معادلة الاردنيين واضحة، فما لم نلمس تغييرا جادا وحقيقيا في السياسة الداخلية والواقع الرهيب الذي تعيشه الدولة الرسمية والشعبية، فلن تكون هناك ثقة بسياستنا الخارجية ولا بثوابتنا، لأن الواقع الأردني الداخلي يتصل مباشرة ويطل على واقع وحقيقة سياستنا الخارجية، وعلى جدية ما يصرح به الملك من ثوابت ومواقف في مواجهة المخطط الصهيو امريكي في الأردن بالذات.. فواقع ما يجري من ممارسات رسمية داخلية اقتصادية وإدارية واجتماعية هادمة مع حكومات صورية دون توقف في إطار من الاختلالات الدستورية، يشكل علامة استفهام وشكوك لها سندها، وليس تشكيكا. فنحن أمام مستحقات وطن يعاني ويواجه خطرا من عدو لا يفهم الا مصلحته ولا يوقفه الا محددات سياسته القائمة على ميزان القوة بكفتي الربح والخسارة.
المعاني الكبيرة والمسئوليات الجسام وحماية الحقوق ودرء الأخطار الخارجية لا تحققها دول فاشله بجبهة داخلية منهكه. والقيادة التي لا تستطيع ترجمة وتحقيق شعاراتها ووعودها في داخل دولتها التي هي تحت سيطرتها المباشرة، لا يمكن أن تكون أهلا لتحقيق شعاراتها المرتبط تحقيقها بدولة أو دول أخرى.
نحن لا نستطيع أن نفصل الواقع الداخلي المتراجع للدولة بإصرار عن مستقبلها السياسي، والدول لا يدمرها من الداخل سوى تعميم الفساد وحعله نهج حكم يألفه الناس ويصبح أمرا يتعايشون معه، ونحن اليوم في الأردن وصلنا الى هذه المرحلة. ولم يبق نوع ولا شكل من الفساد إلا ووجد طريقه لهذا البلد، ومع كل هبة شعبية على مشهد فاضح يخرج علينا صاحب القرار بعبارات الوعد لنا والوعيد بكسر ظهر الفساد دون أن نرى استراتيجية في خطة عمل محددة بل أكباش فداء تعمق الحالة وتعزز منظومة الفساد. ولا يمكن أن نحتسب هذا إلا عملا سياسيا بخلفيته وبنتائجه. نحن اليوم دولة بمؤسسات دستورية وسلطات على مقاس هدم الدولة حين تفتقد لمفهومها النظري وفلسفة وجودها.
أوليس من حقنا أن نساوي بين النتائج عندما تتشابه المقدمات؟ حيث نرى وعودا وشعارات سياسية إزاء ما يهدد مستقبل الدولة والقضية والمقدسات ولا نرى خطة ولا استراتيجية لتحقيقها حتى فقد المواطن ثقته بالدولة والمجمل، فعن أي تشكيك يتحدث الملك.
لا يمكن للملك أن يقنع شخصا واعيا بأنه قادر على حماية وتفعيل مواقفه السياسية اتجاه القدس وحماية الأردن وفلسطين من الوطن البديل ولا الوقوف بوجه صفقة القرن وأمريكا ما دام الاردن في الوضع الذي هو فيه داخليا وخارجيا. ومن هنا نحن بانتظار الإجابة على السؤال الكبير والأساس وهو كيف وبم سيواجه المشروع الصهيوني في فلسطين والأردن والمنطقة والذي لا يكون عمليا بمجرد الرفض الذي لا يسعفنا به وضعنا الداخلي وامكانياتنا وتحالفنا مع نفس الجهة التي تستهدفنا وتستهدف رفض الملك ورفضنا.
إن إصرار الملك على استخدام الدبلوماسية الفاقدة لذخيرتها لا تصنع شيئا ولا تصيب هدفنا، وإن كانت مع العدو أو أصدقاء العدو فلن تأتي بمردود منهم أكثر من جائزة تقدير لإنجازات نحن الأردنيين وقضيتنا ومعاناتنا بعيدين عنها، وبعيدة هي عن أولوياتنا. وسنبقى نقول أن مصداقية الكلام والمواقف مرتبطة بوجود أو إيجاد القدرة على التنفيذ، وإلا فهي سراب خادع.
يا صاحب القرار تطوف دول العالم بلا توقف من أجل مساعدة الاردن اقتصاديا ودعم مواقفه السياسية بوجه امريكا واسرائيل. ولا حاجة للقول لك بأن قبيل كل زيارة فإن حكومة الدولة التي تزورها تستجمع عادة ملفي الأردن في الشأنين الداخلي والسياسي الخارجي إن لم يكن معروفا لها. فترى تلك الحكومات ان نظيرتها الاردنية لم تنجح في مواجهة التسيب والمشاكل والتحديات الداخلية التي تفتك بإدارة الدولة وباقتصادها، لتخرج تلك الدولة بنتيجة هي أن المساعدات والديون لن تسعفها بل تسعف الفساد المتعاظم والحكومات غير المؤهلة وطنيا.
أما في الملف السياسي فتلك الدول ترى بأن حكوماتنا ودولتنا وزعامتنا لم تفعل كصاحب قرار وقضية شيئا ولا مجرد اجراء دبلوماسي او سياسي عملي واحد لصالح ما يتن طرحه وتطلب له المساندة من الغير ولو على سبيل التعبير عن غضب أو عن جدية الرفض لما يتعرض له الأردن والقضية من اجراءات أمريكية واسرائيلية تشكو منها مثل ما نشكو، فكيف يكون منطقيا لنا أن نطلب مساعدتها أولا وكيف يكون منطقيا لها في تجاوبها مع ما نطلبه. يا صاحب القرار إن العالم لا يحترم ولا يسمع الا من قوي أو من الذين يبدؤون بمساعدة أنفسهم وقضاياهم بفعل ملموس. ولو فعلت شيئا من هذا القبيل على مستوى الحدث قبل الزيارات لكانت حكومات الدول هي من تأتيك لعمان.
يا صاحب القرار إن شعبك غير مقتنع بحاضره ولن يكون مطمئنا على مستقبله بالطريقة يتم فيها معالجة الأمور ومواجهة الأخطار، ولقد بات عقمها وفشلها يعيشه كل مواطن. قافلة الصفقة تسير باتجاهنا ولا يوقفها انتقادك لها بل فعلك، وسياسة المشاغلة واستهلاك الوقت وحرف البوصلة هو سلاح العدو وليس سلاحنا. فلا نريده سيداً للموقف في سياستنا.
ونعلم بأن هناك اصرارا على عدم مواجهة الشعب بخطاب مكتوب ومفتوح ومتلفز يجلي صورة الواقع ونهايته كوثيقة تاريخية توضع في ضوء نتائج في محكمة الشعب والوطن والقضية، ونحن لذلك يا سيدي ندعوك للجلوس مع فئة من شعبك تعرفها لا غرض لها ولا هوى ولا مهزومة من الداخل، وقادرة على الحوار على طاولة مستديرة ولو لساعات من أجل الوطن، خساراتنا واستسلاماتنا كلها أتت بعد حروب ومعارك كلاسيكية مفتعلة في ميزان عسكري ليس أهلا لها.
كاتب وباحث عربي