزان القوة العسكرية ولا للتكنولوجيا فيها أية تأثيرات واقعيه أو منطقيه على مسارح المعارك التي ستبقى كلعبة القط والفأر ، بل تأثيرات مسرحيه وغير مقنعه . حيث بدأ قبل حوالي الشهر التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحده والذي يفوق تحالف الحرب العالميه عددا وعدة وتكنولوجيا بإعلان حربه ضد دول المحور الذي يمثله اليوم تنظيم داعش وحده لا المانيا ولا ايطاليا ولا اليابان ، أقول بدأ اعلان حربه وعلى لسان الولايات بتحديد مدة الحرب مسبقا بثلاث سنوات وقبل أن تبدأ . وهي بهذا حرب من طرف واحد مبرمجة الأهداف والنتائج والوقت بالنسبة للحلفاء ولداعش أيضا ، و لن تكون فيها القوة العسكرية عاملا حاسما أو مؤثرا على الأرض كما لن يكون فيها ضعف الخصم وهو داعش حاسما بل فيها رساله لهذا الخصم مفادها لا تيأس ولا تحزن فأنت لاعب لنهاية فصول المسرحية ووجودك مكفول لسنين وعليك أن تستمر وعليك كما تتقبل الانتصارات أن تتحمل وتتقبل النكسات العسكرية فهي لن تميتك ، وداعش هذه التي فتحت لها ابواب الحركة والمال والسلاح لا يختلف اثنان في أنها ليست على مستوى الصمود أمامم دولة واحده في مواجهة جادة . إن الدوائر السياسية في الدول الغربية الديمقراطية تعلم ولا شك بأن في الأمر على هذه الشاكله ملعوبا ربما تكون مجهولة طبيعته لديها ولكنها تعلم بأنه ملعوب لا يخصها ولا يكلفها ويكفي لها أن يكون عنوانه الحرب على الارهاب ليصبح الانضمام مطلبا شعبيا والتزاما سياسيا وأدبيا . فما هو هذا الملعوب السياسي وضد من ولصالح من يكون ؟

إن هذا يتطلب بالضرورة استحضار الحقيقة الثانيه وهي المرتبطة بكيفية تشكيل القرار في السياسة الخارجية الدولية . وبهذا فإن الولايات المتحده اليوم هي امبراطوريه وحيده غير معلنه على الأرض . وإن السياسة الخارجية الدوليه تصدر عن هذه الامبراطوريه . ومحدداتها مختلفة حسب المنطقه وأطراف الصراع . وتصبح هذه السياسه بحكم المعولمه وقراراتها معتبرة على صعيد حكومات الدول . والمهم هنا كيفية اخراج القرار الدولي في هذه السياسه داخل الامبراطوريه فهو الذي يؤشر على الهدف غير المعلن لما نشهده . إن إخراج هذا القرار يكون على ثلاث مراحل يتولاها ثلاثة أطراف ، المرحله الأولى هي صنع القرار وهي الأخطر والأكثر فعاليه ويتولاه لوبيات ثلاثه هي اللوبي الصهيوني بمؤسساته وعلى رأسها الأيباك ثم لوبي التصنيع العسكري وبعده اللوبي النفطي . حيث تقدم هذه اللوبيات الى رئيس الولايات المتحدة سيناريوهات قد تصل الى ثلاثه وكلها تؤدي الى نفس النتيجه أو الهدف الذي يضعه هذا الثلاثي ولا يبيح به حتى الى الرئيس إن لزم الأمر وخاصة اذا كان لا ينتمي الى جهاز أل( سي أي إي) أو إلى جهة من الجهات الثلاث وهو ما ينطبق على أوباما . فتأتي المرحله الثانيه وهي اتخاذ القرار ويتم حين يقوم الرئيس بعرض هذه السيناريوهات والتشاور بشأنها مع مستشاريه المخترقين صهيونيا في العادة لاختيار أحدها ويتخذ به قرارا دون أن يعرف بالضرورة الهدف البعيد من ورائه . أاما المرحله الثالثه فهي تنفيذ القرار وهذا مناط بحكومات الدول حيث يطلب منها ذلك ، وتمتلك الدول الغربية الديمقراطية هامشا للمناورة في التنفيذ في حين لا تمتلك الدول العربية حتى أدوات هذا الهامش . وبالطبع فإن الدول العربية المنفذه بالضرورة لا تعلم الهدف الحقيقي من وراء تنفيذ القرار لا سيما قرار حرب داعش وتقبل بأي تفسير إن تجرأت على السؤال .
من هاتين الحقيقتين قد يستطيع المهتم أن يتلمس الملعوب السياسي من وراء الحرب الأشبه بالمسرحية العالمية ضد داعش المعظمه على جغرافيا بلاد الشام والعراق وامتداداتها القومية والمذهبية في القارتين الافريقة والاسيوية ، ويتلمس أيضا لصالح من سيكون تمريره . وبهذا هناك مصلحتان عليتان في منطقتنا للولايات المتحدة تشاركها الثصهيونية في واحده منها . الأولى خلق بيئه مستقره وصديقه أو غير معاديه للأمريكيين وللمصالح الأمريكية في عموم المنطقه ويشمل ذلك ايران وامتداداتها والشعوب العربية ودويلاتها والطوائف والقوميات على اختلافها بكياناتها . أما الثانيه فهي خلق أمر واقع عربي سياسي – جغرافي – عسكري واجتماعي يلبي شروط تحقيق الأمن والاستقرار والقبول لاسرائيل كدولة يهودية تصر اسرائيل على امتلاك السيادة فيها على الأرض بسكانها من البحر الى النهر وتصفية مكونات القضية الفلسطينية السياسية والسكانيه خارج فلسطين . وكلا المصلحتين ليس أوباما ولا عهده يصلح فارسا لهما.

