في الظروف السياسية الدولية والاقليمية والعربية المتأزمة وغير المستقرة، وفي تشكيلها لبيئة مواتية لافتراس فلسطين والأردن وسحق ما تبقى من دولنا العربية، فإن الأردن كدولة وشعب بكل مكوناته يقبع ضمن معطيات داخلية تؤدي من ناحية الى انهيار الدولة وشيوع الفوضى الاجتماعية والسياسية وتفكيك كامل لجبهتها الداخلية ولمخاطر جدية على السلم الأهلي، ومن ناحية أخرى الى استسلام قيادتها الهاشمية أو بعبارة أدق استسلام الملك، وكله في مسار إتمام المشروع الصهيوني في فلسطين والأردن.
فالدولة الأن مفلسة سياسيا واقتصاديا وماليا ومرهونة بديون لا سداد لها متاح الا بثمن سياسي، ومقدراتها الاقتصادية وبنيتها الاساسية والتحتية لم تعد ملكا للشعب، ودينارها لا مبرر علمي لسعره سوى الارادة السياسية الأمريكية. وهي ورقة ابتزاز للإستخدام رهن اللحظة المطلوبة. فنحن دولة وضعت على حافة الانهيار مع وقف التنفيذ لاشعار بشرارة تعتقدها أمريكا بيدها.
وفي الواقع أن ما يجري في الأردن في ظل عزل النظام عن الشعب وانعدام التواصل بينهما وتجريد الشعب من حقه في تقرير مصيره، وزبل الراي العام الأردني تماما، والحالة المعيشية له وتحول الفساد الى نهج حكم، كله وغيره يجعل من الشعب الأردني مؤهلا لاطلاق تلك الشرارة بخلاف ارادة أمريكا في هذه المرحلة، إلا أن هذا الشعب رافض لذلك ويرى هذا الأمر مرعبا وتهون معه حالته وكل شيء، ولديه إصرار على أن يبقى متمسكا بالدولة وبالملكية وبالاستقرار. فهناك خوف الأغلبية الشعبية الصامتة والنخب الوطنية من تداعيات هذا الانهيار الذي إن حصل سيجرف معه كل شيئ مرئي او محسوس بالدم ويؤدي الغرض الصهيوني. ومن هنا فإن مسألة وقف الإنهيار الذي تراه امريكا خيارا مرحليا لها، هو استراتيجي للأردنيين. فهناك بهذا الشأن تقاطع مصلحه بين الاردنيين وأمريكا في هذه المرحلة.
إلا أن هناك رأيا سياسيا متبلور على صعيد الخبراء والمفكرين السياسيين بأن الفوضى والاقتتال والتدمير وعدم الاستقرار الجاري في المنطقة العربية هو بحد ذاته هدف تسعى أمريكا واسرائيل لإدامته ولا تريدان أن يتوقف ويتمخض عنه حلول واستقرار. لكن هذا لا ينطبق على الاردن، بل أن الاردن هو المعني من إدامة الصراعات وعدم الاستقرار في المنطقة لغايات تهيئة البيئة للوضع النهائي في الاردن كما هو مرسوم له في خدمة المشروع الصهيوني. وما الصفقة إلا رؤية اسرائيلية لم تتغير يوما، وتوافق معها اليوم الحكام العرب المعنيون بخدمتها جميعهم. لكن العقدة هي في رفض الشعب الفلسطيني برمته، وفي الرغبة الصهيونية في تعميق غياب التأثير لمكوني الاردن السكانيين وتعميق الحالة السلبية بينهما وبين الملك. ولا يجب أن ننسى تصريح هيلاري كلنتون في بدايات الازمة السورية حين قالت لا نستطيع تقرير مصير سوريا قبل أن يتقرر مصير الأردن.
المفهوم السياسي الأمين والخالي من الاستخدام والغايات هو أن الأردن ارضا وكيانا سياسيا مستهدفا بلا بديل للوطن البديل. ليس جائزة للفلسطينيين ولا كرها بالأردنيين لكنه المشروع الصهيوني نفسه الذي يعتبر الأردن جزءا من فلسطين. وما سحب شرق الاردن من وعد بلفور الا ليعود اليه بشكل أخر. فليس من فلسطيني يقبل بديلا عن فلسطين وطنه الأصلي لآلاف السنين، ولا الاردنيون يقبلون أن يكونوا جسرا لتصفية القضية الفلسطينية وعلى حسابهم. لكن ثقافة سايكس ييكو تمكنت من شعبنا العربي التي لم يعشها الفلسطينيون وبقوا يهتفون فلسطين عربيه.
فالإستهداف بالوطن البديل يصيب بالأساس الفلسطينيين ومَن جذورهم فلسطينية. فهم في الحسابات معنيون بمقاومته أكثر من الاردنيين. والأردني الذي لا يريد فعلا للأردن ان يكون وطنا بديلا، عليه أن يضع يده بيد شقيقه من المكون الفلسطيني بدون رتوش.فهو سنده الوحيد وصاحب المصلحة الأولى في إفشال فكرة الوطن البديل. انه استهداف واحد ومقاومته لا تكون ولا تُنتج إلا بوحدة المكونين بمكون واحد في هذه المرحلة التي تسقط فيها التعريفات داخل الأردن وتسقط الأصول والمنابت فيها بألف طز وطز، ويُستنكر فيها التمييز على أنه خيانة عظمى. وكل من يخرج عن هذه القاعدة يخدم المشروع الصهيوني في القطرين.
