هل يتنحى الجيل المهزوم ؟!

من يقرأ الورقة الملكية السادسة، من الأحزاب والنخب ويستمر في صرف عبارات الخطاب الاصلاحي ومقومات الدولة الحديثة على شيك بلا رصيد ، يدرك بأن عليه أن يتوقف عن صرفها. فلغة الكلام واجتراره قد تعطلت . دعوها إنها أصبحت سنة منكره ونفاق جوابه النفاق ، بتنا فيه لا نميز السائل من المسئول . وطريق الحرية لا يفتحها الكلام السوي بلا إيمان أو ممارسه . وكذا الطريق الى الجنة . ومن يقايض على أساسيات البناء لا ينتظر إلا الربح الرخيص يعقبه السقوط . لا ينقص أوراق أحزابنا نصوصا في الديمقراطية والتشاركية ، ولا التعريف بوسائل الاصلاح او العوائق . ولكن ينقصها صلابة الموقف والإيمان بما تقوله وتكتبه ،وممارسته على الارض.
اعرف بأن الوقت والظرف السياسي المحيط بنا وتسارع الأحداث لا يحتمل أولوية الحديث عن الاحزاب وتشكلها ولا عن السباق في التنظير . بل انه ظرف للحديث عن وجود أو لا وجود لشعب صدر بحقه قرار التقاعد ، وعن حقوق له ولوطنه غير قابلة للتصرف . فهل نتوقف عن ربط ورهن مصير الشعب والأوطان بسياسية خارجية أجنبية المنشأ وكارثية النتائج ، وهل يتنحى الجيل المهزوم عن قيادة عربات باليه ويتوقف عن إعادة إنتاجها ؟. لا أستثني في هذا حزبا أو نقابة أو نخبة مجتمعية ، فنحن بل منقذ غارقون في النفاق والوصولية والتمسك بالذات .
تعرفون جميعا بغياب الشباب عصب الحياة والتغيير عن الساحة السياسية ، وتعرفون عزوفهم عن عربات تقودونها . لو قفزنا عن مرحلة بناء الدولة التي كان فيها مشايخ استطاعوا بموروثهم القبلي أن يتمسكوا بوجودهم ويفرضوا حضور الشعب ، نجد من بعدهم أن جيل الشباب في سن الدراسة هم من استلموا راية الحضور الشعبي والرقابة والتأثير بالشارع بعيدا عن اسلوب العنف الذي كانت تضطر إليه الدولة وحدها ، وكان هذا بعد أن استطاعت الدولة تدجين أبناء وورثة شيوخ ذاك الرعيل وإلى اليوم . إن إبعاد طلاب المدارس والمعلمين والجامعات عن دورهم السياسي الوطني واستبداله بموسمية صلاة الجماعة في المسجد هو انقلاب على قواعد اللعبة السياسية ، فيه تقزيم وإقصاء ومقتل للحراك السياسي المؤثر .
كفانا رقصا على الحبال في العتمة . لقد واكبنا تفكك تنظيم جماعة الاخوان الى شظايا سياسية لا دعوية ولا إيمانية. وتوجه بعض زعاماتها لإنشاء احزاب سياسية جديدة على خلفية افتعال الخلافات بينهم ،ولعل ذلك يقيننا منهم بأن الكعكة في غياب الديمقراطية لا تتسع لأكثر من شمعة واحدة . وهذا استوجب منهم خطابا سياسيا جديدا استخدمت فيه الديمقراطية ومبادئ الدولة المدنية من أجل الشراكة الوطنية . لكن هذا الطرح قد شكل لديهم اشكالية بين المعتقد الإيماني الموروث وبين ممارستهم لما يخالفه على الارض . فكان قبولهم بالديمقراطية قبولا دبلوماسيا مرفوضا ممارسته شرعا . والديمقراطية مسألة حياة أو موت للدول ، وتغييبها عن دول العرب مقتل للعرب
. نرى من يلوثون الدين بالمواريث الاجتماعية واليهودية ويحتكرون التفسير ويمسخون المرأة لجسم جنسي ، يسلبون رجولتها ويحطمون انتمائها للمجتمع . ونرى من يجعلون من الدين والإخوان معركة لهم وهدفا له الأولوية على الوطن والمبادئ ، بل وعلى الخلق . جعلوه هاجسهم يطلقون النار عليه بلا عيار، ولا مكان عندهم للتفاهم ولا لهدنه.
ونحن البؤساءَ عرب ونفتخر ، مسلمين ومسيحيين وُلِدنا لا نأتمر، ومشيئة الله نحترم . وليست معركتُنا دينيةً بل سياسيةً وطنية . والسياسة الدولية فيها العدو رائد ، وهي في علم هذا العصر تقوم على تجاهل العهود والاخلاق والقيم الانسانية لتحقيق المصالح على حساب الأخر، لكنها مع قواعدها محل اتفاق عالمي ودستور للتعامل الدولي . فهل بعد ذلك من منطق لدينا كدول عربية وكمسلمين أن لا نقبل بفصل الدين عن السياسة رأفة بالدين وبالوطن وبحقوق الناس .