كثر المتطفلون على وظيفة المنقذ للشعب والوطن، وتجرأ معهم الساطون على السياسة والاقتصاد والثقافة والعلم والاعلام بقرار شخصي، ومؤهل الواحد منهم هو مجرد منصب كان يشغله أو شهادة ميلاد، والقرارات يأخذها في جلسة على منسف أوفي بيت عزاء، متضررا كان او طامحا أو هاويا، فتهزأت المصطلحات الكبيره وانتشر الجهل وساد الجهلاء والمعتلون موجات العمل الوطني، وهم في هذا ليسوا من الشعب وليس الشعب في حساباتهم، إنه الفراغ السياسي في الساحه وابتعاد اصحاب الفكر والعقلانية والسياسة والتجربه عن الانخراط بعمل شعبي سلمي جاد على مساحة الوطن وأهله وعلى قاعدة صلبه، فالشعب لم يعد بحاجة الى رموز كلام بل لرموز عمل.
ما كان لهامش الحرية أن يتوسع لو كان مستغلوها على هدى ومعرفة، اوكانت المعركة التي يخوضونها معركة الشعب وليست معركتهم، فبئست الصالونات والتجمعات والساحة عندما تترك لتمسخ فيها المعاني الكبيره، لقد مسخت فيها أفكار ومعاني الحزب و الحكومة الوطنية والمؤتمر الوطني وفكرة المصلحة العامة والرسالة والبيان، فالرويبضات على الساحتين الرسمية والشعبية باتت هي التي تتصارع على مصالحها وتشكل حاجزا منيعا بين الملك والشعب وهما وحدهما اصحاب القرار والقدرة على التغيير ولا تهمنا الأسماء الكبيرة بل تهمنا الأفعال الكبيره.
الملك والشعب وحدهما طرفا المعادلة والمؤثران بها، الملك يختار بنفسه ممثليه في كل السلطات، ويبقى الشارع وحده رصيدا مجمدا للشعب تعوزه القيادة، فلا أحزاب ولا نخبة ولا معارضه خرجت منه، بل شخصيات تهبط عليه بين فترة وأخرى تماما كما تهبط عليه أزلام النظام، ولن تتعادل المعادلة مالم تخرج من الشعب قيادة وطنية مضحية لتقوده لا لتقوِّ.. عليه فمعرفة الحقائق عن واقعنا في حظيرة وطننا لا تنقصنا ولا ينقصنا تمييز كلمات التدليس من كلمات السواء، كلنا بلا استثناء تحولنا الى أصفار تستخدم مع رقم واحد على يمينه مرة وعلى شماله مرات، ونبقى هكذا مهما علا ثغاؤنا ما دمنا نتصارع على ما يقدمه الراعي وما يجود به من القاب وعباءات غير عباءاتنا، تخلع بالدور علينا نحن المؤهلين لمقاسها، اصفار مهما هزجنا وتنافخنا بمجد قبرناه بقرشين. فهل نخرج من الحظيرة وحياتها كي لا يرثها أبناؤنا؟.
ما هكذا التعامل مع قضايا الوطن والشعب يا اردنيين . فالساحة السياسية معمورة بغير أهلها وساحة السلطة بالرويبضات معمورة، الملك يملك من الخبرة وأدوات الوقوف على الرأي العام ما يكفي، ولديه ما يغنيه عن الاعتماد على شخصيات استأجرها وبرمجها . فهو لا يأخذ النصيحة أو المعلومة منها وهو يعرفها ويعرف امكانياتها وحدودها، لنترك الحكومات مدحها وذمها ومناجاتها، انها شماعات لكم و ملهاة، وكلكم تعلمون أنها تولد او تعين بصلاحيات ادارية وتنفيذية وتعلمون أنها لا تملك ارادة التغيير ولا تأخذ من رأسها تلك القرارات التي تثورون عليها، وإن كان هناك من يعتقد انها من رأسها فلا يوجد من لا يعلم أن الملك يستطيع الغاءها بإيماءة.
