بداية بين هلالين أقول (ناح عباس بخطاب بمجلس الدول التي تكفلت باحتلال فلسطين واقامة اسرائيل وتتكفل ببقائها، ناح شاكياً بذل، وأحجم عن طرح ورقة حق المقاومة التي وحدها ما يُحركهم ويُحرك كل العالم وعلى رأسهم الكيان المحتل، بل نَزَعها وأدانها ووصَفها بالإرهاب، ليس هكذا قول الفلسطيني ولا من يريد استرداد وطن وحقوق وطنية، إنه خطاب من يسوق نفسه حاكما عميلاً ومن يزور القضية، المقاومة يا عباس هي جزء أصيل من الشرعية الدولية التي طالبت بها )…. وبعد أقول في الأردن والمُصاب واحد.
المسئولون ومعظم شخصيات النظام السابقين ومعظم الأحزاب وأغلبية مجلس النواب وكل مجلس الأعيان ومعهم الإعلام بمختلف وسائله والمتحدثين به، كلهم في الأردن يثمنون موقف الملك من صفقة القرن استنادا لتصريحاته. وكلهم يعرفون بأنهم ينافقون على حساب الوطن والدولة والحقيقة ولحساب جيوبهم وخياناتهم. لا أحد منهم يسأله مباشرة أو عن طرق الإعلام أو من خلال حسابه، كيف وبماذا سيواجه أمريكا أو اسرائيل بما عزم الأمر عليه من لاءات وعندما تدخل بمشروعها للأردن ؟ً هل سيستخدم قوة الأردن العسكرية لمواجهة اسرائيل وأمريكا مثلاً، أم سيستعين بحليف ومن هو الحليف. أم هل سيتذكر الشعب ويقول له أخرج للشارع واستنكر واصطف معي في رفضي، أم هل يعتقد بأن أمريكا أو اسرائيل ستخجل منه وتلزم حدودها؟
وهل مِن هؤلاء من قال له مباشرة أو بوسيلة اعلام، بأن اسرائيل اضطلعت باجراءات قانونيه وعمليه من طرف واحد لتهويد القدس كلها ومعها الأقصى وعصفت بالوصاية واتخذت كل الإجراءات المنطوية على تنفيذ لاءاته وكلَّاته وتوعدت بالجديد دون أن يصدر عنه أي ردة فعل سياسية أو دبلوماسية احتجاجية مهما كانت بسيطة كطرد سفير أو اغلاق سفاره أو إيقاف مشروع صفقة الغاز الاحتلالي ؟. الجواب لا ليس منهم من فعل ذلك، بل يلوذون بالصمت أو يتوارون وراء تيه الكلام أو مخاطبة حكومة يعرفون أن الأمر ليس بيدها. ليس الملك ولا غيره من يحترم هكذا رجال، ولا العالم من يحترم هكذا حكام. وليس في العالم من يحترم شعباً نائماً على ضيم..
من حق كل مدع بسلامة موقف الملك أن يطالب بحسن النية وبالتفهم ويقول أن المعنى في بطن الشاعر، وبأن الملك يعلم بما يقوله وأنتم لا تعلمون. ولكن دلونا كيف ذلك إزاء الصورة التي أمامنا، فمن يتابع خطاب الملك يجده مختلفاً في المسارح. فنراه إيجابيا بحذر الضعفاء عندما يكون موجهاً للأوروبيين، وإعلاميا خجولاً عندما يكون في الأمم المتحدة، ووطنياً ومطمئناً عندما يكون في الاردن، ومهندساً لأصول اللعبة في الجامعة العربية، وإذعانياً في أمريكا، وحميمياً واستعطافياً في دول الخليج المتأمرة على المكشوف، ومشوباً بالجفاء واختلاف الرأي مع اسرائيل بينما المرئي على الارض وفاقا واتفاقا. وتوزيعاً لأدوار مشبوهة مع سلطة رام الله ما دام لا توحده معها استراتيجية عمل مشترك بوجه استهداف تكاملي وصفقة تكاملية. وإذا اعتبرنا كل ذلك سياسة تُخفي وراءها حقيقة وردية، دعونا ننظر لفعله وللواقع على الأرض ونحكم.
