هل مصير لبنان مرتبط بمصير حزب الله.. وكيف نقرأ عقدة تشكيل الحكومة.. الثنائي الشيعي خارجها فهل ننتظر تراجع السعودية أم حكمة عون ـ أم مخطط اسرائيلي قادم

الحالة القائمة في لبنان هي حالة تعايش سياسي هش على خلفيات طائفية لها ارتباطات خارجية، مما يعمق عدم الاستقرار السياسي ويلقي بظلاله على وحدة لبنان شعبا وجغرافيا وعلى سيادته . وإن إطالة عمر هذه الحالة السياسية يمهد الطريق أمام تحقيق الأهداف الاسرائيلية . فنحن نعلم أن لبنان تمثله الحكومة ولا تسيره في الواقع . بل تسيره التكتلات السياسية والحزبية من خلال وزرائها في الحكومة . وما الحكومات في هذه الحقبة إلا حكومات شكلية وديكورية . ولكن غياب الحكومة على شكليتها في هذه المرحلة يفوق ضرره معادلة تسييرها.
من غير المنطق أن لا نربط عدم الاستقرار السياسي في لبنان باسرائيل وبأهدافها، فالإستهداف لهذا البلد لن يستثني تقسيمه بشكل من الأشكال، فهذا هاجس اسرائيلي في إطار سيناريوهاتها لمحاصرة حزب الله . وهو بنفس الوقت أسهل بلد عربي للتقسيم عمليا .فهو الأن مقسم طائفيا في النفوس وفي السياسة، وبات التقسيم الجغرافي هو المطلوب، وهو سهل جدا فهناك شمال وجنوب ووسط وجبل على القياس، ولمن يتكلم عن صغر المساحة عقبة، فلبنان بلد عملاق المساحة بالنسبة لدول موجودة ومرعية،
ومن هنا، فنحن في الوقت الذي نتعامل فيه مع الأزمة اللبنانية كجزء من الأزمة العربية والهم العربي العام، فإننا نتعامل معها أيضا كأزمة لبنانية لها خصوصية إن لم يصار الى مراعاتها فستنعكس الأمور سلبيا على كامل القضية العربية وفكرة المقاومة وسندها في المنطقة، وتتمثل هذه الخصوصية في هدف التخلص من حزب الله وتواصله الجغرافي الشرياني وذلك بتقسيم لبنان تقسيما سياديا في محميات.
لا يختلف اثنان بلا خلفيات اصطفافية على أن حزب الله لو لم يكن موجودا في لبنان لكانت اسرائيل موجودة مكانه ومكان كل مراكز القوة في لبنان، والقول هنا هو إن تجاوز الوقوف مع من يؤمِّن حماية لبنان ويمنع تسليم مصيره لإسرائيل في هذا الظرف الذي يفتقد فيه هذا البلد للحماية العربية والدولية، فإنما يتجاوزه إلى تعزيز فكرة المقاومه، وحيث نعترف بأن حزب الله هو مكون سياسي لبناني فإننا نعترف بباقي الأحزاب والتيارات كمكونات سياسية لبنانية أيضا، ومن واقع انحيازي للحقيقة في اطار المصلحة الوطنية والقومية وعروبة لبنان، فإني أكتب بالشأن اللبناني من هذه الزاوية.
عندما نتكلم عن تشكيل الحكومة اللبنانية اليوم، فإنما نتكلم في الواقع عن صراع موضوعي بين مصالح ومتطلبات تكتلات القوى السياسية اللبنانية كمراكز قوة لها ارتباطات خارجية . ونظرا لكون الوزراء في الحكومة اللبنانية أصبحوا يمتلكون ولاية عامة على وزاراتهم لحساب الأحزاب والتيارات التي يمثلونها بمعزل عن الولاية العامة المفترضة للحكومة، “وبمعزل عن رئاسة الجمهورية، فقد أصبح للوزارات السيادية في لبنان أهمية خاصة ومفاهيم أخرى، وتوسعت طبقا لاهتمامات القوى السياسية وتكتلاتها.
