هل الأردنيون مقبلون على المجهول؟ القرار الصهيوني بالضم يُطرح في غير سياقه.. وخيار الملك بالرد غير معروف للشعب.. فهل هو مدروس ومع من؟ ولماذا قانون قيصر الآن؟

بداية بودي أن يعلم العربي بأن وسيلة الحرب الإحتلالية التي يشنها الغرب علينا بالتحالف مع الصهيونية العالمية لتحقيق أهدافهم ليست عسكرية أو لم تعد هكذا، فهم متيقنون بأن القوة الغاشمة التي انتصروا بها على هنود أمريكا غير صالحه لتحقيق هدفهم باحتلال فلسطين واستقراره، فشتان ما بين الحالة العربية وحالة هنود أمريكا. ورغم الفارق الفلكي في القوة العسكرية والتكنولوجية فإن كل الحروب لم تحقق لهم أكثر من مواقع ومنصات عسكرية متقدمة إلى أن وصلت مداها وعبثيتها، ومن واقع عجزهم هذا اتجهوا إلى أشبه ما يكون بمبدأ المحاولة والخطأ Trial and Error وهذا ما تكلم به مفكروهم ويعرفه الكثيرون منا . فكل المعاهدات والاتفاقيات والمبادرات مع الفلسطينيين والعرب هي محاولات لتحقيق هدفهم الذي تعجز عن تحقيقه القوة الغاشمة بوجود أمة متجذرة . مما يفرض علينا أن نشد وعينا الى الطبيعة الحقيقية لمحاولاتهم التجاربية لإفشالها .ونحن اليوم أمام حدث الضم، فليس هو المحاولة.
وبهذا، ليكن واضحاً لنا كعرب وللنظام الأردني بالذات بأننا إن بسّطنا الأمر بطرح عملية الضم في حدود الإطار والهدف والتداعيات المحكي عنها، فإنما نختزل الحقيقة ونروج إعلاميا لإخراج مسألة الضم عن سياقها الحقيقي . فنحن في الواقع أمام عملية تنفيذ لصفقة القرن كخطة سياسية متكاملة يُطوى بموجبها ملف مكونات القضية الفلسطينية ويُستأنف المشروع الصهيوني في الأردن، ويُفتح ملف الشرق الأوسط الجديد الذي تدمج فيه “إسرائيل” في المنطقة كقوة إقليمية متسيدة بدعم من الأنظمة العربية المرتمية، وليست عملية الضم إلا باكورة تنفيذ خطة الصفقة على الأرض، فالحدث الذي أمامنا هي الصفقة وخطتها التي تقوم على افتراض تعاون الملك الأردني كُرهاً أو طوعاً . إذ لا يمكن لها أن تمر حتى لو دعمتها كل الأنظمة العربية بما فيه سلطة عباس، إذا رفضها الأردن بصدق وترجم رفضه بمواجهتها، وأسباب القدرة موجودة.
هذه الصفقة قد تكون أخر سهم يرمونه من جعبة المحاولات لأنها الأكثر كلفة سياسية وقانونية وأخلاقية يضحون بها، وفيها كشفوا كل الأوراق وأصبحوا صفحة مفتوحة . وسيكون إفشالها حدثاً مفصلياً في الصراع، وبداية العد العكسي للإحتلال وتراجعه سياسيا وعسكريا . وبدايةً لربيع المقاومة الفلسطينية المسلحة والموحدة حتى القطاف . ولهذا السبب فإن الصهيونية الغربية واليهودية قد تتراجع عنها لمردود فشلها العكسي على الإحتلال وعلى مشروعها . وإن انتفاضة الشعب الفلسطيني في الداخل وخروج الشعب الأردني للشارع خروجا حضاريا وسلميا رافضا بالثلاثة، سيشكل زخَما ضاغطاً على اصحاب التأثير المباشرين لعدم التعاون وردع الكيان الصهيوني لوقف مخططه، مع أن الأردن وحده إن توفرت لديه الإرادة وحمايتها كفيل بإسقاط الصفقة.
فالأردن هو الأساس في استيعاب متطلبات شقها الفلسطيني، وتنفيذ شقها الأردني . وعلى النظام أن ينطلق من مفهوم أن الأردن محل الخطة ومحل مقتلها وأنها محل مقتله بنفس الوقت، وأن فكرة احتلال فلسطين وتصفية ملفها أمر محكوم نجاحه وفشله بإخضاع الأردن وصولاً لاحتلاله . وإن لم يؤمن الملك بالأطماع الصهيونية بالأردن وبانطباق وعد بلفور عليه، أو صدّق بوقوف الغرب وأمريكا لجانبه وبأن النظام الهاشمي مدلل وصديق استراتيجي، عليه أن يتذكر بنفس الوقت أن احتلال فلسطين واستقراره هو الخط الداكن الحمرة عندهم، وأن هذا الخط لا يتفق ولا يُحمى بوجود دولة عربية محايدة للإحتلال تكون حرة أو صاحبة قرار وسيادة وفيها خصائص الأردن الجغرافية والحدودية والسكانية . ومن هنا ولدت الدولة ونظامها وظيفيين للفتك بفلسطين وبالاردن معاً.
ومن الأهمية بمكان في هذا السياق الإنتباه لنقطتين، الأولى أن قانون قيصر لم يهبط على سوريا فجأة بعد طول دهر وفي أواخر أزمتها . فالقانون أخرج من الخرج متزامناً مع بداية تنفيذ الصفقة بعملية الضم وهذا لا يمكن أن يكون بلا تفسير، فهو في الوقت الذي يهدف فيه الى فرض الضغوطات الخانقة على سوريا للقبول بتسوية سياسية نهائية على المقاس الصهيوني، أو إحداث تغييرات في القيادة لذلك الغرض، فإنه لا يمكن أن يكون هدف التوقيت هذا معزولا عن خدمة تنفيذ الصفقة بتهديد الشعب الأردني بتداعيات هذا القانون، وليكون وسيلة متاحة أمام الملك لدعم موقفه في التبرير الاستباقي للرضوخ للصفقة والتعاون معها . وينسحب هذا على أنظمة عربية أخرى تتطعوج.
