أتساءل، هل حقا أن الأردنيين يريدون الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات، ومحاربة الفساد، وهل حقا تهمهم الدولة وسيادتها وسيادة القانون والانفتاح على الأخر، وهل تعنيهم مفاهيم الوطن والوطنية والعروبة والصهيونية وأوطماعها، وهل يهمهم هوية من يحتل البلد ويحكمه عن بعد، هذه كلها مفاهيم بعضها يتناقض تماما مع طبيعة المنظومة القبلية والعشائريه ومصالحها، وبعضها الأخر لا يعني هذه القبلية إطلاقا إن تم تأمين حاجاتها ومطالبها الخاصة، القبلية والعشائرية (ولا اقول القبيلة أو العشيرة) إينما وجدت هي منظومة فساد لا تختلف عن طبيعة واهداف أي شخص فاسد من خارجها ومع ازدواجية خطابه وتعامله مع القيم، إنها التعصب المهلك للنفس يتراجع معه الدين ويسقط الوطن ومعه الحق والحقيقة والعدالة وتسقط الأقنعه، فهل يقبل من شعب يضحك على نفسه أن يطلب من الأخرين أن لا يضحكوا عليه،
مفهوم القبلية والعشائرية نقيض أساسي لمفهوم الدولة، ومن هنا فإن المستعمرين الذين شكلوا الدولة الأردنية حرصوا على أن يستخدموا القبائل بالمفهوم القبلي ويفرضوها على النظام ويفرضون النظام عليها، فتشكلت الدولة وبداخلها نقيضها، والمستعمر دائما يستغل ويستخدم ميزات وخصائص المنطقة والبيئة المستهدفة ويطوعها لمصلحته، وقبائل الأردن كانت تاريخيا تكسب عيشها في صحراء واسعة وقاحلة على الغزو وتهديد المسار الحيوي بين الجزيرة وبلاد الشام، ومن العبث بمكان محاولات اخضاعها إلا بتلك الطريقة الانجليزية التي أمنت فيها لها المال والسلاح وضبطت ايقاعها، فتكونت منها نواة الجيش وتم اخضاع القبائل والعشائر الحضرية من تلك المستقرة والمسيسة الى حد ما وأدخلت في السيستم، بما فيه تلك التي كانت تشكل حكومات محلية في مناطقها.
وهنا دخلت القبائل العشائر وقانونها في تزاوج محرم مع قانون الدولة، وولد الفساد وكل عوامل هدم الدولة مع كل طوبة تبنى، فساد سياسي وإداري واجتماعي يعتاش على خزينة يمولها المستعمر، فهذا الأساس الذي قامت عليه الدوله المحاصره اقتصاديا أصلا جاء مقاوما لمفاهيم الإدارة والاقتصاد والتخطيط والكفاءة والنزاهة، إلا أن المساعدات الخارجية وضم الضفة الغربية لها واستيعابها لملايين المهاجرين وتحويلات المواطنين من الخارج إضافة لقدرة الملك حسين رحمه الله وتصميمه على بناء الدوله جعلها تتقدم ولكن بإيقاع مضبوط استعماريا وأرضية ملغمة.
لكن هذا التحالف والتزاوج المحرم بين القبلية والدولة كان في المحصلة سببا أساسيا في فشل الدولة، حيث مع تضخم سكانها والتزاماتها وتغول الفساد وتآكل الكعكة ووصول المشروع الصهيوني لنهاياته مع التزامات النظام السياسية وصل التحالف لنهاياته، وأخذ اليوم شكل الصراع في لعبة شد الحبل بين المتحالفين، لكن الميزان ليس لصالح القبلية بفعل التفوق العسكري للدولة والمال والتركيبة السكانية الجديدة حجما وتنوعا وتطور المشروع الصهيوني في فلسطين والأردن.
لم يكن النظام في يوم من الأيام إلا طامحا باستيعاب جميع السكان بلا طبقية، وتحقيق التوازن والاستقرار الداخلي، ولكن بهويته الهاشمية لا بهوية اردنية ولا فلسطينية، وهذا تطلب تخلص النظام من الرموز الوطنية ذات القواعد الشعبية التي لا يستطيع تدجينها كما يريد، وتطلب التلاعب بهيكلية القبائل والعشائر وصنع زعامات جديدة وبالتالي السكوت عن مواجهة الفساد، فهو لا تهمه ا لعدالة الاجتماعية وتوزيع المكاسب ومنع الاختلالات الادارية في أجهزة الدولة إذا أصبح ذلك شرطا لتحقيق الاستقرار المطلوب، وهنا تتقاطع مصلحة المستعمر والمشروع الصهيوني مع مصلحة النظام الذي هدفه الأسمى هو امتلاك السلطة.
