هل من طريق للنجاة في الأردن؟

بات حاضر العرب في مهب الريح بلا حليف ، فلا وزن بقي لهم لتتجاذب دولهم لبعضها ولا لتستقر إحداها في مأمن ، وباتت جرائم الحرب في أراضيه شأن يخص الاخرين . وحتى الدولة العربية ذات القيادة التقليدية تاريخيا تنازلت عن دورها العربي بل وعن دور النيل ، وانضمت للصف تنتظر المصير الواحد الذي سيصنعه الغير. فلم تعد فلسطين وحدها محتلة ولا شعبها وحده يذبح أو يهجر. وغائب عن المشهد من بقي يعتقد أن داعش هدف أو قضية للاعب قديم او مستجد . والأردن ما زال يتلمس طريقه بحواس غيره وبلا موقف شفاف مما يجري منذ سنين . حكومة غائبة ورأي عام مغيب ، جيش سماؤه في القياس مكشوفة وسلاحه السيف ومخابرات تنحت في الصخر . وشعب لا يدري هل ومتى ستفتك به الحرب الاقليمية بالوكالة وأين ستقذف به المتغيرات .
أستحضر قول الشاعر مخاطبا قلمي لا فرسي ، هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم . إن الكتاب لم يعد أمامهم الكثير مما ينبهوا له أو يسهموا به في تغيير حالنا او التأثير به ، كما تخمت الصحف والخطب والرسائل بكلمات النقد والانتقاد والنصح بعمقه وسطحيته ، والاطراء . وكل ما نسمعه ونشهده مفاجآت صادمة ليس العرب طرفا فيها وإن كانوا محلها ، لكنها من صنع المنطق . فجدار الفصل يزداد عتمة بين حكامنا وشعوبهم ، حتى حين حل جدار الغموض والتندر بينهم وبين حلفائهم التقليديين المستفيدين من عزلة الحاكم العربي عن شعبه ووطنه .
نحن في الاردن لا نملك كغيرنا مال النفط ولا العمق الجغرافي الاستراتيجي ، ولسنا في حلف الاطلسي لنكون بمنأى عن تداعيات جسيمه قد تحصل . بل نحن في ذات الوقت محل أكبر مشروع أمريكي صهيوني ، وإن نتائج الاحصاء الديمغرافي الأخير في الاردن تصب في مصلحة هذا المشروع وتمهد له ، وبما لا يبشر في مستقبل يطمح له الاردنيون . كما لا أعتقد أن الجيش الاردني يمتلك التكنولوجيا العسكرية نوعا وكما كالتي تمتلكها الدول الاقليمية المتصارعه ليكون طرفا يصنع فرقا عسكريا ، وقد تكون بدلا من ذلك أهداف أخرى تصنع فرقا لهم يتجاوز المعلن .
فالجيش الاردني يمتلك عقيدة قتالية لم تتغير منذ تاسيس الدولة ، وبوصلتها حماية النظام وفلسطين ، وقدره أن لا يقوى على حرب مع أية دولة مجاوره دون حليف قوي وصادق ، وهذه معادله حل أجلها ولم تعد موجوده . فهل اصبح مطلوبا كسر هذه العقيدة للتعجيل بطوي ملف القضية الفلسطينية على حساب النظام الاردني بمعناه الشمولي الذي يشمل كيان الدوله ؟ حيث لن يكون هناك تجسيد لمخطط الشرق الأوسط الجديد دون تهيئة الارضية اللازمه له في الاردن بالذات لغايات حل القضية الفلسطينية وفق المنظور الصهيو امريكي . ولا يتأتى هذا ولا يستقر الحال فيما بعد دون البدء بكسر هذه العقيده كما كسرت في الجيوش العربية الاخرى بما فيه الجيش السوري .
قد أعود الى الأزمة العراقية ابان حكم صدام وأقول إن الملك حسين ربما كان قد استشرف المستقبل وما سيؤول اليه العراق والعرب وبنى على ذلك موقفه من الحملة العربية الأجنبية على العراق ، فهل القيادة الاردنيه الحاليه قد استشرفت المستقبل في سوريا والمنطقة والتداعيات على الأردن ، وهل يمكن القول أنها أخذت أو في طريقها لأن تتخذ موقفها من الازمة السورية وفق نفس طبيعة هذا النهج من خلال دراسة سياسية شاملة ، وهل موقف القيادة المصرية الحالية المنعزل عما يجري في المنطقه هو نتيجة درس ذات الماضي وعكسه ،أم هو ادراك لحجم ما يجري . وهل السعودية ترتجل قرارات أم تجر اليها أم تأخذها معزولة على مقاس المصلحه السعودية العليا أم هي في سياق سياسات لدول كبرى ؟ إن وضعها الدولي والداخلي وحساباتها مع حسابات غيرها من دول العرب اليوم وفي كل الحالات مختلف عن وضعنا في الاردن ومع حساباتنا .
نحن لا نعلم عن موقف شفاف للأردن للآن ، ولا عن اصطفاف له شفاف في الصراع القائم . بل نسمع عن هدف حماية حدودنا من الارهابيين . وهذا كلام لا اراه مقنعا ولا هو على مستوى الحدث ، فما يجري في المنطقه هي ليست حرب داعش ولا سياسة داعش ولا سياسة الأسد أو ايران او تركيا فكلهم يعملون على هامش اللعبة والأحداث لتحسين أو ضاعهم او الدفاع عن مصالحهم وهم في هذا عرضة لأن يكونوا أدوات ، ولا الإرهاب قضية لطرف كبيرا كان او صغيرا ، وركوبة لمن يستطيع القفز ، بل إن ما يجري هي حرب كبار وسياسة كبار ومخططات اختمرت ، وإذا ما جاءت الساعة فإن هذا هو ما سنواجهه في الاردن . فهل نحن مستعدون أو لنا تلك القدرة على مواجهة الكبار حين يستهدفوننا مباشرة أو بأدواتهم ؟.
أعتقد بأن الأمر كبير والقادم كبير ونحن في الوقت الضائع ، والقادة الكبار يعودون في قراراتهم المصيرية لشعوبهم بصفتهم أصحاب المصير ، فكيف لو كانو هم أيضا مستهدفين . لعبتنا في الاردن باتت سياسية وليست عسكرية أبدا ، ولو كنت مكان القيادة الأردنية لطويت صفحة الماضي وانطلقت من الحاضر مع شعبي وبشعبي باحثا عن الحكمة فيما نحن فيه وسالكا لطريقها ولنتحمل جميعا المسئولية .