هل يتجهون بالأردن إلى الوطن البديل أم نحو وعد بلفور؟ الجواب سهل بقراءة المختفي من الصفقة المسربة.. نحن بحاجة لوعي الملك على نفسه أو لوعي الشعب قبل التقدم نحو مستعمرة تهجير

صفقة القرن المسربة وما يرافقها من سلوك اسرائيلي على الأرض يشير أنها تنطوي على مجرد بسط السيادة الاسرائيلية على فلسطين كلها كدولة بقومية يهودية، وهذا بحد ذاته يعني وجود تصور عندهم عن كيفية وشكل تصفية القضية الفلسطينية بأبعادها الوطنية والسياسية والسكانية من خلال رؤية سياسية تشمل الأردن أخفتهما الصفقة المسربة. فهم لم يأتوا بالصفقة بلا هدف سياسي، وتاليا محاولة تحليل قائم على معطيات ملموسه للوصول الى التصور الأمريكي \ الإسرائيلي لكيفية وشكل تصفية القضية الفلسطينية ولرؤيتهم السياسية، ونفترض للوصول للحقيقة احتمالين للتحليل.
الاحتمال الأول: أن يكون ما تقدمه اسرائيل من تتنازل بالصفقة هو اكتفاؤها بفلسطين من البحر الى النهر .وهذا يفترض أو يعني بأن تصفية القضية الفلسطينية يقوم على فكرة “الوطن البديل” بتفريغ مكوناتها السياسية والسكانية في الأردن، أي نقل حل الدولتين من فلسطين، إلى فلسطين والأردن .
أما الاحتمال الثاني: أن لا تكون إسرائيل مكتفيه بفلسطين . وعندها يكون مصطلح الصفقة استخدامياُ لملعوب سياسي وهمي تدخل من خلاله اسرائيل في مرحلة تبتعد فيها بالعرب عن القضية ومكوناتها وتسويتها بصنع سيروره تطبيعية فاشلة ومغرية وملهية تتمدد فيها لابتلاع فلسطين ومضغ الأردن وابتلاعه ثم هضمهما معا، وهو السيناريو الذي ابتدأ في أوسلو بالنسبة لفلسطين ويستكمل اليوم مع الأردن وبه (بمعنى وعد بلفور).
بالنسية للإحتمال الأول (الوطن البديل) وتسوغه اسرائيل دوليا على أساس أن الأردن هو فلسطين . ويقوم على اشتراك الاردنيون مع الفلسطينيين بقالب سياسي جديد في دولة جديدة . ويَفترض توطين اللاجئين الذي يلغي حق العودة أو المطالبة به، وأن يمارس الفلسطينيون حق تقرير المصير في الدولة الجديدة بما يشمل المكونين معا وهذا يتطلب غياب سلطة الملك ويفتح الطريق لتهجير ناعم من فلسطين بالضغوطات او بالإغراءات، ويهيء لاتخاذ اجراءات قانونية اسرائيلية طارده ضد فلسطينيي الداخل لتفعيل قومية الدولة.
طرح الوطن البديل إسرائيليا لا يكون قرارا استراتيجيا لها لما يعنيه من تخلي الصهيونية عن الأردن كجزء من وعد بلفور وامتداد جغرافي للاحتلال إلا حين تكون اسرائيل تحت التهديد والخطر الحقيقي كخطة (ب ) . وحدث ذلك في الستينيات من القرن الماضي وأغلق ملفه فيما بعد ثم فتح من الليكود وأشهر نتنياهو كلامه بأن اسرائيل لا يمكن لها البقاء بتقسيم الأمم المتحدة وأنها تريد تطبيق قرار التقسيم على أساس أخذ ربع فلسطين الى النهر وترك الأربعة أخماس للعرب ( الأردن ) . وكما نعلم فإن الوضع السياسي للأردن وشعبه وقرار مصيره كان منذ إنشاء الدولة وما زال مرتبطا بالتطورات على الارض الفلسطينية .
و أقول هنا، نظراً لجغرافية وطبيعة سكان الدولة الأردنية الجديدة التي ستكون مجاورة لاسرائيل فإن الإخيرة لا تقدم على الوطن البديل في ظرفها الحالي إلا على أساس علاقات وثيقه وتنسيق وتعاون سياسي واقتصادي وأمني وعسكري وثيق وشفاف مع الدولة الجديدة على مستوى ما يحدث في الفدراليات لا في الكونفدراليات، ومؤدى ذلك معروف ولا يصنع سوى دولة تحت الوصاية قيد الابتلاع والهضم . كما لا تُقدم عليه أيضا قبل بلورة تسوية سياسية للمسألة السورية تكون ملائمة وخاليه من نظامها الحالي
ليس أمامي مبرر يدعو اسرائيل في هذه الظروف المواتية كي تلجأ لفكرة الوطن البديل للفلسطينيين استراتيجيا والتراجع عن ضم الأردن، إلا في سياق إعلامي أو مرحلي لمهمتين، الأؤلى لتغيير مفهوم الشرق أردنيين بمفهوم أن هويتهم ليست منتمية للأردن، وللمكون الفلسطيني بأن هويته ليست منتمية لفلسطين ولا للأردن بل هويتيهما عند سوريا أوفي أي مكان اخر بالوطن العربي، توطئة لإحكام القبضة الصهيونية على الأردن بتفهم دهمائي لهذا الشعب وتقبله استحقاقات المرحلة المقبلة السائرين اليها كمقيمين وبجوزات سفر جديده بعد البطاقات الشخصية الملغومة جدا والتي صرفت لنا العام الماضي . وبهذا يمكن تفسير التداول الاسرائيلي لفكرة الوطن البديل اليوم على انه اعلاميا، أما في الأماكن المغلقة مع عمان ورام الله هو من قبيل ابتزازهما للتعاون معها توطئة للمرحلة القادمة ومركزيهما فيها . وبهذا فأني لا أعتقد أن قول الملك عبدالله لعبارة “المملكة الهاشمية” المنطوية على الوطن البديل كان زلة لسان بل لها ما يسندها . ولكنها عبارة وُوجِهت برفض شعبي سريع وارتدت على أمريكا واسرائيل وأعطتهما رساله واضحة.
