هل الخطة أن يبقى العرب في حالة حرب وعدم استقرار إلى أن تتحطم الشخصية العربية زمانيا ومكانيا؟ وهل ندرك بأن نجاة العرب وأوطانهم مرتبطا بنجاة فلسطين وشعبها وليس العكس

الشر في هذا العالم يتجسد في التحالف الصهيو- أمريكي ونختصره بالشيطان الأكبر، والقيم الإنسانية والمجتمعية والخلق والمبادئ السياسية والقانونية التي تطورها العقول والدول هي محل استهداف لهذا الشيطان، حكومات العالم كلها مستهدفة بالخضوع له في المرحلة الأولى بينما الشعوب العربية هي المستهدفة فيها، ذلك أنه عندما تكون الأوطان هي المستهدفة تكون الشعوب هي المستهدفة أولا، ويبدأ الاستهداف باستعبادها ولا يتوقف إلا بمسح شخصيتها الزمانية والمكانية ليتحقق استهداف أوطانها، بينما يينتهي استهداف حكومات العالم لدى السيطرة عليها واستعباد شعوبها.
إن مهمة استعباد الشعوب ليست سهلة عندما تكون خطوة انتقالية لمرحلة مسح شخصيتها الزمانية والمكانية، والشيطان الأكبر اختار في حالتنا بعناية شديده الاعتماد على قاعدة أن يصبح الانسان العربي عدو نفسه وحربا على نفسه وأخيه، ومن هنا فإن نظرية أن تبقى الدول العربي في حالة حرب وتدمير وعدم استقرار الى أجل غير مسمى ليتحقق الغرض هي نظرية منطقية يجب أن تؤخذ في الاعتبار، ومن هنا أيضا جاء اخضاع الحكومات العربية ممثلة برؤسائها مبكرا على أسس عميقة يكون فيها الحاكم العربي مرتبطا أمنه الشخصي وحياته وسلطته وكرسيه الماسي ومكتسباته بإرادة الشيطان الأكبر، ومن لم يجند على هذا يلاحق بالاستهداف لصنع البديل المطلوب.
فتدمير مقدرات الدول العربية وبناها التحتية من خلال اشعال الحروب الداخلية، وتشريد الانسان العربي وسد طرق الحياة بوجهه وتجهيله وجعله بأولوية واحدة يبحث فيها عن حماية نفسه وطعامه هي وسيلة مستمرة للشيطان الأكبر، وإن الحكام المعينين علينا بحماية من هذا الشيطان عندما تكون وظيفتهم استعبادنا وجرنا جر الضباع وقتل انتمائنا للوطن والتاريخ والمبادئ والعقائد فإنما تلك مهمة متقدمة جدا على طريق الهدف الأسمى للشيطان الأكبر بقتل الشخصية العربية مكانيا وزمانيا.
لا شك بأن الشعوب العربية إذا استمرت بهضم المفاهيم التي زرعها ويزرعها فيها الشيطان الأكبر وعبيده من حكامنا فلن تكون هذه الشعوب إلا خارج مستحقات حقوق الإنسان ولن تتمتع بعبودية البشر بل بعبودية الحيوانات المباحة، وإن ما جرى في فلسطين سيجري في كل قطر عربي، لكن ما جرى لشعب فلسطين وما عاشه وصنعه لن يحلم به شعب قطر عربي، فقد أمتص الفلسطينيون صدمة البداية ونكبتها وكانت له فسحة يستطيع فيها دفن شهدائه ليبدأ بعصامية لا يوازيها عصامية لشعب في التاريخ في الإصرار على الحرية والتماسك والإنتماء والحفاظ على هويته، بل خرج هذا الشعب بالنسبة الأعلى عربيا علما وثقافة ووطنية وشجاعة دون أن ينال الشيطان الأكبر من عروبته.
الشعوب العربية كلها تعيش في أقطارها لاجئة وتشعر بالغربة فيها، وإن تعايشها مع هذه الحالة نقلتها إلى حالة العبودية في زمن انتهت فيه لتعود لأوطاننا بلبوس جديد على يد حكام عملاء من خلال مفهوم المزرعة بإقطاعيات هي وزارات ودوائر ومؤسسات الدولة، تُقْطَع لمأجورين متحالفين، وإن لم تتحرك هذه الشعوب فإن هذا الاستعباد سيتطور ليجردها من اعتباراتها الوطنية والمعنوية وكل حقوق العبيد.
