هل ستُدفن الليبرالية المُشوَّهة لماذا يمارسها النظام الأردني على شعبه بقسوة في هذا الظرف؟.. أمريكا الصهيونية المعزولة عن الثقافة السياسية الدولية وحدها المؤهلة لإطلاق التغيّر في العالم.. فهل تُجبر من داخلها؟

القوة الغاشمة هي السلاح الإستراتيجي لأمريكا المُقادة بمسئولين ذو عقلية رأسمالية ربحية ونهج استعماري بعيدين عن القيم الإنسانية والأخلاقية ونسق السياسة الدولية. تستفرد بها وتستخدمها عندما لا يواجهها رادع ولا أدنى توازن مع الضحية دون اعتبار لمبادئ الحق والعدالة والرحمة، ولذلك فإن الأولوية دائما لهذا النظام هي للتفوق العسكري. محدودية الأطماع لنظامها الرأسمالي الاستعماري الباحث عن الثراء غير المشروع لم تعد هي نفسها حين عزو واحتلال القارة بالقوة الغاشمة، بل تطورت ً وامتدت لتشمل العالم بفعل التحالف المبكر مع الصهيونية الأمريكية والعالمية التي أصبحت تشكل جزءاً من الدولة العميقة صانعة القرار. بمعنى أن هذه الدولة ارتبط وجودها وهدفها فيما بعد بفكرة الحكومة العالمية المستعمرة للعالم، وهي فكرة بروتوكولات حكماء صهيون.
هذه الدولة المارقة، هي من تقود العالم اليوم. بينما العالم يعلم بنفس الوقت بعدم انسجامه مع سلوكها المالي والإقتصادي والسياسي وبمردوده السلبي على الاستقرار الدولي. ولكن ليس من دولة في هذا العالم من ترغب بسوء العلاقة معها أو بمواجهتها. وليس من دولة شرقية او غربية قادرة على التغيير والتأثير في إقامة نظام دولي اقتصادي مالي تشاركي جديد أو بحسم الصراع السياسي والعسكري واللّا أخلاقي في العالم بدون إرادة الولايات المتحدة ..
فالتغيير الذي يتوقعه العالم اليوم أراه مرتبطا بعاملين، الأول هو قرار أمريكا وسلوكها في أعقاب الجائحة ونتائجها الميدانية المحلية ، أخذين بالإعتبار قوتها الغاشمة وانعزالها عن العالم في طموحاتها أو أطماعها ومخططها، ووحدها من تقرر الحرب العالمية ونوعيتها وربما الإقليمية أو نزع فتيلها باتجاه نظام دولي جديد بدمقرطة الأمم المتحدة وإعادة هيكلتها . أما العامل الثاني فهو مدى التباين بين الدول العظمى من حيث النتائج الإيجابية أو الكارثية التي ستحل على كل منها في ضوء الدمار الاقتصادي .
أنظار العالم ستتجه في قراءة المستقبل بعد مرحلة كورونا إلى الولايات المتحدة .. إلا أن قرارها وسلوكها كقيادة رأسمالية صهيونية سيكون مرتبطاً بوضعها الداخلي وباحتمالية وقوع تمرد وتفكك ولاياتها وطريقة تعامل الحكومة الفدرالية معها. فالنكسة التي تعرضت لها الاشتراكية الشيوعية السوفييتيه تتعرض لاكبر منها اليوم الرأسمالية والديمقراطية الأمريكية . فكل نهج سيبقى يتطور ولا يتوقف إلى أن يصل ذروته بما هو عليه من جودة أو سوء ويصبح أمام مصيرين، فإما أن يتجدد بكليته من بداية سليمة أو سيئة تلقائيا، وإما ينتابه العفن والموت ثم التجديد على أسس أكثر سلامة. فالرأسمالية بكل أفكارها وأدواتها وصلت لذروتها على يد قيادتها المتمادية والأفسد وأسميها “اللبرالية المُشَوَّهه ” والسائدة بمصطلح “النيو ليبرالية “.
