أفلح النظام عندما أعطى ناس هذا البلد هامشا كبيرا من الحرية ونأى بنفسه عن استخدام القوة ضد معارض . فهذا الهامش قد أسهم بالكثير إيجابيا لدى المواطنين . فتح لهم باب الإسهام بالكلمة في الشأن العام ،وأشعرهم بالأمن النفسي ومكنهم من إفراغ شحنات الغضب بسلام ، وأثار عصفا فكريا جمعيا ، وبلور رأيا شعبيا بشأن كل ما يقترف بحق الاردن والأردنيين . ولم يفلح النظام حين لا يأخذ أو يتعامل مع مخرجات هذه الحرية ، وحين لا تؤدي غرضها . أنا لا أدعو الى التظاهرات والاعتصامات والحراكات ، ولا اناشد ديكورات الاحزاب . وكذا لا أدعو إلى لوم الحكومات أو أي جهة تنفيذية في الدولة . ولا أحث على الإشارة المباشرة للمسئول عن وقف كل ما يعاني منه الشعب أو يتخوف أو يتذمر . فكل هذه الأساليب فاشلة في مثالنا الأردني وغير مجدية ، وأصبحت متعفنة بالمنطق والتجربه ، وتكرارها فيه جمود وانهزامية أمام التطنيش الممنهج كسياسة ، او التدجين أو القمع الناعم الذي لا يحل مشكله . ولكني أبحث عن أسلوب سلمي معبر ومؤثر جديد .
هناك توحش وتغول على مؤسسات ومقدرات وسياسات الدولة بهدوء ، واستخفاف وتجاهل للناس وتغريب . وإرادة الشعب في هذا ليست بأيد أمينة . ولم يعد كبيرا في هذا الشعب ولا عزيزا ، بل هناك أصنام منفوخة كالطبول بفرمانات . وما يضحكون إلا على أنفسهم وأزواجهم . كل مؤسسة في هذا البلد تعمل وفق تعليمات وأوامر وليدة ساعتها لتخدم الهدف ، أو التوجيه ، ولم يترك لنا مؤسسة واحدة ناجية من التدخل أوتملك قرارها المؤسس على الدستور، ولو على سبيل الحماية القضائية لحفظ حقوق ومصالح الناس في كل الظروف لا في بعضها فقط . ومع هذه السياسة تغيب العدالة ومعها الحقيقه فيغيب الوطن والمواطن ، فلماذا الدستور ولمن ، وعن أي تعديلات نتحدث
انفعلت بالأمس الفعاليات وثارت كعادتها الموسمية على تعديلات دستورية ، ناسية أنها في سياق مسيرة الأمر الواقع الذي نعيشه بتطوراته التي لا تتوقف … ولم تدرك بعد ومعها الكثيرون أن كل ما يحدث في بلدنا هو في سياق سيروره ، لكنها سيرورة تجري لمستقر لها . وأن الفساد في بلدنا والذي أصبح يستخدم ملهاة ، هو في الاساس فساد سياسي . وكل فساد أخر من اداري او مالي هو في خدمة هذا الفساد السياسي أو من أعراضه . والتعديلات الأخيرة هي في هذا السياق . فكل ما يشكل معاناة للأردنيين ووطنهم ، بل وكل سلوك او قرار داخلي او خارجي وراءه متطلبات السياسة الخارجية .والسياسة الخارجية هذه في بلدنا ليست شأنا عاما ولا من صنع الحكومات ولا نتيجة شراكة معها .
إن وجود المعارضة المنظمة ، والقيادات السياسية الشعبية الجماعية خط أحمر في بلادنا . لتصبح الثورات والحراكات تحت أي مسمى مجرد غوغائية لا تنتج سوى الفوضى يعقبها اليأس وتعزيز القائم ، أو الفوضى يعقبها بالمحصلة إنتاج مفسدين أعتى . والشعوب التي تعيش هذا القدر هي شعوب صدر بحقها قرار التقاعد , فهل تتقاعد الشعوب ؟، وهل هناك قوة او قانون يجبرها على التقاعد . إن الشعب الحي لا تعدمه الوسيلة لنيل حقوقه وفرض احترامه
لنتذكر أن الشعوب الفاقدة لاعتباراتها السياسية والقانونية والنفسية هي الشعوب الواقعة تحت الإحتلال . وإن العصيان المدني هو طريقها عندما تغلق كل الأبواب بوجها . فهل يكون العصيان المدني هو المتبقي لنا نحن الاردنيين لاستعادة اعتباراتنا وفرض احترامنا واحترام غضبنا ومطالبنا وحقوقنا كشعب ليس دخيلا على هذا الوطن . نعلم بأن الدول تهمل أفكارا وتطنش أشخاصا ولكنها لا تهمل رأيا عاما ولا تطنش شعبا . والأجنبي يلتزم بحكمة تركناها له وهي Too much no good
إن خيار الشعب الاردني في تمسكه بقيادته الهاشمية يجب أن لا يستغل من أي كان ، وبأي طريقة كانت . بل أن يقابل بقرار من القيادة بالتمسك بهذا الشعب . فالأمن والأستقرار والرضا يدوم بالحفاظ على الأرضية التي قام عليها ، والانجازات التي حققها الأردنيون في مئة عام هي ملك لهم ، لا تهدر ولا تباع بل تنمى وتحصن . إن كل فرد في هذا الوطن مهما كان مستواه يدرك بأن الملك الذي يسمع بشكوى عجوز في الصحراء ويسارع لاغاثتها ، يسمع بالضرورة بكل ما يجري ، وصاحب الولاية فيه ، ويعلم بكل ما يقال وقادر على التدخل أو الإيضاح . فالشعب محيد وتنزل عليه القرارات ولا يعرف سببها ولا مراميها ولا جدواها ، بل يستشعر ثقلها ويتحمل أعباءها . فمن حقه أن يعرف موقعه الحقيقي في الدولة .