هل يتغير الملك ليبقى ويبقى الأردن.. تكليف جديد بلا ولاية عامة محطة على نفس المسار

إن مشكلة الأردن الحقيقية هي سياسية . والمشكلات الاقتصادية والمالية مفتعلة وأداة حرب وتعمية وتركيع . وستبقى الضغوطات الاقتصادية قائمة في خدمة الاهداف السياسية التصفوية الى أن تتحقق أو تفشل . ومن هنا على الاردنيين أن يفهموا ذلك ويربطوا معاناتهم بالهدف السياسي للعدو . فلن تكون هناك حلول لمشاكل اقتصادية مفتعله ومقصودة ما لم يحسموا الموقف السياسي . وعليهم كما على كل شعب عربي يعاني الضيق والقهر والضغط أن يقاوم في الاتجاه السياسي الصحيح، ويرفض الاستسلام . وأن يفهم أن مهمة الحكام العرب المعنيين الرئيسية هي تغييب ارادة الشعب السياسية وسلطته . شعوب تعيش ملهاة عذاب . ففي كل دولة عربية أزمة حكم وأزمة دستور ستبقى قائمة وتتكرس حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا .
لدينا في الأردن أزمة حكم وحاكميه، تستجيب للوضع السياسي والاقتصادي والاداري المفتعل، وتقف سدا منيعا في مواجهة التحديات المصيرية . دستورنا بدأ زينة الدساتير في غفلة من الزمان، وتحول الى زينة ثم انتهى قصه . والمحصله أن نظام الحكم الذي ما زال ينص عليه الدستور كنظام برلماني ملكي غير موجود وبعيد المنال، ومبدأ الشعب مصدر السلطة نكته، وسلطات الدولة بلا سلطه . وأترك لرجال القانون مسألة مشروعية ما يجري ويُتخذ من قرارات . وأتحدث في الأمر القائم والمسئول عن فشل الدولة ورهن قراراتها وتهديد مستقبلها ومستقبل شعبها لحساب سياسي كارثي .
الملك يعرف كل ذلك . ولا يفكر للأن في بناء دولة الشعب الوطنيه الراسخه، اصرارا منه على النهج السياسي الاستعماري حتى بعد أن أوصله وأوصلنا كدولة وكشعب الى حافة الهاوية، ورغم افصاح امريكا ومحورها الصهيوني والمتصهين عن نفسه علنا ومطالبته له ولنا بالركوع . بل نحا صاحب القرار لاستخدام وسائل التعمية على الواقع وتبرير نتائج نهجه الكارثيىة على الوطن والمواطن بإلقاء اللوم على الأخرين في الداخل وعلى الظرف الدولي . وارتأى أن يدافع عن نهجه الشمولي الاستبدادي في عصر شيوع الديمقراطية والدول الوطنية وخطاب الحريات وحقوق الانسان، ويتعامل مع الأحداث بطريقة لا تليق بشعب مثقف ولا ترتقي لمستوى التحديات الجسام .
وبهذا خرج الملك علينا بخطابين . للخاصة واحد، وللعامة الآخر . وكلاهما ينطوي على كسب الوقت لترسيخ الواقع السياسي الشاذ والقائم . أما خطابه للخاصة فتضمن رؤية حضارية ترسم للأردن وشعبه سكتشا وطنيا راقيا من خلال أوراق نقاشية لم يتابعها ولم يتابع تنفيذها لا هو ولا الحكومة أو النواب، وكأنها صدرت باسمه دون أن يكون له علاقة له بكتابتها . إنها مادة سياسية -إعلامية تسوق للنخب غير الوطنية في الداخل، ولأخرين يركبونها ليبنوا عليها قصورا في الهواء الملوث . والسؤال الذي يفرغها من المصداقية هو، كيف يَسمح الملك لأن تكون ممارسات الدولة أو الحكومات تصب في صنع نتائج مغايرة للتأسيس لطموحاته بتلك الأوراق ؟.
أما الخطاب الأخر والأهم فهو الموجه لعامة الشعب حيث أن النخب الوطنية الواعية هنا ليست في حسابه . ويتمثل هذا الخطاب في التصريحات والأفكار خلال لقاءاته المرتبة مع شرائح طلابية في الجامعة أو مع شخصيات حكومية تحمل كلها صفة الموظف المستمع . أو مع مجالس حكومية تسميتها ومسماها من سخريات قدر هذا الشعب . إنها لقاءات وجلسات يتكلم فيها الملك وحده ويسميها الاعلام نقاشا وحوارا وينشرها كثوابت ومسلمات لعامة الشعب .
يُرجِع الملك الفشل في تحقيق النظام البرلماني الحقيقي وتشكيل حكومات شعبية تمتلك الولاية الدستورية ويستلم بموجبها الشعب السلطه، الى فشل الأحزاب . ولم يتطرق مرة واحدة الى أسباب فشلها، ولم يحاورها . وينسى دور الدولة الأساسي في فشلها وينسى أنه ينأى بنفسه عن التدخل لدى صياغة حكوماته ونوابها لقانون الاحزاب الذي لا يوفر بيئة قانونية ولا سياسية لعملها، ويتجاهل سلوك تعامل مؤسسات واجهزة الدولة مع الأحزاب حين تتقدم للترخيص وحين تبدأ عملها، ويتجاهل نظرة وتعامل تلك المؤسسات والأجهزة مع الحزبيين . ويظهر دائما بمظهر الراغب والمتمني لنجاحها .
