تجبى الأموال في الأردن بتسارع وتصميم وإصرار بلا هدى وبكل الوسائل كما يعرفها الجميع . ولا نرى أثرا لها او للقروض على الخزينة أو على الدولة أو المواطن رغم أنه لا يقابل هذه المدخولات أية نفقات للدولة غير عادية كمشاريع راسمالية أو شراء أسلحه ثقيله أو تبذير في النفقات العامة . ومع ذلك تستمر حملة الجباية وجمع المال على حساب كل المحذورات والمحظورات في أية دولة . فأين يذهب هذا المال وعلى أية خلفية ؟؟ صحيح أن هناك فسادا إداريا وماليا جريئا من كبار المسئولين وأدواتهم وهناك أعطيات، لكن قيمة أو حجم هذا الفساد لا يمكن أن تكون بحجم المدخولات الكبيرة على الدولة، فهي لا تساوي أكثر من حصص او رشاوي، وفي النسبة والتناسب هي ( لحسة اصبع ) ..
ومع ذلك، فإن الفساد والتعامل معه في الأردن عليه علامات استفهام لها دلالات أساسية في المشهد، منها :
1 – يَعرف المسئول والسياسي والاقتصادي بأن للفساد في الأردن خصوصية مدمرة . حيث أن الأردن لا يمتلك موردا طبيعيا دائما كخاصية من خصائص الدول النامية تَغرف منه الدول التي تمتهن الفساد لتعوض مستحقات الخزينة ومشاريع الدولة ومتطلبات المواطنين كي تنمو الدولة أو تبقى قائمة . .فالفساد كظاهرة في دولة كالأردن هو أداة انتحار .فكيف يُقبل به أو يكون ؟
2 -الفساد في الأردن مسألة ليست مستعصيه على ارادة الحل، بل يبدو أن هناك حاجة له جعلته نهجا، ويدلل على ذلك حمايته من القانون وعدم ملاحقة الظنين، وتفعيل القانون انتقائيا لأسباب عميقة يتداولها الناس في المجالس المغلقه ؟؟؟
3 – الفساد في الأردن الذي هو في الصف الأول ويتم في كثير من الاحيان جماعة أو من قبل رؤساء الحكومات والمسئولين الكبار، يمارسونه في بعض الأحيان بطريقة علنية مكشوفة وفاضحة ومع ذلك لا يخجل هذا الرئيس من الشعب من ناحية، ولا يحاسَب . كيف نفسر هذا ؟
ليس مهما أبدا أين تذهب هذه الأموال ولا الطريقة التي تجبى بها ولا المعاناة بقدر ما يهمنا المعنى عندما تصبح أولوية جمع المال تتقدم على أولوية سلامة الدوله ومستقبلها ومواطنيها وعلى الأمن الاجتماعي كما هو الحال في الأردن . لا شك بأن في الأمر هنا شيئا سياسيا جللا، وأنَّ كل ما يجري هو مجرد مؤشرات على هذا الأمر . فهل سياسة العزل الوطني والتجاهل الشعبي وقوانين القمع الالكتروني وغيرها، وتلازمها مع استخدام سياسة الاسترضاء ( ( appeasement بانتقائية لبعض الشخصيات او المؤسسات سياسة تُعتمد كخيار الصفر لتحقيق الاستقرار المطلوب لجمع المال والمكاسب قبل حلول الأجل .
.فنحن نعرف أن لا حل تصفوي للقضية الفلسطينية ممكن ولا مطروح سابقا وحاليا صهيونيا إلا في الأردن، وهذا قدر تاريخي وجغرافي وفعل سياسي، والمشروع اليوم في نهاياته . الظروف العربية والدولية مهيئة تماما، ودولا عربية بعينها اخذت دور العراب . والمهم هنا هو كيف أن السياسة الامريكية – الصهيونية – الخليجية الضاغطه على الاردن تُقابل بنهج أردني سياسي تكتيكي فردي وشكلي و خال من موقف دولة وشعب، وبنهج داخلي يستجيب للمخطط اقتصاديا وشعبيا ووطنيا، فهل هذا يوضح الطريق الذي نسير عليه .