إن مما يعنيه ارتباط سلوك وقرارات الوزير في لبنان برغبات كتلنه السياسية، هو أن الحكومة تحولت الى كيان أو إطار شكلي . إلا أن تشكيلها بحلتها الإنتخابية ووجودها حتى لوكان شكليا بلا مضمون هذه المرة بالغ الأهمية في هذه المرحلة الدقيقة أمام ذرائع المتأمرين المتربصين بلبنان، ومن واقع أن الصراع السياسي القائم حاليا في لبنان هو بين ايران والسعودية بشكل ما، فإن ما يتبادر للذهن أن لكليهما تأثيرا على تعقيد أو حلحلة مشكلة تشكيل الحكومة ..إلا أن واقع العقبات في تشكيلها يخلي أية مسئولية أو دور لحلفاء ايران، وإن تحول السياسة السعودية في لبنان إلى سياسة مواقف مرتبطة بالسياسة الاسرائيلية المرحلية في لبنان، ينعكس على سلوك حلفائها في الأزمه.
أسهمت السياسة الاسرائيلية وحليفها الأعرابي في تشكيل المشهد السياسي اللبناني وخارطته السياسية وتعقيد انسياب الدولة، فبعد أن صبغت الحرب الأهلية في لبنان في القرن الماضي بالاسلامية – المسيحية، اتخذت اليوم شكل تعميق الانقسامات عموديا بين مكونات الشعب اللبناني حتى أصبحنا نشهد خلافا مسيحيا مسيحيا لا أقله بين القوات والتيار العوني لتمثيل المسيحيين على خلفيتين مختلفتين، فيها خلفية جعجع تتعارض مع الأسس الوطنية والعربية، أما المردة والكتائب فلا تلاقي بينهما ينتظرون فرصا شكلية كرئاسة الجمهورية، ورغم صقورية الكتائب والقوات اللبنانية الجعجعية فإنهما لا يلتقيان، وهناك خلاف درزي- درزي على تمثيل الدروز وخلاف سني سني بين تيار الحريري والمستقلين، بينما نجا الصف الشيعي بثنائيته.
من الواضح أنه ليس للثنائي الشيعي حزب الله وأمل اية علاقة أو مصلحة خاصة بهم بالعقبات التي تحول دون تشكيل الوزارة فحصتهم الكمية والنوعية بتشكيل الوزارة وغيرها ليست محل خلاف . ولا للسنة مطالب معقدة في حصتهم .والخلاف على الحصة داخل البيت الدرزي مرتبط بالعقدة الرئيسية وعلى هامشها يمكن حله إذا ما انحلت هذه العقدة الرئيسية . أما العقدة الرئيسية هذه في تشكيل الحكومة هي بين جعجع التي ضخمت الأموال السعودية حصته ثلاثة أضعاف في مجلس النواب، وبين تيار عون.
من هنا أرى أن المشكلة في تشكيل الوزارة هي سعودية المنشأ، حيث أن دعم حزب الله الى عون هو في سياق أدبيات التحالف ومرتبط برغبة عون نفسه، بينما الحريري كرئيس للحكومة وجعجع كطرف اساسي في العقدة الأساسية لتشكيل الحكومة مرجعيتهما هي السعودية، وليس خافي على أحد ما ينطوي عليه تصريح الحريري مؤخرا من أن ايران والسعودية ليستا مسئولتان عن مشكلة تشكيل الحكومة، فهذا التصريح ينطوي على اعتراف منه بمسيئولية السعودية جاء بصيغة دفع ثمن فاشل لايران لإزاحة التهمة الحقيقية التي تلبس السعودية.
وحيث أن عقدة تشكيل الحكومة مرتيطة بالسعودية ومن ورائها اسرائيل، فهذا لا يعفي الأطراف اللبنانية التي تعلم بهذه الحقيقة من المسئولية لفعل شيء، ومع أننا نأخذ بالاعتبار أن السعودية سبق وأن رضخت لتعيين عون رئيسا للجمهورية، لكن علينا ايضا أن نتذكر بأن اجراء انتخابات جديدة مستبعدا وغير مجد، وأن تكليف رئيس الجمهورية لرئيس حكومة أخر غير مجدي . ففي هذه الحالة هل يُقَدم عون تنازلات أم ننتظر تكرار السعودية لموقفها المشار اليه، أم ننتظر خيارا اسرائيليا ببقاء الحالة على ما هي عليه توطئة لمرحلة قادمة.
كاتب وباحث عربي

Leave a Reply