يعلم الملك بأن امريكا وإسرائيل لا تخفيان اليوم نواياهما كالسابق وأن التأويل أصبح باطلاً. فهما يصرحان رسميا بإنكار أي حق للعرب في فلسطين وبأي حقوق وطنيه للشعب الفلسطيني، والأقصى معبدهم. وبأن الاردن مستهدف لخدمة تصفية القضية الفلسطينية وتصفية نفسه. وصفقة القرن دَفنت كل الاتفاقيات واللاءات العربية وعلى رأسها لاءاته، دون سماع بيان رسمي جلي وصريح باسم الشعب الاردني يعلن فيه رفضه لهذه الصفقة ومقاطعته لأي تعامل معها. ومع ذلك لم يكتف بالإبقاء على معاهدة وادي عربة التي نُسفت أسسها وكل مبرر للتمسك بها وبكل الاتفاقيات في إطارها في مختلف حقول الحياة، ولم يكتف بتعميق الارتباط بأمريكا ومصالحها بل طوَّر معها سياسة جديدة تزامنت مع الصفقة تتمثل بتجاوز مصلحة الأردن وشعبه مع دول عربية واسلامية مهما كانت حيوية، وجنح لمجافاتها والاصطفاف غير المبرر في النزاعات العربية وكله تجاوبا مع الرغبة الأمريكية.
كل نظام عربي يؤدي ما عليه لتصفية القضية الفلسطينية وتركيع دولته، والنظام الأردني يؤدي ما عليه لكن مهمته هي الأعمق والأصعب لأن المطلوب منه هو الأعمق والأصعب، ومع ذلك يقوم بالدور على أكمل وجه من خلال صنع دولة النفاق والمنافقين وغياب التأثير الشعبي. فنحن اليوم في دولة ليست لشعبها، وفي النظام الدولي هي مسمى دولة. دولة لم تعد تمتلك مقدراتها. مكبله بالديون هي، ونظامها مكبل بملفات الفساد. ولم يعد القانون يحكمها ولا مصلحتها ولا قضاياها ولا عربي أو أردني. إفلاسها وانهيار اقتصادها وإدارتها قرار أمريكي جاهز مع وقف التنفيذ. إنها الدولة المباعة بسيادتها وبقضاياها وسلطتها وقرارها، ولا رابط بين مكوناتها من سلطة وشعب وأرض. ووصلت نقطة اللّاعوده، إلا أن الوطن لن يبتلعه البحر وفلسطين احتلت أكثر من مرة وحررت. والحاكم زائل، والشعب صاحب الحق والمصلحة وأمانة المسئولية رُدت إليه ولكن…
لا ننتظر ترامب ليقول بأنه لو كان في المنطقة شعوب لما كنا فيها. فهذه بديهية وعندنا للآن واقع. وما لم ينهض الشعب العربي سيعاني شتاتاً في الأرض وذلاً لحقب قادمة ويصبح فُرجة للشعوب بجرم الصمت وخيانة الأمانة. والشعب لن يكون له وجود إلا باسترداد سلطته وحقوقه المغتصبة من حكام عملاء هم من يمثلون الوجود الأمريكي. وبقدر ما يتعلق الأمر بالأردن، فهذا الجيل العربي والمسلم وكل صاحب عقيدة سماوية أصيله يقيم على أرض الأردن إما أن يكون فاقدأ لكرامته وحطبا وجيفة إلى جهنم هو وخطابه وتعبده وصلاته الزائفة ليخلفه جيل رجال من أهل الله ومن أهل الوطن، وإما أن ينهض بأمانته ويأخذ هذا الشرف وهذه النجاة. ومن الواضح أن الأردن كدولة وكوطن في أزمة. وستبقى تتدحرج لأن الشعب تُرك مأزوماً ينتظر المصير بمفهوم ( ما يقع من السماء تستقبله الأرض ).
ما زال المنادون بالخروج للشارع والمنادون لعمل سياسي أضعاف من يستجيبوا، ولا نرى شعبا في الشارع إلا في مناسبة تدعو لها السلطة أو على مُدرج أو مسرح. تفسيري بأن هذا الشعب عصي على التمرد على حاكمه لخضوعه لحالة المواطن المستقر ما دام دكتاتوره موجود. فالحالة مرضة إدمانية. فليس من قانون يمنع الخروج ولا التظاهر ولا الإعتصام، وليس الخروج للشارع مرتبطأ بالهتاف للنتذرع بالخوف مع حالة تسير نحو الهاوية.
ملايين من الأردنيين بسطاء و(مسخمين ) ويغامرون بغدهم في سبيل حاضرهم. وهؤلاء لا نجلدهم بل نساعدهم ونجهد بتوعيتهم ونجعل من أنفسنا نحن مئات الألوف من خارج حالة (المواطن المستقر) المرضية قدوة لهم في العمل السياسي ونستقطبهم، وفي الشعب أيضاً مئات الألوف من الذين يشعرون بمسئولية الأمانة، ومن المؤمنين بالتضحية في سبيل الوطن، وبتكفير الخضوع للصهيوني ولليهودي، ومن الرافضين للإستلام وتقبل الإذلال الوطني والقومي والعقدي الذي تمارسه الصليبية الأمريكية علينا مستخدمة حكاماً يدعون العروبة ويدعون الاسلام. نحن بحاجة لنخبة في مبادرة وطن ومواطنه على ركائزها، يلبي نداءها من يسمعها من بين مئات الألوف المؤهلين هؤلاء.