نعرف جميعنا أن الملك هو صاحب الكلمة والقرار السياسي بلا شراكه ، وأنه صاحب ما يشاء من قرارات غير سياسية متروكة للحكومة وأجهزتها ، ولكنا لا نعرف متى يتدخل ، أو لا يتدخل بتلك بها ، فهذا مرتبط بقناعاته او بمدى ارتباطها بشأن سياسي . ونعرف أن الواعين على واقعنا في الأردن ، هم الأكثر حرصا على أهمية وجود الملك على رأس الدولة بكامل السلطة مهما فعل ومهما امتنع عن الفعل ، وذلك من واقع النظرة اليه كحافظ لا بديل له للتوازن والاستقرار المطلوبين سياسيا وأمنيا.
أما الأقل وعيا سياسيا ، فهم أيضا لا يساومون على الملك وسلطته من واقع نظرتهم اليه كالنظرة الى “المنقذ ” بمعناها في التاريخ الديني ، ولكن بعينين مختلفتين ، . أما العين الأؤلى، فترى ملكا في نظام أبوي يَشعر فيه الناس بارتباطهم النفسي والروحي به ، وبأن هويتهم من هويته وأنه الحامي لهم ولمكتسباتهم . والعين الثانيه ترى حاكما بأمره مطلق اليد وقادرا على القول والفعل في كل الظروف .
وإن هذين الموقفين للواعين والأقل وعيا ،هما نتيجتان ترتبتا على مقدمات قائمة ، وستبقى النتيجتان بقاء مقدماتهما .، وكل من المقدمات والنتائج غير العصريتين والشاذتين عن طريق صلاح الدول واستمرارها ، هما بالتكافل والتضامن مسئولتان عن الحالة الاردنية المتراجعه
لقد تشكل مع هذا الوضع قواعد مستقرة للعبة في الداخل الأردني تكرس الحالة . فالكل ، أطيافا ومكونات مسئولين وغير مسئولين ، معارضة وموالاة ، أحزابا ونقابات وعشائر ، متفقون على أن يخرجوا الملك من اللعبه حتى لو كان هو اللاعب الرئيسي ، ويتخذون منه ورقة للحماية وأحينا للتسلق . واصبح الملك “لازمة ” في خطاب الأضداد يفتتحون بها خطاباتهم الخضراء والحمراء ويختتمون .وهم في ذلك لا ينظرون اليه كملك دستوري من ملوك اوروبا الديمقراطية ، ولا كغائب عن المشهد ، بل في سياق ما ذكرته. وبأنه في النهاية صمام الأمان ،
ومن هنا نلاحظ أن المنتقدين والساخطين والمنتفضين في المواسم عندما تصلهم النار ، وكذلك الذين يشعرون بالظلم أو بالتمييز في موقف حكومي ما ، فإنهم لا يُحملون الملك أية مسئولية في خطابهم ، بل يلجأون للإستنجاد به ، وصب جام غضبهم على الحكومات او على عناوين مجهولة . والحكومات في هذا تدعي بقرارات ليست لها ولا من صنعها .
وكذا المعارضون السياسيون عندما يواجهون قرارا للحكومة غير ملائم او إحجاما عن قرار ، او اقبال على ممارسة تنتقص من ثوابتنا ومصالحنا الاستراتيجية او تتعارض مع مصلحة القضية الفلسطينية ، فإنهم يُحمِلون المسئولية للحكومات مع علمهم بأنه لا شأن لها بالسياسة وقراراتها ، وكأنهم يريدون من الحكومات أن تقوم بما لا يريدون القيام به في نفاق واضح .
و لنكن واضحين في هذا السياق بأن المصلحة الخاصة ليست بقضية ومن لا يبحث عنها في دنيانا ليس من طينة المخلوقات ، وإن ادعى بغير ذلك فهو واهم أو كاذب ، إنها بكل انواعها الغريزية والمكتسبة تشكل الدافع لحركة المخلوق ذهنيا وجسديا . لكن الفارق بين الانسان الصالح وغير الصالح أن هذا يبحث عن مصلحته بطريقة مشروعة ، وعنده شيئا لله والوطن وللاخرين ، وذاك يبحث عنها على حساب الأخر والقيم والوطن فيصبح خائنا.