إلا أن تمكن الفلسطينيين من بلورة شخصية وطنية فلسطينية سياسية وفرضها على العرب وعلى العالم، والمراحل التي مر بها المخاض الفلسطيني على مدى سنين من ولادة المنظمة ثم حرب حزيران وولادة التنظيمات المقاومه وأحداث السبعين، لم تقتصر نتائجها مجتمعة على إدخال النظام في دوامة خوف وحذر وفي صراع سياسي مع المنظمة والتنظيمات الفلسطينية، بل انعكست على قواعد اللعبة بين النظام واسرائيل التي غيرت حساباتها من الفلسطينيين وأخذت تبتز الملك أحيانا وتحاول الالتفاف عليه بفتح خطوط مع الفلسطينيين احيانا أخرى.
وشعر الملك حسين رحمه الله بالخطر على نظامه من رفع الحماية واستبدالها بالاستهداف أكثر من مرة، وشعر بالحاجة للحماية، فلجأ الى تمتين تحالفه مع القبائل والعشائر والجيش والأمن، وأدى ذلك رغما عنه بل طبيعيا الى شئ من التحسس بين الشرائح السكانية في الدولة واختلال مبدأ المواطنة، ولكن الأهم أن ذلك أدى الى اختلالات إدارية نوعية فاسده جديدة في وزارات واجهزة ومؤسسات الدولة ليس لها أساس من القانون والدستور ولا الوطنية، تجاوزت صفة الاقليمية عند الناس الى الجهوية والمناطقية وشخصنة العمل العام، وأخذت الدولة مسارا تراجعيا محليا وخارجيا.
وقد عزز فك الارتباط الاداري والقانوني مع الضفة، وكذلك أوسلو وفشل وادي عربة من هجمة التحالف المحرم على بنية الدولة، ومن تعاظم التأثير والوجود القبلي العمودي في الديوان وكل مفاصل الدوله وولَّد هذا التحالف تحالفا أخر بين المال والسلطة كقوة هدامة جديدة همشت على أثره قواعد ا لقبائل والعشائر، ولنا أن تتصور أن أكثر شرائح المملكة فقرا ومرضا وظلما وتهميشا وحرمانا هي في محافظات الجنوب وبين القبائل والعشائر، بينما رموزها الحكومية والواصلة عائلتين أو ثلاث أو اربع يحتلون الديوان الملكي والمناصب العليا والمجالس والمؤسسات ويحتلون الفساد الاداري والمالي،، وانسلخوا عمليا عن مصالح عشائرهم،وتراجع في المحصلة مفهوم الدولة وتراجعت الاهتمامات الوطنية والسياسية.
يعيش الأردن اليوم حالة الدولة الفاشله والزائله بسبب العشائرية القادر استغلالها واستغلال مفاهيمها على هدم أعظم الدول وأغناها، وهي علامة تجارية جاهلية للعرب و سلاح الاستعمار في كل الأوقات، ولعلنا نلاحظ كيف أعاد الاستعمار انتاجها في سوريا والعراق بعد أن كانت غائبه، إنها الجهل والفقر والكذب والتخلف والظلم والفردية، إنها نقيض المصلحة العامة ونقيض فكرة الوطن وفكرة الدوله وقيم التطور والبقاء والاستقرار ولا تجتمع ا لا على شر.
إننا نناشد قواعد القبائل والعشائر ومثقفيها أن ينتبهوا ويتركوا الخطاب القبلي وينسلخوا عن قيمه المتعارضة مع قيم الوطنية وبقاء الدولة والوحدة الشعبية، وانتبهو لمنفاخ المستعمرين وإعلامهم فليس هناك من هو مقطوع من شجرة ولا أنتم افضل وأعرق من غيركم، ولا غيركم درجة ثانية، وانتبهوا إلى أن عقد الدولة كان بين الانجليز والنظام ولم تكونوا مع غيركم أكثر من أداة، وإذا كان لذلك مغنم فإنه لأفراد فاسدين أفاكين منها، فاعتصموا بحبل الله والدولة وانسلخوا عن القبلية إنها نتنه وليست أداة مواجهة فيما نحن فيه، وتكلموا سياسة وبخطاب اردني عربي حر واتركوا ما دونها، إنها المسئولة عن كل ما تشكون منه وعن مستقبل يريدونه ذليل لكم،/
وإلى قائد الوطن أقول، جمدْ أو أجل تعاطيك مع الطبخات السياسية الجاهزه، وأعط لنفسك فرصة للتفكير بالشعب وبالدولة، يمكنك فعل الكثير بشعب يقف معك ولا يساوم عليك، ويمكنك به مواجهة كل التحديات الخارجية والداخليه، شعبك مثقف وعلى تنوع خلفياته متفق عليك، إنه مصدر قوتك الفريدة والفاعله، وبوصلة لكل المتآمرين في سلوكهم وخطابهم معك، وانت أضعف الحلقات في المعادلة السياسة الإقليميه، وستبقى معنا ومع الدولة مستهدفا بكل وسائل الضغط ما لم يكن هناك تغيير حقيقي واستراتيجي فلا تخسر هذا الشعب ولا تقبل الظلم له مهما كان نوعه، تغيير الحكومات على نفس النهج هو تراكم للإحباطات واستجابة للضغوطات الإقتصادية المرتبطة بأهدافها السياسية غير القابلة للمقايضه.
كاتب وباحث عربي