نعرف أن امتلاك إيران أو أي دولة من غير الدول العظمى للسلاح النووي ليس هدفه الاستخدام او الهجوم به بقدر ما هو للردع في اطار مفهوم الحماية والدفاع عن النفس، حين لا تتكافأ القوى أمام التخوف الحقيقي من تهديد المصالح العليا المنتهية بسيادة أو وجود الدولة نفسها أو نظامها العام أو مشروعها الوطني.
وإذا خرج الأمر عن ذلك فيكون الهدف من اقتناء هذا السلاح هو استخدامه كورقة للإبتزاز بمعناه وهدفه المطلقين.
وعلينا أن نتذكر بأن الردع الذي تقصده الدول غير الكبرى ليس من باب تخوفها من التعرض لهجوم نووي، بل تخوفها من استخدام التفوق بالأسلحه التقليدية المتطوره وربما الأخرى غير التقليدية كأسلحة التدمير الشامل ضدها من غير النووية، لإخضاعها بكل مستحقات وتأثيرات الاخضاع.
وفي كل الحالات فإن الدولة الناميه أو غير الكبرى التي تسعى للسلاح النووي تكون في الغالب صاحبة مشروع أو صاحبة قضية كبيرة بصرف النظر عن عنصر العدالة في الحالتين ، يفرضها عليها موقعها الجغرافي أو عدو لها يفوقها قوة من نواحي تفتقدها .
نتكلم هنا عن منطقتنا وفيها تركيا وايران واسرائيل والعرب ، ومدى حاجة هذه الدول للسلاح النووي أو غرضها منه . فقد استطاعت اسرائيل الحصول على هذا السلاح مبكرا. وهي لغاية هذا التاريخ لم تجد حاجة للإقرار بامتلاكها له ولا بالتالي التلويح به لأن من تطمع بهم ومن تخاف تهديدهم وهم العرب ،لا يمتلكون من السلاح التقليدي المتطور تكنولوجيا ما تمتلكه هي ، . فغرضها ابتدأ هو للردع حماية لنفسها ولمشروعها وجاء استباقا للأسوأ . فبناء أي قوة عربية سياسية او عسكرية أو الشروع في البناء تعتبره اسرائيل خطرا على وجودها .فإسرائل لا ترى غير العرب تناقضا أساسيا وعدوا قائما لها أو مستقبليا ، ما دامت تحتل فلسطين وتواجه رفضا شعبيا عربيا حقيقيا .
وإسرائيل لم تعتبر يوما أن ايران او تركيا او الباكستان أعداء استراتيجيين أو تناقضا أساسيا لها أو يستهدفوا وجودها او مصالحها ، وبالمقابل فإن هذه الدول لا ترى في اسرائيل عائقا لمشاريعها او تهديدا لمصالحها أو وجودها ، فهي دول وطنية لها مشروعها واولوياتها ، وليست قضية فلسطين الشائكه قضية لتلك الدول ولا من أولوياتها إطلاقا . وإن كان لها موقف سياسي من اسرائيل فإنه موقف تخضع حدته هبوطا وارتفاعا للمقايضة بأولويات تلك الدول التي لا يمكن أن تشن حربا لتحرير أراضي الغير.
إن التسلح النووي الايراني بالنسبة لاسرائيل لا يشكل خطا أحمر لها ولا قضية لها . وشأنه لها هو شأن النووي الباكستاني الذي لم يزعج اسرائيل مع أن الباكستان صديقة للعرب وليس كإيران . فالتسلح النووي في كلا البلدين المسلمين وجهته الردعية او الابتزازية ليست اسرائيل، وهو قضية أمريكية دولية تعمقها اسرائيل . وإن سلوكها التهديدي للتسلح النووي الايراني ليس في محصلته أكثر من سلوك تكتيكي تبتز به الولايات المتحدة والغرب لمكاسب سياسية وعسكرية وليس سلوكا على خلفية استراتيجية . وما التخطيط لتنازل المحافظين عن السلطة في ايران للاصلاحيين بشكلية ديمقراطية، إلا في سياق خلق ثقة لمفاوضات أمريكية ايرانية تخفض من النبرة الاسرائيلية. ونتذكر جميعا سلوك اسرائيل إزاء المفاعل النووي العراقي وكيف دمرته دون ضجيج سياسي او اعلامي سابق او لاحق للعملية. لأن العراق دولة عربية وموقف اسرائيل من تسلح اي دولة عربية نوويا موقف لا يخضع للتفاوض ولا للاعلام ولا للتسييس ، تعالجه بنفسها في مهده اذا لم يعالجه الاخرون نيابة عنها دون إبطاء. وهل نصدق إن فرنسا حين زودت أوساعدت العراق بالمفاعل كانت غايتها خلق توازن استراتيجي بين العراق واسرائيل ؟ لنتذكر في هذا أن التحقيقات المستقلة التي جرت إثر قصف المفاعل بينت أن فرنسا هي من زودت اسرائيل بالمعلومات اللازمه ، وإن عملية قصفه لم يصب فيها او يقتل أي خبير فرنسي.