ان التفسير لسلوك كل متعاط في الشأن العام مع الحكومات ورؤسائها أومناكف لها لا يخرج عن ثلاثه، مراء يبحث عن مجد شخصي على عذابات الناس وقضاياها، أومتحرش سياسي مبتز يبغي مكسبا اومنصبا، أو مأجور من قبل طامحين أخرين لمسعى استبدال الحكومة بأخرى، والسلوك في التفسيرات الثلاثة مجتمعة مطلوب لتعزيز اللعبة السائره لمبتغاها بعيدا عن مواجهة الواقع، ومطلوب لحرف مسار الاصلاح او غلق باب التغيير . الشعب هو صاحب المصلحه وهو المتضرر، ووحده الذي يملك قوة التأثير والتغيير، لكنه يعيش فترة يأس أصبح فيها ضحية النهج الرسمي وفساده من ناحية، وركوبة للمنقذين من الشخصيات والأحزاب والتجمعات من ناحية أخرى ومهنة كل واحد فيهم بالمحصلة سحيج، وكلا الطرفين يتكلم باسم الشعب بلا توكيل ولا وكالة ليصبح الاستغلال هو الهدف.
إن الشعب يتعايش مع حالة متراجعة قومها التشليح منذ ثمانية عشر عاما ليس منها يوم واحد افضل من اليوم الذي سبقه،دون هدنة ولا فترة سماح، وخزينة الدولة هكذا، وهكذا اقتصادها وأمنها وتعليمها وصحتها وقضيتها، ولا نريد ان يسجل التاريخ بان ملكا هاشميا تم الاجهاز في عهده على شعب كان بيده أمانة ومحبا له ومتمسكا به، حتى لو كان هذا التمسك من واقع أن البديل أمامه هو الانتقال من الدلف لتحت المزراب، ولا نريد للشعب أن يصل للمرحلة التي يستبعدها الملك، فكل شيء في تراجع والى الوراء، ولا يزداد ويتحسن سوى الفساد والمديونية والجريمة والوعود وصرف التصريحات الخادعة بلا أساس.
الأردنيون كشعب باتوا من افقر شعوب الدول العربية ويخضعون لأعرض قائمه ضريبيه عرفتها الدول، ويقال لهم بعد أن سقطت كل الحجج والاقنعه “إن العالم تخلى عنا ولا بد ان نعتمد على انفسنا”، والمقصود بالعالم هنا هو امريكا والغرب ودول النفط، أما الاعتماد على النفس هنا فهو على توسيع قاعدة الضرائب فقط، ومع غرابة التصريح كزلة اللسان، فإن هذا ليس خطأنا ولا مفاجئا لنا، فنحن تاريخيا نقول لكم حكامنا أن المعسكر الغربي الصهيوني ليس حليفنا الطبيعي بل عدونا الطبيعي، ونبهنا بالأمس القريب الى أن طريق استقبال اللاجئين مفصَّلة شروطه في القانون الدولي وبميثاق الأمم ولم نتبعها، وقلنا أن توسيع تدخلنا بالحرب على الارهاب توريط، والفساد نخرنا فرشدوه فقط، واليوم نقول لكم “إن ما تحتاجه البيوت يحرم على المساجد”.
حرب تشن وتتصاعد على الشعب بلا توقف وكأن ساعة الدولة قد اقتربت، قوامها الفساد والسياسات الاقتصادية والضريبية والمعيشية والادارية واغراق البلاد بالمهاجرين والمديونية ونهب الأصول واملاءات الصندوق السياسي الصهيوني، ولا عندي ما يثبت عكس القول بأن ديونه المشروطة بالمليارات هي مكافأت تدخل جيوب أصحاب العلاقة بهذه الحرب لتكون من ضمن الهجمة الشامله، والهدف هو استسلام الشعب سياسيا وتخليه عن ارادته وعن التمسك بوطنه وبقضاياه، لكني أرى بأن المطلوب قد حصل الى حد بعيد وأن الشعب عاد لا يأبه الا بحاجاته البيولوجية ويتابع قضاياه السياسية والوطنية من تركيا وايران، فماذا عن الطرف االأخر؟.
لقد أسقطوا الحدود الجغرافية في دولنا العربية وجعلوا من فلسطين مسألة صفقه، فهل المطلوب اسقاط القيم وحدود السرقة وقطع الطريق وقتل النفس وشيوع الفوضى وإلغاء الدولة في الاردن على مذبح المخطط الصهيوني؟ وهل هذه حصتنا، إن العاجز وحده يتذكر قول ابراهيم “حسبنا الله ونعم الوكيل”.
كاتب اردني