الاقطار العربية كأوطان وشعوب، مستهدفة بنفس القدر الذي تستهدف فيه فلسطين وشعبها، لكن عظم وتداعيات ومعاناة استهداف الشعوب العربية سيكون بطريقة أكثر قسوة وأقل تعاطفا دوليا، ونجاة العرب وأوطانهم مرتبطة بنجاة فلسطين وشعبها وليس العكس، إنها العلاقة السببية الصحيحة، وتحرير أي بقعة عربية تحتل لن تكون بدايته سليمة الا بتحرير فلسطين أولا، ففلسطين هي موطئ القدم للصهيونية ونقطة ارتكاز حركة هذا القدم ولا خلاص ولا آمان ولا مستقبل لبلد عربي أو شعب عربي الا بقطع هذ القدم ونقطة الارتكاز تلك.
ولو فهمنا هذه المعادلة مبكرا لما رأينا ما يحل بالدول العربية وشعوبها اليوم من فظائع، ولما رأينا العجز العربي الرسمي يتعاظم ويتسايق المرشحون فيه لوظيفة “حاكم خائن”، لقد فرطنا نحن العرب بأنفسنا يوم فرطنا يشقيقنا الفلسطيني، وفرطنا بأقطارنا يوم فرطنا بفلسطين، والفرصة أمام الشعوب العربية الأن في الإنطلاق للدفاع عن نفسها وحماية بلدانها من اللعبة السياسية الحقيقية، فلن تكون عراق ولا جزائر ولا مصر ولا اردن ولا سوريا قبل أن تكون فلسطين، ولن يكون شعب عربي ما لم يكون الشعب الفلسطيني.
مشكلتنا الحقيقية هي سياسية، والمشاكل الاقتصادية والأخرى على أنواعها في الدول العربية هي واجهة للمشكلة السياسية الواحدة وهي القضية الفلسطينية، والشعوب العربية اليوم كلها بلا قيادات شعبية والمطلوب من نخبها الوطنية المؤسسات المدنية في الأقطار العربية أن تسد الفراغ السياسي الرهيب وأن تمأسس لتنسيق مؤطر فيما بينها لتوعية وتعبئة الشعوب، وإن أي حراك شعبي في أي بلد عربي لن يكون ذي قيمة وانتاجية بل سيكون مضللا ما لم يكن حراكا سياسيا مهما كانت الخلفية التي قام عليها.
الشعب الأردني يصطف حاليا على رأس الدور في الأحداث الساسية الساخنة، لكن قبائل وعشائر هذا الشعب تحتل المرتبة الأولى في مهادنة الخيانة والتهميش السياسي والوطني وهجمات التضييق والإذلال، وكما يحتل إقطاعييها من رؤساء حكومات ووزراء ومسئولين المرتبة الأولى في النفاق السياسي والاجتماعي وخيانة الضمير والجرأة في الكذب، وعدم احترام عقول الناس، وقد راعني ما سمعته من إجابة على الهواء صرفتها وزيرة لمقدم البرنامج الذي نحترمه عندما سألها، هل الحكومة تمتلك الولاية العامة؟ وكانت الإجابة نعم وبالتأكيد، متناسية أن رئيس حكومتها وإعضائها لا يتركون مناسبة إلا ويكررون عبارة التوجيهات الملكية والتزامهم بها، وكأنهم أجراء منفذين لا أصحاب مسئولية ورؤى وقرار.
الدولة في خطر داهم بوعي كامل، والبرجوازية الكبيرة وإقطاعيي مؤسسات الدولة من المسئولين ينسلخون عن مبادئهم وعن الوطن والشعب وقضاياه بمجرد استئجارهم للمنصب، ويصبحون عبيدا لمقتضيات الحفاظ على وظيفتهم ومن أهمها التغطية على فساد الدولة وتمريره والتوقيع والتصديق على قرارات سياسية لم يكونوا جزءا منها أو من صنعها، وهذا كله نتيجة إيمانهم وقناعتهم بأن الشعب أصبح كماً من العبيد لا حول له ولا قوة، وأن لا محاسب لهم كمأجورين سوى الملك الذي يمسك بأعناق كل دابة على الأرض الأردنية، فالأردنيون في هذه المرحلة يعانون من (ضربات المقفي) بأسياط الاقتصا د وضنك العيش تمهيدا لقبول معاناة ضربات المقبل بأسياط السياسة والتأمر على القضية وتداعياتها .
الطبقة الوسطى في الأردن والأكثر وعيا سياسيا وبعدا عن مغريات السلطة تتركز في النقابات المهنية ولا أدعي بأنها غير مخترقة، ولكن لا أمل بالأحزاب لأسباب ذكرناها مرارا، فالأحرار في النقابات اليوم كمؤسسة شعبية مؤطرة مطالبون بتحمل المسئولية وأخذ زمام القرار والمبادرة لقيادة شعبية في النزول للشارع، ولا بد للشعب من كسر حاجز الصمت والمطالبة بتغيير النهج القائم على تغييب ارادة الشعب ومسخ الحكومات والسلطات، ولا بد للشيطان الأكبر أن يعلم، إن كان له حكام فإن للوطن شعب وللقضية أصحاب.
كاتب وباحث عربي

Leave a Reply