إن المشروع الصهيوني يجري التمهيد له على الساحة الأردنية في مسارين مكشوفين. المسار الأول يهدف من ناحية الى القضاء على الأردن كدوله قابله للبقاء أو الاستمرار وهذا شبه منتهي. ومن ناحية ثانيه إلى انهاء التحالف المرحلي الاستخدامي بين النظام الهاشمي والعشائر الاردنية وهذه المرحلة انتهت على يد النظام ممثلا بالملك وفقد الاردنيون امتيازاتهم الاستخدامية وسقط معها كل الريش الاصطناعي عن الرؤوس، وبما يعطي رسالة واضحة بأن الأردن ليس للأردنيين وحدهم وهذا قائم. ومن ناحية ثالثه الى القضاء على الاردن ككيان سياسي بشكله الحالي.
وهذا المسار يضع الملك على عتبة الاستهداف وهو بالتأكيد يفهم ذلك ولم يتخذ خطوة واحدة نحو شعبه ولا ندري هل هو قصور في الرؤية أم أنه يجد نفسه أسيرا موجها بأسره. إن خذلانه للشعب ليس مبررا لا لصالحه ولا لصالح الشعب والأردن والقضية. إنه يغادر في اجازة خاصة ربما تكون طويلة في ظرف لا يحتمل غياب قائد لو كانت الأمور سليمة. لا بأس ولكن من هو أو هم الذين تركهم وراءه لاتخاذ القرار السياسي أو القرارات الداخلية من ذات المساس بالسياسة الخارجية والقضية الفلسطينية ومصير الاردن في هذه المرحلة ؟ سؤال كبير، والتفصيلات تذهب شرقا وغربا.
نبقى بنفس المسار ويتساءل المراقب، أمن المعقول أن لا يكون الملك مدركا لطبيعة وهدف الدس الاسرائيلي الاعلامي المبرمج بينه وبين الشعب بالأقول والأفعال التي تُفقد الملك مصداقيته وهيبته وتُفسد علاقته بالشعب وتُحرض الشعب عليه وتحرضه على الشعب ؟، رغم أن الملك لم يتخذ خطوة واحدة عمليا ضد الاطماع الصهيونية، ورغم أن الشعب الذي لم تسعفه امريكا في محنته الاقتصادية والمعيشية مغلوب على أمره ولم ينتفض كما هو مفترض ويخرج للشارع بكثافة ضد المشروع التصفوي الذي وصله. ولا شك أن الضغوطات على الشعب والدولة التي أصبحت مجرد كمبيالة مستحقة الدفع، يستهدف الملك وعلاقته بالشعب لا مجرد إخضاع للشعب. وإنها إن نجحت ستُخضع الملك.. وكله لتقبل الشعب غيابه عن الحكم والترحيب بالوطن البديل بالصيغة التي يريدونها.
أما المسار الثاني فهو عزل المكون الفلسطيني عن الاردني وعدم تلاقيهما وبناء أسس للفتنة بينهما من أوسع الأبواب بوسيلة الهمس بأذن الاردنيين أن الفلسطينيين يتربصون بكم وباحتلال بلدكم وحكمكم، وبأذن الفلسطينيين أن لا حق لكم بالتدخل بشأن الاردنيين ولا بما يجري في الضفة والقطاع. بل يلاحقونهم في مخيماتهم ويمنعونهم من أية فعالية تضامنية. ومع أن سياسة الفتنة بين المكونين ليست جديدة إلا أن تنشيطها في هذا الظرف واستخدام العنف لذلك لا يمكن أن يُفسر إلا في إطار تهيئة المناخ الداخلي لسيناريو مخطط قد يحتاجونه يقوم على صنع الفوضى والعنف الداخلي بل ولحرب أهلية تفسح المجال لتدخل خارجي مباشر تكون فيه الفرصة والظروف مهيأة لفرض ما يريدون فرضه.
ولذلك نعود وننبه كل صاحب ضمير يتنفس في هذا البلد أن لا يكون إلا منتبها وطرفا معاديا لهذا المخطط الفتنوي الكافر بالعقيدة والوطن والعروبة والأخوة والانسانية، والذي لا يرمي الى أقل من تمرير المشروع الصهيوني الذي ستمر على جسره مؤامرة الوطن البديل وإسقاط القضية وخسارة الجميع، ولا حياد في ذلك إنها مسئولية رفض ومقاومة بمثابة فرض عين على كل مواطن في هذا البلد يؤمن بالله وينشد الوطن والكرامة الوطنية ولا يخون أمانة الضمير والمسئولية. لا خيار ثالث فإما أن ننصر الله وننتصر جميعنا وإما أن ننصر الشيطان ونخسر جميعا