هل الأردن يَحتضر أم يتشافى.. نظره ثالثه في حالة الملك نتمنى صحتها.. والهبَّات المطلبية ستقود لهبَّة سياسية

لا يوجد مواطن اردني لا ينتابه القلق مما يجري في الأردن على جميع المستويات، حيث تمر الدولة في مرحله لم يكن هذا المواطن يتصور حدوثها. وإن انشغال سواد الشعب بتحصيل رزقه أو بفرصة عمل لا يعني بأنه غير قلق على مجمل مصيره او مصير الدوله. ولكنه يعيش حالة إنكار واعيه لا مَرَضية. بمعنى أنه لا يريد أن يفكر بمحصلة ما يجري لخطورة الجواب وقساوته. ولكن لا بد من الوقوف على حقيقة ما يجري في الأردن ويخطط له على وجه اليقين
وفي هذا، فإن نقطة التركيز والإنطلاق في التحليل هي في الملك نفسه. فقد عايشنا على سبيل المثال الملك حسين مئة عام كمرجعيه حكومية وشعبيه نافذه القرار وتأخذ بالاعتبار الرأي الشعبي العام وله حضور دولي طغى على حضور الدولة. وما يهمنا أن الشعب كان يشعر بالدولة ورسوخها وبالأمان من خلاله كملك دكتاتور ماسك تماما بزمام السلطة والقرار. وكان هو البوصلة الشعبية لمعرفة الحاضر والقادم. وهكذا الأمر في الاردن.
فمعرفة حالة الأردن الحقيقية اليوم ومستقبله هي في معرفة الحالة الحقيقية للملك عبدالله الثاني كوريث نظام دكتاتوري في دولة وُلِدت بقيادتها لدور وظيفي ترنو للانقلاب عليه. فهو المرآه التي تعكس الصورة التي تساعدنا على تحليل الواقع ودلالاته على المستقبل.
دعونا نضع جانبا وجهتي النظر المتقابلتين والمتداولتين بحالة الملك السياسية، الانتقادية – الإتهامية – المتشائمة من جهة، والمؤيدة والمتفائلة والمسحجة من جهة أخرى. ونأخذ افتراضاً وجهة نظر ثالثه لا تكون عادة مطروحة في مجتمعاتنا ولكن البعض يحاول إقحامها.
فنحن أمامنا المشهد الأردني. وأمامنا الملك بمفهومنا الدستوري هو صاحب السلطة والقرار، يشهد معنا المسار المنتظم في تراجع الدولة والبطش بها وبشعبها ويشهد ازماتها وتدهورها وفشل الحكومات في سياساتها التي تُنتج المزيد من التدهور. ويخاطبها الملك علناً بضرورة التخفيف عن كاهل المواطن وتصحيح المسار في تجاوب منه مع ردة فعل الشارع، ويطلب منها فعل كذا وكذا ولا نرى تنفيذا ولا تدخلا حاسما منه كما كان الأمر الذي اعتدنا عليه. فالملك في الأردن هو عنوان ورمز وراعي النظام وبوصلة الدولة.
إذاً، السؤال الحاسم بعيدا عن سلوكه الشخصي هو، ما مدى الحرية التي بات الملك يمتلكها الآن ومدى سلطته أو قدرته الفعلية على اتخاذ القرار الداخلي، وهل ما زال صاحب ولاية سياسية وادارية وقادرا على ممارسة السلوك الدكتاتوري الاوتوقراطي الذي كان يمارسه الملك الهاشمي طوال عقود وكانت فيها قيادات أجهزة الدولة أداة بيده على مستوى السلطات الثلاث وأهمها الحكومات والجيش؟ وإذا لم يعد هذا موجودا فيُطرح التساؤل عن مدى ولايته على نفسه وحريته في الاختيار الشخصي لنعرف موقفه الحقيقي مما يجري. وبالتالي السؤال المنتج الكبير، هل الملك قانع أو مستسلم للحالة الجديدة له كملك وللدولة، أم أنه مجبر على ذلك وفي حالة صراع مع نفسه ورافض ويحاول بطريقته الخاصة التي تجول برأسه أن ينقلب على هذا الوضع؟
إذاً أمامنا حالتان يقبع في إحداهما الملك، الحالة الأولى تقليدية لا تخضع للنظرة الثالثة موضوع المقال، وهي أن الملك قانع أو مستسلم لما يجري داخليا وما يخطط له سياسيا، وهي حاله تتبع الصراع بين موال ومعارض ولسنا بصددها.