أما النقطة الثانية، فهو الضجيج الإعلامي الذي يتم تسويقه عن وقوف سياسيين وبرلمانيين اوروبيين ضد عملية الضم . فمع أن هناك أصواتا غربية حرة وصديقة إلا انها من قبيل الاصطفاف مع المبدأ الذي لا يرقى للإصطفاف مع قضيتنا، وهذه الظاهرة القديمة، جديدُها اليوم لا يحمل جديداً يطاول خطورة الحدث . ولا التجارب تشجعنا على التهليل به او الاعتماد عليه، وله تاريخ من الوهم القاتل . وقد عايشناه مع كل انتهاكات وجرائم الاحتلال على مدى سنينه وعايشنا أضعافهم من اصحاب الرأي الأخر . بل واكبنا القرارات الدولية الإيجابية المتراكمة التي تبنتها الدول الغربية في الأمم المتحدة ووكالتها دون هدف تنفيذها . فكل هذا من قبيل رأب الحرج القانوني والدولي وامتصاص ردة الفعل الشعبية العربية، وتبييض صداقة الأنظمة العربية للغرب ودعم سيرورة المفاوضات المجرمة، فالحقيقة مرتبطة بالموقف الرسمي الغربي، والغرب هو من تبنى قضية الاحتلال والمشروع الصهيوني وحمايته، بالنظرية والسلوك والنتائج . وما زال .
للملك، ولكل من يَحرص صادقاً على إفشال المشروع الصهيوني أو على نجاة الأردن أقول، في ضوء ما تقدم، فإن ما يجري هي مرحلة أساسية نواجه بمحصلتها خطراً وجودياً على الدولة وشعبها وعلى النظام والمُلك، ونواجه أيضا مسؤولية إسهام كبير في تصفية القضية الفلسطينية والتي بتصفيتها ستُصفي العرب نفسها، ومن الصعب افتراض الجهل أو حسن النية بأي موقف رسمي يُبسط الأمر أو يختزله، وأمريكا تسعى لإقناعك أو إرشادك بأن تتعامل مع شعبك بوجود وعود وضمانات أمريكية على عدم المساس بالأردن وحقوقه وبمال وفير، وهي الاسطوانة الملازمة لتاريخ المفاوضات والإحتلال وقضم الأراضي، وموقف السلطة الفلسطينية لا يبرر لعربي أو مسؤول نفض يده عن فلسطين، فهي قطعة منا وقضيتنا، وليست قضية الفلسطيني وحده، ونارها تحرق كل قطر عربي، أما الأردن فهو أتون الإحتلال كفلسطين أرضاً وشعباً.
سيدي الملك، كل الضغوطات الخارجية التي يتعرض لها الأردن لا يمكن إنكارها، ولا إنكار بأن منبعها أمريكا والإحتلال ومتطلبات نهجنا السياسي الذي طوع وأفسد نهجنا الداخلي . فأعمق هذه الضغوطات التي نعيشها هي أننا دولة لم تعد تملك نفسها ومقدرتها وأصبحت تخطط لتعيش يومها بالبيوعات السياسية الخطيرة خوفاً من انفلات الوضع الداخلي، وهذا قادم لا محالة ما لم يحدث التغيير، ولكن علينا أن نضع في حسابنا أن لا شيء ولا خطورة ولا تضحية توازي الصمت على فقدان وطن ودولة وتشريد شعب، وطعن فلسطين في القلب. والخيارات لمَلك بوضعك وبشعب بخصوصية شعبك وفي ظرف دولي قلق يمثل سوقاً للتحالفات الجديدة التي توفر المظلة الحمائية التي تمكنك من التغيير والخلاص من الضغوطات وإنقاذ المجمل كلها متاحة أمامك. فلا نريدك المثال الأغرب في عالم اليوم دولياً وعربياً. إفعلها إنها الملاذ الأمن لك وللمجمل، واصنع التغيير الآمن.
فقد باتت خسارة المراهنين على حكمتك في فعل شيء في الوقت المناسب مُرَجحة، ولسان حال الأردنيين أصبح يقول ( لو بدها تشتي كان غيمت) .فليس هناك من الإشارات ذات العلاقة على الأرض . والاعتقاد السائد هو أن الملك راضخ للصفقة كخيار اتخذه بمفرده تحت الابتزاز . وباعتقادي بأنه اتخذه بعد موازنته بين خيارات فاسدة لا تصمد أمام الواقع،عُرِضت أمامه صراحة أو تلميحا ً. وإن كان ذلك صحيحا فهذا ليس من حقه إطلاقا ولا من حق غيره حتى لو كانوا نواباً حقيقيين للشعب دون طرح مسألة كهذه على الشعب ذاته، والدخول بعملية حوار وتشاور وطني تخلو تماما من الجوقة التي لا ارتباط لها بالملك ولا بالوطن والدولة والشعب إلا من خلال مصالحها أو ارتباطاتها الخارجية، فالملك يتحمل المسئولية، ولا نريد ذلك بعد فوات الأوان.
أما كيف يتحمل المسئولية، فأترك قدرته على التغيير وتمنعه عنه، وأقول، المواطنون جميعاً والملك نفسه واعون على المضمون دون اعتبارهم للشكل أو الإطار الذي يُمارَس فيه هذا المضمون الذي وحده يرتب المسؤولية ويحددها.