يعترض تحقيق هذين الهدفين الحيويين وضعا شعبيا وجغرافيا وسياسيا في منطقتنا غير موات لتحقيقهما ولا مناص من تغييره ولا مناص من أن يكون ذلك بطريقة مسرحية لا تخلو من الدراما تخلط فيها كل الأوراق في فوضى سياسية وجغرافية وأمنية يشهدها العالم كما يشهد تكريسها التحالف الأمريكي الشيعي لتتحول كل الدول العربية الى دول فاشلة بأنظمة معزولة وهشة تقوم بدور البهلوانات ، وجيوش كرتونية مهزومة وشعوب حائرة همها الأمان ولقمة العيش وبما يؤدي الى سهولة فرض مشروع يمثل تطويرا أو استكمالا لسايكس بيكو باسم جديد هو الصهيو أمريكي ، تتكرس وتتقنن فيه الاردن كأرض فلسطينية كما نصت على حدودها المادة 25 من صك الانتداب والتي تمتد لعمق الصحراء الاردنية العراقية فيما تتقزم الدول العربية الفاشلة الى دويلات عرقية ومذهبية منزوعة السلاح تحت الحماية الأمريكية وتمتهن الشحاذة والاستجداء من اسرائيل والعالم الى جانب تحويل قوتهم البشرية الى وقود في العجلة الاقتصادية الاسرائيلية ، وتحرق مع هذا الوضع الأوراق الروسية والايرانية والتركية وطموحاتهم في المنطقة العربية والقائمة على حساب المصلحة الأمريكية والصهيونية ، لنصل في الخاتمة الى استكمال الصورة في الاقليم كلمسات أخيرة حيث هناك دولتان في اقليمنا تمتلكان ما يؤهلهما لأن يفرضا على العالم رغبتهما بأن تكونا قوتين اقليميتين ويصعب تجاوزهما هما ايران وتركيا ، وهناك دولة الكيان الاسرائيلي يصر الغرب الصهيوني على أن يكون قوة إقليمية ثالثة على حساب العرب حيث ليس هناك من خيار أخر لتحقيق المشروع الصهيوني الا على حسابهم وجودهم كأمة .

ويبقى الدور الأردني في هذه المسرحية القاتله في قاصة الثلاثي على الأرض الأمريكية غب الطلب ورهنا بتطور الأحداث على الأرض ، ويبقى منفذ القرار لدينا منتظرا وجاهلا به وبخلفيته ، ويبقى الأردنيون ملتزمون بدو المنتظر والمتكهن كقيادتهم التي ليست بأعلم منهم ، وتبقى قصة حكامنا التقليديين عموما الى حين ، ومآلهم سيكون إلى مزابل التاريخ كخونة لشعوبهم وقضاياهم وقبل هذا لأوطانهم . لكن بعد أن يقبض كل منهم الثمن وهو الوحيد الذي سيفاوضون عليه . ولا أرى مجالا لصحوة شعبية عربية شاملة ليس تشاؤما لكنها السياسات السياسية الاقتصادية والأمنية التي فرضت علينا وزرعت في نفوسنا خلال عقود حتى شكلت ثقافة العبيد والخنوع لدينا . ومع ذلك فقد ثار العبيد يوما في التاريخ