وهنا علينا الحديث عن محذورات الوطن البديل لاسرائيل وصعوباته . فهي تعلم بأن هذ الحل يفترض إقناع الشرق أردنيين بالتخلي عن وطنهم وعن انتمائهم اليه، واقناعهم بترك ثقاقة سياسية وإدارية عمرها مئة عام تتفق مع ثقافة سايكس بيكو الاقليمية التي انجر اليها المكون الفلسطيني بفعل الضغوطات رغم أن سايكس بيكو لم تعزل فلسطين والاردن عن بعضهما جغرافيا وسكانيا في دوله لهم، وازداد تمسك هذا المكون بالأردن وبفلسطين بنفس الدرجة، وأصبح على اسرائيل أن تقنع ملايين الفلسطينيين بالتخلي عن فلسطين . وأن تواجه صعوبات رفض الأردنيين لفكرة الوطن البديل ورفض الفلسطينيين الحاسم لحد تخوين من يقبلها .
لذلك في حالة التوجه للوطن البديل سنكون نحن واسرائيل أمام افتراضين ً . الأول، في حالة الوعي بالمسئولية المشتركة، فإن الأمر وقراره سيكون لمكونات الاردنيين بمثابة عامل للتوحد في وحدة مقدسة ضد المؤامرة التي تصيب الجميع وعندها وجعل اسرائيل والنظام في مأزق رفض ومقاومه اردنيه سيتمدد لداخل فلسطين بالتأكيد، وقد يطيح بشكل النظامين المتعاونين في عمان ورم الله وستنتعش المقاومة . وكله على طريق الدخول بمرحلة التحرير. على أن نضع بحسابنا أن رفضنا للوطن البديل إذا لم يكن على خلفية اقترانه بالعمل المشترك الجاد لاسقاط فكرته فسيكون الامر لاسرائيل ولنا متماهيا مع رفضنا لقرار التقسيم.
أما الافتراض الثاني \ فيكون في حالة عدم وعينا هو اشتعال أو إشعال فتنة أهليه في الوقت الذي تكون فيه إعادة هيكلة الجيش قد أنجزت بتركيبته السكانية الجديدة وبفصائل مستقدمه وبعقيدة النظام، وسنواجه الفوضى وسفك الدم ونزوح المدنيين أو لجوئهم للخارج، وإدخال أمريكا للمقاتلين والارهابيين . ثم تدويل المسألة وقيادة الأردن علناً من قبل امريكا واسرائيل بغطاء شرق اردني وليس بالضرورة النظام الملكي الحالي . ويكون مصير الاردن نفس المصير الذي سيؤدي إليه الاحتمال الثاني من صفقة القرن .
الاحتمال الثاني للهدف السياسي من الصفقة
إذاً، ما جاء سابقا وفي الفقرة السابقة عن الوطن البديل سيكون مدخلاً لأمريكا واسرائيل لتحقيق السيناريو والهدف السياسي غير المعلن في الصفقة في الحالة الثانية أعلاه، وذلك في حالة فشل أمريكا في تحقيق تقبل الصفقة، وليس مستبعدا أن تقوم بنفسها بإفشالها بطرقها مع عمان ورام الله . حيث تقوم عندها امريكا واسرائيل بفرض سيناريو ادخال العرب (سن سن ) بسيرورة process يتم ابعاد العرب فيها عن القضية ومكوناتها وتسويتها، وتكون تطبيعية واقتصادية مغرية وفاشلة وملهية تتمدد فيها اسرائيل لابتلاع فلسطين ومضغ الأردن وابتلاعه ثم هضمهما معا . فلن يكون هناك وطن بديل بالمعنى الذي يتصوره الملك والاردنيون بل مستعمرة وتهجير . هل يستفيق الملك لانقاذ مُلكه إن لم يكن الأردن كدوله، إنه يعلم أن وادي عربة زبلتها اسرائيل منذ عشرين عاما ولن يفيده التمسك بها من طرف واحد . وإلا فالمواجهة والدفاع عن الوطن والنفس مقدس وفرض عين على كل أردني وفلسطيني .