وعليه لا يمكن أن نضع التسلح النووي الايراني في غير اطاره لحماية وخدمة مشروعها الايدولوجي الوسيلة ، وسياسي الهدف في منطقتنا والاقليم ، وليست اسرائيل وجهته . وهذا من صميم سلطانها الداخلي . وقال اوباما لن يستطيع أحد في النهاية من منع ايران من تطوير السلاح النووي . نعم هو بنفس الوقت عامل ردع وتوازن استراتيجي لحماية مشروعها في المنطقه ولكنه بالنسبة للعرب في حالتهم الراهنه فليس لردعهم بالتأكيد بل لابتزازهم وإخضاعهم ، وسياستها في المنطقه تؤكد ذلك .
من هنا لا بد من نظرة عربية أعمق وأكثر مصداقية ومسئولية إزاء التسلح النووي الايراني وغيره في المنطقه ، وإزاء التفهم والسكوت التركي على المشروع الايراني . فبصرف النظر عن عضويتها الاطلسية فلا نتفاجأ بالإعلان عن التحاقها سريعا بالركب النووي بعد ايران لتنضم لها ولإسرائيل . فتصبح لدينا قوى اقليمية ثلاث رادعة لبعضها برابط التوازن الاستراتيجي على أرض اقليم عربي واسع ، ولتصبح مشاريعهم النووية نحن هدفها وضحيتها كمشاريع ابتزاز بالمحصله . بانتظار صحوة شعبية عربية قد تأخذنا قرنا من الزمان أو أكثر . ولا وسيلة لرؤيتها النور إلا بتغيير ما بداخل عقولنا عن وعي أولا ، وبتغيير نظرتنا لأنفسنا ثانيا، ونزع الخوف من صدورنا ثالثا.
وما لم تأت تلك اللحظه سنبقى في زمن ما قبلها نهبا لهم نصرف على تشغيل مصانع أسلحتهم على حساب اقتتالنا ، غساسنة ومناذره، وستتكرس عشائرنا بديلا عن جيوشنا تسليحا وانتماءات. وأبناؤنا عمالا في آلتهم الاقتصادية ، وما لنا هو أن نبقى بناة لأطول برج يطاول أكبر صاروخ أجنبي، وطهاة لأطول مائدة إفطار تطاول مدى صواريخهم، وستنتهي معزوفة فلسطين والمقدسات التي تخاطب فيها تركيا وايران شعوبنا كمبرر للتدخل في الشأن العربي وابتزازا للغرب وإسرائيل. إنها اللغة التي تسوقها الدولتان على شعوبنا تماما كحكامنا وجميعهم يعلمون كما تعلم اسرائيل بأنه دجل سياسي
إن مسئولينا عارفون لمسئولياتهم وللوضع الجيو سياسي وللحاجة لبناء مشروع نووي . لكن البنية السياسية لمشروع عربي في الدول العربية مفقودة ، والدول المتقدمة لا تراهن عليها وتخاف على مصالحها ولا تسلمها حتى أسلحة تقليدية متطورة لعدم وجود الثقة بدول غير مؤهله لاستقلالية القرار ولا للحفاظ على السلاح وسريته وعدم وقوعه بأيدي غير مرغوبه. والانظمة بأشخاصها تلجأ في النهاية لأولوياتها في الحفاظ على السلطة في غياب الديمقراطية. ونتذكر من الأمثلة ما يكفي على استيلاء اسرائيل على أسلحة ومعدات روسية من داخل أراض عربية ونقلها لاسرائيل بلا قتال . فنحن فاقدون لاستقلالنا منذ نهايات الخلافه العباسية وإلى اليوم . وكل مآسي العرب بما فيه احتلال فلسطين حدثت ونحن تحت الاستعمار المباشر أوغير المباشر. والمعادلة تقول: تغيير لدى الشعوب يؤدي لتغيير في الانظمه وينتج دولا حرة فعصريه فمصانة مكوناتها. هكذا صاروا فمتى نسلك هذا الهكذا لنصير.