ولكننا جدا جدا بصددها إن صحت حيث عندها تكون الدولة بشعبها مختطفة لصالح المشروع الصهيوني في فلسطين والأردن بتآمر داخلي وخارجي. ويكون الاردن في حالة احتضار. وعلى الاردنيين بمكوناتهم أن يكونوا دائما وفي كل الحالات مستعدين لهذه الحالة الأكثر ترجيحا. مما يفترض مبادرة كل الأحزاب والنقابات وكل جسم سياسي اجتماعي ثقافي بتغيير وتطوير سياستها واهدافها التي كانت خاضعه لقوانين نظام لم يعد موجودا، الى سياسات وأهداف جديده تواجه المرحلة وتداعياتها. وأن تجتمع على أولوية توحيد هذا الشعب بوجه عملية الاجهاز على القضية الفلسطينية وعلى الاردن.
وحيث أننا لا نعلم فيما إذا كان التغيير المطلوب صهيونيا للسيطرة على البلد والقضية والقرار يخطط له أن يتم بسلاسة أم بالعنف والفوضى، وبأن المهم عندهم أن يتم وليس كيف، فإنهم قد يضطرون لأسلوب الفتنة والفوضى والحرب الأهلية ودخول الارهاب ثم التدخل الأجنبي فالمكرمة الأخيرة. ولذلك فإننا مطالبين وقادرين كأردنيين بكل مكوناتنا أن لا نكون حطبا لحرق أنفسنا وبلدنا وقضيتنا وذلك بوحدتنا ووعينا وتماسك جبهتنا بدءا برفض كل خطابات الدس والفتنة، والقضاء على كل ثنائية وبالذات عبارة اردني – فلسطيني كعباره صهيونيه قاتله في هذا الظرف خاصة. ويُجرَّم ويُخَون قائلها ومسوقها وناقلها بالكفر والخيانة العظمى لفلسطين والاردن ولشعبيهما.
الحالة الثانية للملك هي محل الاهتمام في هذا المقال لأنها في إطار النظرة الثالثة. ونفترض فيها أن الملك غير قانع ولا راض ولا مستسلم لكل ما يجري ولما يُرْتكَب بحق الدولة والشعب وفي ديوانه.
وتبعا لهذه الحالة يكون كل ما نراه من سلبيات من الملك هي ليست فعلا هكذا، ولا أنها عن جهل منه، ولا هي رسائل للشعب بوصوله الى نقطة اللاعودة. بل إنها سياسة في سياق ايجابي تعبر عن موقف يعتقده ايجابيا. بمعنى أن اقواله وأفعاله وكل ما نعتقده سلبيات منه هو مجرد تكتيك سببه العجز وعدم مقدرته على المواجهة وأنه يسعى لاستعادة سلطته من مراكز القوة الداخلية والتأثير على أسيادها في الخارج مستعينا بالشعب الأردني وسلوكه الغاضب وحراكه
هذه الفرضية عن وضع الملك من وجهة نظر ثالثه تتفق مع المنطق من حيث أنه ليس من دكتاتور حتى لو كان غير وطني أن يقبل بنزع صلاحياته وسلطته وأن تُمرر بنفس الوقت على ظهره وباسمه (البلاوي ) إلا أن هناك شيء إسمه الفروق الفردية. ولهذه الفرضية ما يؤيدها حين نطوع بعض الأمثلة لها، ومنها أوراقه النقاشية التي يدعو فيها للدولة الديمقراطية ودولة المواطنة ولا يفعل إزاءها خطوة بل تتراجع الأمور، حيث قد يُفَسَّر طرحها كتعبير منه للشعب وللقليل في الخارج عن طموحاته كوعود لا يستطيع تحقيقها الآن لتحييده عن القرار. وكذلك مثال استعداده للملكية الدستورية لولي عهده بعد مرور خمسين عاما يصب بهذا المعنى. وهناك خروجه باللاءات الثلاث وهو يعلم بأنه لا يستطيع تنفيذها، فربما هي رسالة للأردنيين بموقفه الذي لا يستطيع تنفيذه وأنه يقولها ليرفع من معنويات الشعب للوقوف معه ومساعدته بتنفيذها. وكذا يمكن تفسير طريقة تعيينه وتغييره لقادة الجيش ولرؤساء الوزارات وأخرها مندوب صندوق النقد الدولي. فكل القيادات التي يعينها من الواضح أنها بتوصيات جهات خارجيه، حيث نراه في كل مرة يسعى لتغييرها سعيا بموافقة تلك الجهات. وفي كل هذا يفر الملك من قدر الى قدر مثله. وكذا يمكن تفسير مناشدة الشعب في احدى المرات بالضغط من تحت، بل أن سفره للخارج أثناء الأزمات الداخلية يمكن تفسيرها بأنها مقصودة باتجاه يُفسر معاناته وحرجه ورغبته باستفزاز الشعب للنهوض.