المهم هنا هو ما كشفه الملك أمام مجموعة من طلاب الجامعة عن نيته بالطلب من البرلمان القادم أن يشكل الأحزاب من كتله . بمعنى أنه يخطط لتغيير لعبة الأحزاب، وعزمه على تكليف إحدى هذه الكتل البرلمانية الحزبية لتشكيل الحكومه . وإذا علمنا أن النهج السياسي القائم يتطلب دائما ضمان وجود اغلبية نيابية عن طريق قانون الانتخاب وتدخل أجهزة الدولة، فإنا نعلم عندها بأن الحزب البرلماني الذي سيشكل الحكومة سيكون خاضعا لتوجيهات ورغبات النظام . فمن خلال هذه الفكرة ستتحقق الضربة الاستباقية والحل الآمن المقنن في الانقلاب نهائيا على النظام البرلماني الحقيقي والحكومات الشعبية وسلطة الشعب ظنا منه (وأعني الملك) أنه مخلد في سدة الحكم او أنه لن يكون مستهدفا في كل الحالات . لكنه ينسى الحكمة الانجليزية التي تقول، “حتى نبقى يجب أن نتغير “.
الملك لا يتحدث ولا يتعامل مع اصحاب الرأي الوطني الأخر ولا يجلس مجالسهم ولا يتقبل جلوسهم في مجالسه ولا يُدْعَون في المناسبات الوطنية ولا مرغوب بهم في الدولة ويلاحق صوتهم في الاردن وخارجه . فهم معزولون عن دولتهم . وهذا معيب دستوريا ووطنيا وأدبيا وليس من حق أحد مهما علا منصبه، ولا نفهمه إلا في سياق الاصرار على النهج الاستعماري والخوف عليه من الاخر . والملك أيضا لا يتعامل مع أعوانه كمسئولين بل كمأمورين، ولا هم يحترمون أنفسهم ومواقعهم . ومن فعلها يوما فليس تحديا للملك بل نصرة للملك وفداء للدستور واحتراما لنفسه . فهذا الوطن غير قابل للإحتكار والعبث، ولا يَعمر الا بكل شعبه . ولا تستقيم الأمور إلا بالشعب مصدر للسلطة وتلازم السلطة مع المسئولية، وليس مقبول أن يحمل المواطن رقما وطنيا وضريبيا ولا يحمل أمانا ولا مستقبلا
يا صاحب القرار وبكل احترام، مع من تتكلم حين تقول بأنك تسعى لمشروع وطني نهضوي وعلى أية قاعدة تراها موجودة في بلدنا . وعلى أية قاعد تُبدل الحكومات والأشخاص ونهجك قائم والولاية العامة في جيبك . وعن أي مجلس سياسات تتكلم، وأية وزارة تنمية سياسية تستحدثها، وعن أية مسئوليات للأخرين تتحدث . وأية عبارت تعاطف مع الناس ووعودا تصرفها . فحُقن التخدير مع كثرتها لم يعد لها مفعول عند الشعب . دعنا من كل سلوك تكتيكي ومن دفع الشعب لخيار الصفر . إعلن للشعب أن الحكومة التي تختارها وتعينها ستعطيها ولايتها العامة .
وحتى لا يصبح المكلف بتشكيل الحكومة في موقع التواطؤ أو الإستخدام، عليه أن لا يقامر ولا يتاجر بكفاءته وبخبرته ووطنيته، ويسأل الملك هل سيعطيه الولاية العامة الدستورية وحرية العمل والقرار واحترام خياراته ؟. وأن يدرك أن من سبقه قد حرك الجمر المتراكم من تحت الرماد بتوجيه، ليصب غيره الماء عليه، وقد كان سحب قانون الضريبة أمنية للملقي لم يُسمح له بتحقيقها. فلكل مرحلة في نهجنا السياسي مادتها وأمدها وأشخاصها الجاهزين. نحن بحاجة الى أصحاب ضمائر ومواقف وطنية صلبة، ولقرار وطني حر.
يا صاحب القرار عليك أن تضع في حسابك أن ليس هناك حاكم عربي أو دولي يحظى بتمسك شعبه به كما أنت بصرف النظر عن الاسباب هذا رصيدك الأقوى . تصالح مع نفسك وتمسك بالشعب وغير نهجك السياسي لننجو جميعا فالحلقة تضيق، والنتائج بانت واضحة عليك وعلينا .لا تجعلنا ضحية لأهداف غير ساميه .. المسأله لا تقف عند قانون الضريبه بل بالنهج الذي هي في إطاره . نحن على موعد الشهر القدم مع موقف منك، والاحداث الجارية وردة الفعل الشعبي يجب أن تكون الجواب لأمريكا.
كاتب وباحث عربي

Leave a Reply