في بلدي الأردن
اللبرالية الرأسمالية المشوه هي من فتكت بالدولة والشعب عندما استلم رجالها مسئولية الحكم والقرار بتزكيات أجنبية وتحولوا إلى لصوص وباعة مقدرات وطن ، إنه نهج حشِع يعبد الربح المادي ولا خسارة عنده إلاخسارة القرش ، ولا قيمة للإنسان عنده سوى للإستخدام والحلب . كيف يسكت الملك رأس النظام على حكومة لم تكتف بعدم دفع مساهمتها المنتظرة في نفقات الوقاية من الوباء من خزينتها، بل حملت كلفتها لفقراء الموظفين وللشركات والمشاريع الصغيرة وللأطباء والعسكر وتركت كبارها وبنوكها وفاسديها، وحققت ربحا كأي تاجر حرب غاشم واحتلت مركزا دوليا متقدما بنجاحها في حسر الوباء على كتف الشعب وجيب الشعب وجنازات الشركات . بينما كانت في مؤخرة الدول بتلكؤها في إعادة مواطنيها ممن تقطعت بهم السيل وينام البعض منهم بشوارع الغربة، لأنها لا تريد أن تسهم ببضعة ملايين لعودة الفقراء وغير القادرين لا من جيبها بل من ربحها أو من ما جمعته صناديقها لغايات الجائحة ولم تصرف ، ولا من جيوب الأثرياء والفاسدين ومن سرقو الدولة والشعب،وتبحث بدلاً من ذلك في جيوب الأخرين من الشركات المتعثرة. انه نهج يعيش لحظته ولا يقرأ التاريخ ومصائر الظالمين
نعود لأمريكا ونتساءل عن إمكانية توفر الضغط الداخلي المطلوب لإجبار قيادتها على الترجل أو التغيير . فولايات الدولة لها صلاحياتها ولها مصالحها وقد تتعارض مع مصالح الحكومة المركزية وصنّاع قرارها، كما يتوقع تعارض بين ولاية وأخرى . أضف لذلك بأن الإنتما الوطني لأمريكا ومفهوم الأمة لدى الشعب الأمريكي المهاجر ما زال غير متبلور وغير موجود، بل الموجود هو فرصة تحقيق المصلحة الشخصية وتحقيق الذات والثراء . فمثل هذه الدولة لا يمكن أن يكون استقرارها إلا هشاً ومرهونا بتوازن المصالح الذي يصعب تحقيقه وبفرص العمل. وكلنا يتذكر كيف اشتعلت الحرب الأهلية بين ولايات الشمال والجنوب على خلفية المناداة بإلغاء العبودية لتأثير ذلك السلبي على اقتصاد الولايات الجنوبية. فمستقبل الولايات المتحدة السياسي والأمني مرهون بمدخلاتها الخاطئة ونتائجها حين تكون على المحك كما في كورونا مثلاً ، بعيداً عن مفهوم الوطن .
يلاحظ المتابع أن بوادر الصراع الداخلي في الولايات المتحدة السائدة الأن خلال فترة الوباء يقودها الحزبان الأزرق والأحمر ويغلب على خلفيته التنافس على الحكم . فالحوارات والمداخلات والنقد كله ينصب على مرحلة الوباء دون الحديث عن التغيير أو عن نهج النظام الأمريكي الرأسمالي المتطور لليمين . فهم عندما يتكلمون عن ملايين العاطلين في هذه المرحلة وتدمير الخدمات وصعوبة تقديم المساعدات الفدرالية للولايات والحكومات المحلية وتخفيض موازناتها وعن افلاس البنوك وعن فقدان التأمينات الصحية وغيرها، فإنهم يتحدثون في إطار ركود اقتصادي فقط أثناء الجائحة وعلى أنها ستمر كما مرت غيرها ، ويحجمون عن الحدبث السياسي وعن الأثار والعواقب الذي قد يفقد معها النظام الأمريكي سبب وجوده وسبب وجود شعبه في أمريكا الذي حددوه لأنفسهم ، ويحجمون عن إمكانية تمرد الولايات وربما الدخول بحرب أهلية ستكون هي القاضية على وحدة الدولة ونظامها وإسقاط فكرها الرأسمالي وزعامته .
الحزب الجمهوري ومفكروه ومقرروه هو الأمين على بقاء النظام الرأسمالي الإحتكاري والامبريالي أكثر من الحزب الديمقراطي مع فارق يخصنا كعرب لسنا بصدده بهذا المقال وهو أن الفكر الجمهوري يتحفظ على وجودنا بينما الديمقراطي يتحفظ على حقوقنا. وعلينا كعرب أن لا نكون مخدوعين كثيرا بالإعلام الأمريكي فليس هناك أدنى اختلاف بين صناع القرار الأمريكي وبين ما يمارسه ترمب على الصعد العربية والدولية والمحلية ، فهم يعملون لنفس الأهداف بغير اسلوبه تحت ثقل الضوابط والتعهدات الكاذبة لحلفائهم . ولذلك فسيكون لهم ولحزبهم كلمة نافذة على ترمب بقراراته المستحقة بعد كورونا.
وبقدر ما يتعلق الأمر بنا فقد تحدثت في مقال سابق عن استغلال اسرائيل لظرف انشغال العالم بالوباء والإقدام على تنفيذ ما يخصها بصفقة القرن من ضم للأراضي والأغوار بالتنسيق مع ادارة ترمب. ومع أنه ليس لدي ما أزيده على ما ذكرت، إلا أني وبنفس السياق الصهيوني أقول إن كنا نستبعد شن أمريكا لحرب عالمية تأتي عليها وعلى غيرها، فعلينا أن لا ننسى تأثير تزاوج الصهيونية والرأسمالية الأمريكية وكيف كلاهما يعتبران المنطقة العربية الأسيوية برمتها ملكاً لهما، وأن على ايران أن لا تبقى ايران. ومن الممكن جدا أن تستبق أمريكا التغييرات التي سترضخ لها، بشن حرب قاسية على ايران ومحور المقاومة لإزالة الخطر الوحيد المتبقي في المنطقة على اسرائيل، وبعد ذلك ستقوم بموازنة خياراتها الأسلم لها كنظام رأسمالي صهيوني ساقط. هذا تصور ويقابله مقولة ” تقدرون والأقدار تضحك”