وإن صحت الحالة الثانية، فالملك بالضرورة يسعى للحصول على مساندة الشعب تحت نية تشافي الدولة، وفي هذه الحالة يُفترض بالموالين والمسحجين أن يطالبوا مع المعارضين الشعب لاقتناص الفرصة وبالحراك في الشارع والمؤسسة. وأن لا ينتظر هذا الشعب نداء من الملك، فهو لا يلجأ للشعب صراحة لأنه لا يستطيع. ولا يستطيع التواصل مع قدوات أردنية معروفه بالصلابة مثلا، فكل مسئول بالدولة اليوم عليه رقابه منبعها خارجي. وإذا ما نجح مسعى الملك في المحصلة، فإنه عندها لن يكون في وضع يتجاوز فيه الشعب.
إذاً، في كلا الحالتين المشار اليهما لا مناص من الهبات الشعبية. فحياة الاردن والاردنيين ومصير الصفقة كله مرتبط برفض الشعب عمليا وبالشارع وباستخدام كافة الوسائل السلمية الأخرى بما فيه العصيان المدني لإسقاط الهيمنة الاستعمارية ونهجها السياسي.
ولقد كشفت أزمة المعلمين عن أسلوب ناجع لمواجهة النهج السياسي شعبيا من خلال الهبات المطلبية المتفقة مع الدستور. أما كيف فأقول أن الحراك المطلبي الصامد بقيادة نظيفة يرضخ له النظام الهش عادة بتوفير الاستحقاق المالي المطلوب، وهذا الاستحقاق لا تغرفه الحكومات من اموال الفساد والفاسدين ولا من عمليات اصلاح وضبط النفقات بل من ضرائب جديده بلا قانون او بالاستدانة وكلاهما يقف عند حد معين.
وحيث أن هذا الاسلوب الحكومي قاصر ولا تستطيع الحكومات استخدامه وتأمين التغطية المالية له في حال أن اتسعت الموجات المطلبيه الدستورية لفئات مجتمعيه متعددة، فستتحول عندها الهبات المطلبية التي يساندها الشعب نقمة على النهج الى هبة سياسية عارمه في المحصلة. تُسقط نظام مراكز القوة المرتبط بالخارج وتفشله مع كل أدواته، ونتقدم نحو ملكية دستورية تسقط المشروع الصهيوني في الاردن بانعكاسه الايجابي على فلسطين وتسقط الديون الفلكية وتؤمم مقدرات الوطن المباعة وتبدأ عملية البناء الديمقراطي وحل كل المشاكل الداخلية والخارجية. ولذلك فنحن نؤيد ونشجع كل الحراكات المطلبية المشروعة كوسيله قد تكون منتجة عند هذا الشعب الذي يرعبونه بما يحصل في دول الجوار ليجرونه اليه بنتائج أضخم في السوء بكثير.
وفي الختام أتمنى أن تكون الحالة الثانية في النظرة الثالثة صحيحه ولكني لا أعتقد بصحتها أبدا فكل ما سقته من أمثله تدعمها، هي حدسية ولا تقف في وجه المؤشرات الدامغة من واقع سلوك الملك الشخصي والتي تؤكد بأنه لم يعد معنيا أو موجودا كصاحب سلطة، وعلى أنه يبني مملكته الشخصية خارج الأردن.