إن من صاغ قانون الانتخاب الحالي متقد الذكاء محكم التخطيط ، حاذق في تطوير الخبرات المتراكمة . فقد قطع دابر التزوير ودابر كل من سيجاهر يوما بأنه قد عين كذا نائبا ، وضمن إعادة انتاج المجلس السابق هيكلا ومضمونا دون حاجة للتدخل وعناء التزوير ومحذوراته . وجعل من الهيئة المستقلة والمراقبين وكمرات المراقبه مجرد شهود على نزاهة الإنتخاب ، فالقانون نفسه بنصه وبتطبيقاته وطريقة احتساب النتائج ، قد وفر المطلوب . كالساحر ، فعل هذا الرجل فعلته ورفع يداه وقال ( هاي إدي شباب)…
لكن هذا الصائغ للقانون قد أحرق روما ليشعل سيجارة . فقد ضحى بالمهم من أجل تفادي محذورين ، وتسميتي لأحدهما قد يضعني في مواجهة مع غلو القانون أو تطويعه ، فلا منطق لي بذكر الثاني . لقد كان ممكنا تفادي المحذورين بطرق كثيرة وبسيطه دون هذه التضحيه الكبيره التي تعطل إحدى السلطات وتمنع تطور الحياة السياسية . لا بأس فربما يكون ذلك محرجا أمام الرأي العام االداخلي والدولي وقبل ذلك القانون . وأوسع دائرة الدفاع عن الصائغ . وأقول ربما كان هاجسه هو التمويه على من لا يستطيع مواجهته . وبالطبع فهو ليس رئيس الحكومة الذي صيع بعهده القانون ، فالأمر ليس له ولا في دائرة اهتماماته ، وإن تحذلق . فنعم الحرام تزوغ البصر والبصيره
أصبح واضحا للمرشحين والناخبين أن قانون الانتخاب الجديد بشروطه ودوائر انتخابه وطريقة احتساب النتائج ، لا يسعف فنيا فوز أكثر من نائب واحد للقائمه التي يحالفها الحظ بفضل طريقة احتساب الكسور العشرية ، ومن الصعوبة أن تحصل قائمة على فائزين اثنين . فعلى سبيل المثال لوكان عدد المصوتين في الدارة الأولى في اربد 40 بالماية من عدد المسجلين فيها ، فهذا يلزم حصول القائمة على 42 ألف صوت من أصل 130 ألف مشارك فيها لتفوز بنائبين وهو رقم خيالي . وبناء عليه فإني أحتار بأسباب ونوايا أو جدية المرشحين والمرشحات من خلال ظاهرتين ولدهما القانون ، مما سيتسبب في سلبيات اجتماعية وتنافس بين افراد القائمه لا بين القوائم ، وانسحابات متوقعة للمرشحين. الأولى ظاهرة مرشحي الحمولة الزائد في القوائم كحطب يحرق ليعطي الطاقة لشيخ القائمة او لمنافسه فيها . والثانية ظاهرة المترشحات للكوتا النسائية في الدوائر الكثيرة العدد في المحافظات التي تشكل أكثر من دائرة واحدة ، وهن يعلمن أن من المحال أن ينافسن الاخريات في الدوائر قليلة العدد في ذات المحافظة
نعم ، هناك انعكاسات على العملية الانتخابية هذه ، وعلى جدوى القانون إزاء الغاية منه . وبالتالي على المجلس المنبثق عنه . إن القانون في تكامليته ألغى امكانية تشكيل أي تكتل متجانس ، أو تشكيل قائمة على أساس فكري او حزبي او برامجي ، سيما وأن أحزابنا كما تعرفها الدوله صغيرة الحجم والتأثير كثيرة العدد بلا كبيرين أو أكثر ، ولا قواعد شعبية لها ، فلن تستطيع الخروج من عنق زجاجة هذا القانون والفوز كقائمة حزبية أو برامجية . وعليه تشكلت القوائم على أساس شخصي في تحالفات وهمية خادعة. قوامها العشائرية وأصحاب المال مطعمة بالحزبية والكوتات ، وهذا النوع من التنوع يمنع أيضا النجاح لأي قائمة ، ولن يشكل الفائزون تكتلات سياسية منسجمة في الرؤى ، ولا على فكر أو أهداف أو برامج . فلا جامع سياسي بين العشائرية والحزبية وأصحاب المال والمصالح .
إنها الحالة نفسها التي ستنتقل لمجلس النواب وتشكله . لكن الأهم هو أننا سنبقى ننتج قوانين انتخاب بنفس المضمون ونفس المنتج البرلماني ما دام المحذوران قائمين أو نافذين ، والحل هو في أن ننطلق من معالجتهما والتخلص من استحقاقاتهما بطريقة علمية وشفافة ومقبولة باتجاه صيغة لا يموت معها الذئب ولا يفنى الغنم إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. الشفافية وحدها تزيل علامات الاستفهام و تمثل الخطوه الأولى نحو القاعده المؤدية لاعتماد قانون انتخاب يؤهل لحياة حزبية وسياسية منتجة ، ولمجلس نيابي حقيقي يمثل سلطة ، لا دولة حديثة بدونها .
ولنكن صريحين ونقول بأن قانون الانتخاب الحالي وما قبله من قوانين بعد عام 1989 تطبق الكوتا ضمنيا على المحذورين الأول والثاني ، من خلال تطبيق القانون وتقسيم الدوائر بطريقة ملتفة تجرده من مضمونه وتفسد الغاية منه ، وتتسبب في عدمية جدوى القانون ، وفي الحيلولة دون صنع برلمان حقيقي وحياة حزبية وسياسية منتجه . فلماذا لا نتخلص من هذا العور. وندفع الضرر الأكبر بالأصغر إذا كان موجودا؟ .
لنتذكر في هذا أن قانون الانتخاب لعام 1989 الذي يعتبر خطوة سليمة على طريق تحقيق الطموحات الشعبية أو المعلنة من قبل الدوله ، قد طبق على خلفية اتفاق مع أصحاب أحد المحذورين على كوتا معينه ، ولا أرى مانعا أو داعيا للاستهجان إذا ما طبقت الكوتا المراده على أصحاب المحذور ين كليهما بصورة شفافة ومقبولة لتحرير قانون الانتخاب . وإذا كان يصعب اطلاق كلمة كوتا على أحد المحذورين فيمكن للقانون أن يعالج الأمر من خلال التجمعات الكبيرة لأصحاابه ، فبالقانون مثلا طبقت الكوتا على البدو في مناطق تجمعهم ..