لكن المربك الخطير للمشهد وفكرة المقال هو أن الاردنيين على اختلاف مستوياتهم بدأوا لا يلمسون سياسة داخلية واحده وشفافه في الدوله ، . بل يلمسون سياستين او سلوكين مختلفين عمليا وربما ثلاثه ، حتى لو كان الخطاب الرسمي المعلن واحدا . وهذا الأمر تجاوز المسائل السياسية أو التي لها مساس في السياسة ، كمسائل نزاهة الانتخابات وتصنيف الأردنيين الى موالين ومعارضين على أسس غير وطنية وانعكاس ذلك على مناصب الدولة ومفهوم الشراكة ، أقول تجاوزه الى مسائل تطال حياة المواطنين غير المسيسن وطبيعة التعامل معها كمسائل الفساد والفقر وتخفيف الأعباء الاقتصادية على المواطنين والفتنة بين العشائر وازدياد الجريمة وانتشار الاسلحة . فالنداءات الملكية وأقلام المشرعين بشأنها أكثر من كافيه لكن شيئا على الواقع لم يُنفذ فاستمر التراجع .
والسؤال هو الى أين سنصل مع الشعور بالإزدواجية في السلوك ، والتردي والانتقائية في القرارات أو بتنفيذها بما يشبه انفصام الدوله . وهل إشغال الناس بخفاف وثقال للوصول بسلاسة لمبتغى ما هي سياسة حكيمة ، أو لها داع مع وجود القدرة على تنفيذ المطلوب ؟ ومن هي الجهة وراء ذلك ووراء دفعنا الثمن مرتين مع كل صفقة . ومن هي تلك الجهة التي تسعى لأن يكون استقرارنا وأمننا هشا نعيش حياتنا يوما بيوم .
إن الغموض والتناقض الرسمي واختلاط الأمور على الناس وحيرتهم فيمن يثقون أو من يصدقون مع ما يرونه من قصور وإصرار على التقدم نحو الخلف ، وتهميش لحقوقهم وحاجاتهم الاساسية ، وتمييز بينهم على أسس ليست بقانونية ولا وطنية ، وبما لا يتفق مع الوعود والتصريحات الرسمية ، . أقول إن هذا قد أجبر شعبنا على التماهي مع هذه السياسة وتلك الأساليب ، فانتقلت شوزوفرينيا الدولة إلى الشعب . وخلقوا وكرسوا فيه ثقافة المتاجرة بالكذب والخداع والنفاق والشقاق ، وأفقدوه ثقته بمكوناته وبالدولة .
لقد فُرض علينا أن لا نسعى إلا لمصالحنا الشخصية دون اعتبار للوسيلة ، وأصبحنا نجمع في ممارساتنا بين الكفر والايمان وبين الشر والخير وبين القاضي والجريمة ، والأمانة والخيانة . وكأن الدولة ليست لنا ، والوطن مستأجر أوشك عقد استئجاره على الانتهاء. هل هذا هو المطلوب ؟ ، هل المطلوب أن نرضخ لهدف عصابات الكفر والتكفير والاجرام المأجور ونخرج من اردنيتنا وعروبتنا وديننا عربون استسلام ، ولصالح من ؟.
شعب يمثل الطرف الثالث في دولته ، قد تملكه اليأس . ومن يدعي منه الثفاؤل فلأنه متمسك بالعيش بوطنه ، ولا يستطيع الهجرة ولا يريد الانتحار . أعتقد بأننا نعيش اللحظة التي تسبق مواجهة الحقيقة ، وهي أكبر منا كمسئولين ، وأكبر من العابثين بكياننا وبرتابة حياتنا في دولة لا تتسع لكل أبنائها. ولا لرأيين . نحن شعب نحب الحياة في وطن لنا نحن نسوده ، وبوحدتنا نحميه في دولة العدل والقانون والمواطنة نكون فيها آمنين من خوف ومن جوع . ربما نكون الآن في الوقت الضائع ،لكنه وقت لا يقبل الاستسلام ولا يخلو من الأمل . لنسعى لعل الله يسعى معنا