يشهد المراقب مؤشرات قوية على دخول روسيا في مرحلة سباق مع الزمن المتبقي لادارة أوباما التي تترك قيادة وتوجيه أحداث المنطقة والأزمة السورية بيد روسيا ، بما يمكن الأخيرة من استثمار هذا السلوك الأمريكي لرفع سوية حضورها الدولي التنافسي من ناحية ، ولتأمين وجودها الاستراتيجي في سوريا وديمومته التي لم تكن مضمونة قبل الأزمة . حيث أن وجود سوريا الذي اعتدنا عليه كدولة عربية موحدة بأطيافها العرقية والطائفية ورفعها شعارات القومية والوطنية والتحرر والوحدة ، هي حالة وإن كانت قد سمحت بتحالف روسي او غير روسي مع النظام والحصول على قواعد عسكرية في اطار تبادل المصالح ، إلا أنها حالة لا تضمن بقاء هذا الوجود العسكري ولا تطوره ، ولا تسمح بالتمادي للسيطرة على القرار السياسي او الشراكة به كما هو الحال اليوم.
وعليه ليس من مصلحة روسيا أن تبقى سوريه بشكل الدولة القومية المتماسكة بأطيافها الطائفية والعرقية . وتشاركها اسرائيل في هذه المصلحة. وليس بالضرورة أن يتفق هذا على اطلاقه مع مصلحة الولايات المتحدة وخاصة عندما ينطوي على وجود روسي عسكري دائم ومتنفذ ومستقر في دويلة تحتل الساحل السوري . مع الأخذ بالاعتبار عدم موازاة خطر الوجود الروسي هذا بالوجود السوفيتي على الولايات المتحدة أو على اسرائيل . ونتذكر كيف أقنعت ادارة نيكسون – كيسنجر اسرائيل بدعم النظام الاردني الذي كان متهاويا في احداث أيلول 1970، على خلفية الخوف من وجود دولة فلسطينية بنفوذ سوفيتي محاذيه لاسرائيل .
إن الواقع اليوم مختلف ، فروسيا لا تحارب من أجل ايدولوجية ولا تساعد حليفا على اسرائيل ، بل تحارب من أجل مصالحها . بينما تحارب الولايات المتحدة من اجل تكريس أحادية القطبية، ومصالحها ومصالح اسرائيل.
إن ما تتوخاه روسيا وأمريكا من مخرجات للعملية التفاوضية بين النظام والمعارضة مرتبط بمخرجات الصراع العسكري على الأرض الى حد بعيد ، وروسيا تحرص على ان لا يكون وقف اطلاق نار خلال عملية التفاوض . وتهدف الى تحقيق غرضين من هذه العملية توظفهما لخدمة هدفها الاستراتيجي في دولة علوية تحت حمايتها ونفوذها . الأول هو شرعنة استمرار القتال وتعميق الشروخ الطائفية والعرقية وضرب الأسافين في التعايش على وقع التفاوض السياسي كخيار منطقي وأخلاقي لا بد من التوكؤ عليه . والثاني ، هو افشال فكرة التفاوض السياسي بالمطلق وإعلان هذه الفكرة كخيار فاشل يتيح فشله طرح خيار التقسيم كحل وحيد لوقف القتال وإنهاء الأزمة .
وإذا كان تقسيم سورية يشكل خيارا لروسيا وللأكراد والتركمان وغيرهم من أقليات كطموح قومي تهيأت له الفرصة، فإنه بالنسبة الى الأسد وايران أصبح يشكل الخيار الوحيد أمامهم . لكنه ليس خيار الأكثرية العربية السنية المؤهلة ديمقراطيا لحكم سوريا موحدة ، وفي كل الحالات يبدو من شبه المستحيل إعادة سوريا لوضع موحد ومستقر . ومن هنا فإن هدف تحجيم المعارضة السورية عسكريا دون إنهائها يصب في صالح تسهيل عملية الحل على أساس التقسيم وفرضه أو تقبله كخيار الأمر الواقع .
من غير المحتمل أن يسمح الروتين الأممي وتغير الموازين على الأرض باتمام الطبخة الروسية التي تلقى قبولا لدى القوميات والطوائف السورية قبل نهاية عهد اوباما . ومن المرجح أن تفوز كلنتون الصهيونية في التفكير والسلوك ، وعندها لن يتوقف الحل عند تقسيم سوريا أو حل الازمة السورية بمعزل عن تحقيق فكرة الشرق الأوسط الجديد تسعى من خلاله الولايات المتحدة الى ترسيخ مصالحها ونفوذها مع تحقيق مصالح الصهيونية في المنطقه. ونتذكر في هذا تصريحات كلينتون اثناء حملتها الانتخابية الجاريه عندما قالت بأن مصير الاردن لا يمكن أن يتقرر الا بعد تقرير مصير سوريا .
إن النظر الروسية للأزمة في سوريا ليست كالنظرة الأمريكية ، فروسيا تنظر إليها بمعزل عن منطقة الشرق الاوسط والدول المجاوره وقضاياها ، بينما تنظر اليها الولايات المتحدة من منظور اقليمي متكامل وتربطها بقضايا المنطقة ومصالحها ومصالح اسرائيل . ومن هنا تصبح المشكلة السورية أكثر تعقيدا . لذلك علينا أن نتوقع بالمحصله تدخل امريكي حاسم في الوضع السوري ، ومحاولة إقحام الأردن في فوضى المنطقة ، وإرسال رسائل تحذيرية واضحة وشفافه الى الأنظمة العربية والأخرى في المنطقة ، سواء تلك الرافضه لاسرائيل أو المتعاملة معها من تحت الطاوله .
يترتب على هذ السلوك الأمريكي المتوقع معيقات أو مخاطر من روسيا صاحبة الكلمة سياسيا وعسكريا في سوريا بغطاء المشروعية القانونية التي منحها لها الأسد ، إلا أن الادارة الأمريكة القادمة التي قد تشرك اسرائيل معها وربما لأول مرة في صراع المنطقة الى جانب دول عربية ، لن تستلم أو تتهاون مع موقف روسيا على حساب فكرة الشرق الاوسط الجديد ولا على حساب المصالح والنفوذ الأمريكي التقليدي في هذه المنطقة الحيوية لها للغاية . وستنفتح الادارة الأمريكية الجديده بحجمها العسكري والسياسي على الروس وتبدي تصميمها لاستخدامه من أجل إعادة هيكلة المنطقه على أساس شرق اوسط جديد على القياس الأمريكي الاسرائيلي في سياق مقايضة الروس على تأمين مصالح عسكرية محدودة في المياه السورية أو في تسهيلات في مناطق أخرى بدلا من سوري