وهنا علينا أن نضع في حسابنا أن القيادة الهاشمية في الاردن هي اليوم في مرحلة الاستهداف النهائي من قبل الصهيونية وأعوانها . وأنها تعرف ذلك . وإن سلوكها السياسي الدولي والداخلي المحلي لا يمكن أن يكون بمعزل عن موقفها الحقيقي من هذا الاستهداف الضاغط باتجاه وضع الملك أمام خيارين، إما أن يكون جزءا من تنفيذ المرحلة الأخيرة للمشروع التصفوي وإما أن يواجه مصيرا لا يريده .إلا أن سلوك الملك السياسي الخارجي والداخلي المحلي يؤشر على أنه قد اتخذ خيارا ثالثا بين الاثنين يترك فيه المشروع الصهيوني وشأنه دون أن يكون جزءا منه من ناحية، ويحول دون تركه لمصير لا يقبله لنفسه من ناحية أخرى .
هذا الخيار الذي اتخذه الملك يقوم خارجيا على المراوغة السياسية مع امريكا واسرائيل ودولا خليجية . يعطيهم فيه انطباعا بأنه رافض رفضا تكتيكيا أو متردد، أي أنه يُبقي على شعرة معاويه معهم ويمنحهم الأمل والاستعداد للتفاوض او الانضمام للمشروع ويدخلهم في لعبة شد الحبل ، لا في سياق أعمق منه ومنهم . فتبقى هنا الضغوطات والانفراجات التكتيكية قائمه منهم عليه وهذا هو كل ما يريده منهم، كسبا للوقت .
أما داخليا فالملك يعرف الاتجاه الشعبي الرافض لأمريكا والصهيونية ولمشاريع تصفية القضية، ويعرف كل طموحات شعبه، لكن لديه قرارا بعدم المواجهه مع المعسكر الصهيوني، ولا قناعة لديه بالقدرة على ذلك . ولا يبدو مقتنعا في هذا الوقت المتأخر بجدوى اتخاذ نهج جديد .. ومن هنا فإنه يتبع سياسة داخلية ينأى فيها بنفسه عن الصوت والرأي الأخر وكأنه لا يريد أن يَسْمع ولا يُسَمِع، بل يريد الحفاظ على الامن الداخلي واستقراره الى الحد الذي يُمكِن الحكومات من الاستمرار في الجباية وجمع المال .فهل هذا يبدو هدفا استراتيجيا
يبدو للكثيرين بأن الملك مصر على موقفه . وأنه يَنظر إلى الاحتجاجات مع كل وجبة ضرائب على انها “زوبعه بفنجان ” ولا يحسب بأنها قد تخرج من الفنجان . وبهذا فقد خابت آمال الكثيرين الواهمين عندما قابل الملك فعالية الاضرابات الواسعه ونداءات المضربين والاعلام له للحديث معهم بفعالية أخرى يراها أكثر انتاجية . وهو يعلم أن المطلوب شعبيا هي الحلول الاستراتيجية الشامله وبأن القضية التي يواجهها الاردنيون أعمق وأوسع، والخطر استراتيجي .
ومن هنا فإن سلسلة الضغوطات الاقتصادية والضريبية التي يعاني منها الشعب وا لقطاع الخاص ( ولا أقول الدوله ) لن تنتهي إلا بالعصيان عن دفع الضرائب طوعا أو لعدم القدره، أو بانتهاء المرحله السياسية . إنها ضغوطات مفتعلة وهادفه ولا يمكن تفسيرها إلا في سياق نتاجها . أما أزمة الدولة وتراجع المؤسسات العامة و الضغوطات على خزينة الدولة ومشاريعها التنموية فهذا ينطوي على استهداف خارجي للكيان السياسي والقضية الفلسطينية وهو أمر أصبح مرتبطا بوعي الشعب على الواقع السياسي الذي يقف خلف كل شيء وعلى التصرف في ضوئه . فلا قوة داخلية أو خارجية تستطيع تحدي الشعب عندما ينهض، أو تحدي رئيس دولة وشعبه لجانبه . .
كاتب وباحث عربي