إن تعثر عملية جمع وتآلف الشعب الموجود داخل الدولة الواحدة، والفشل في تشكيل أمة واحدة منه في داخلها، هي في الدول ذات الشعوب المتجانسة، “إشكالية حكم”.بمعنى أن الحكم الحر الرشيد الذي يستطيع تحقيق التنميه المستدامة والعدالة الاجتماعية وحسن توزيع الثروة ، يفترض أن يكون كافيا لتحقيق تلك الغاية بصرف النظر عن طبيعة النظام السياسي ، وأشبه تلك الدولة، بالعائله الواحده وربها المطاع طوعا . وهي دول لم تعد موجودة اليوم . أما في الدول المتعددة الاعراق والأديان والمذاهب ، فإن الاشكالية تتعمق وتتوسع لتصبح اشكالية –سياسية – ثقافية – اجتماعية . فالتنوع هنا يفرض على الدولة متطلبات نوعية ، تطال النهج السياسي وطبيعة النظام السياسي . وإن تجاهل هذا التنوع في الدولة ومتطلباته يشكل عامل هدم وتفكيك في لحمة الدولة. وبالمقابل يشكل تأمين متطلباته عامل قوه وإبداع في الدولة .
وحيث أن شعوب بعض الدول العربية المتجاتسة الطبيعة في الأصل ، قد وصلتها التعددية تدريجيا كما وصلت معظم أو كل دول العالم ، وأن بعضها الأخر هي في الأصل تعددية الاعراق والمذاهب والأصول . فإن أسئلة تثار حول جدوى المشاريع القومية والدينية والعلمانية الأممية فيها ، وذلك من واقع تجارب الدول الأجنبية ، وكذلك تجارب الأحزاب والأنطمة العربية التي تطمح الى بناء الدولة الوطنية القادره على تحقيق تلك الغاية ، وإلى تأمين القدرة على مواجة التحديات الخارجية والداخلية وتحقيق مشاريعها القومية العريضة .
لقد حاولت فئات عريضة من الشعب العربي في اقطاره الحديثة أن تعتمد القومية العربية كوسيلة لتشكيل امة واحدة متماسكة متحررة وقادرة على مواجهة التحديات ، وفشل أصحاب المشروع رغم مشروعيته ، لأن الوسيلة غير صالحة بمعنى it does not work;. كما حاول رافعوا شعار الاسلام هو الحل ، وفشلوا لأن الوسيلة أيضا غير صالحة ،،وبالتوازي حاول الأمميون العلمانيون وفشلوا لذات السبب ، القائم على محاذير واقعية ، تحالفت فيها مخرجات الاقصائية مع المستثمرين السياسيين في الخارج من أعداء الأمة ، وحصدنا نتائج عكسية. فالشعوب العربية في أقطارها ، تواجه تحديين معيقين لأي مشروع نهضوي ، هما خارجي متأهب وداخلي قائم ، شكل تقاطع مصالح ابطالهما عقبة كأداء .
لقد خاضت أوروبا نفس التجربة التي نعيشها ونفس التخلف وكثيرا من المعاناة . الى أن حسمت امرها قبل فوات الأوان ، وخرجت من دوامة القومية والدين وكل الايدولوجيات وبنت دولها الوطنية الحديثة ، دول المواطنه الراسخة الاستقرار، التي تشكل شعوبها أمة واحدة داخل كل دولة منها ، تاركة وراءها الهويات الفرعية للحريات الشخصية المنضبطة دستوريا ، بعيدا عن سياسة الدولة ، ومعتمدة بدلها التعددية السياسية ، من خلال النهج الديمقراطي ، والقاعدة البرامجية في مفهومي اليمين واليسار . وطورت نهج حياة لمواطنيها، من أجله تخوض حروبا . ونعلم جميعنا مدى القفزات الحضارية التي تنجزها هذه الدول ومدى االقبول الشعبي والاستقرار الذي تنعم به .
ورغم أن الشعب العربي في أقطاره يعيش حالة تراجع دراماتيكي ويواجه تحديا خارجيا مباشرا في هذه المرحلة لا يوازيه في الصعوبة أي تحد يواجه أي شعب في العالم ، إلا أن سلوكنا ما زال يتجاهل الواقع ويغفل التاريخ وعملية التطور الفكري والسياسيي والانساني ، ويتمسك بالتجارب الفاشلة والمقبورة دون الناجحه منها . أما الصهيونية المتنفذة عالميا ، والتي تدرك بأن الايدولوجيات القومية والدينية والأممية لا تبني دولا حديثة ولا توحد شعوبا ، فكانت دوما يروق لها شيوعها في الوطن العربي ، وتسعى لضبط إيقاعها على رقصة الموت . لكن هذه الأدوات الأيدولوجية بالنسبة لها ولنا قد استنفذت . وتلاشى روادها ومقومات بعثها ، وعادت القومبة أطلالا والدين بموقع الدفاع النفس ، والأممية العلمانية بلا شهادة منشأ .
صحيح بأن الديمقراطية ليست جزءا من ثقافتنا التاريخية ، ولكنها أصبحت اليوم ثقافة عالمية وحاجة سياسية انسانية وحيوية . فإما أن نكون خاضعين لقانون النشوء والارتقاء( السياسي) أو نواجه الفناء . وإذا كان قادة العرب مصرين على الوقوف بوجه عملية التحول الديمقراطي ، فإن شعوبنا مطالبة بالتمسك بأعلى درجات الوعي في سلوكها الاجتماعي والسياسي وصولا لتحفيز الإرادات السياسية على التغيير