ليس مصادفة أن نرى الأكراد محط اهتمام مشترك ومميز لأمريكا وروسيا والأوروبيين . فامريكا أصبحت تعتبرهم جماعتها في سوريا ومحل ثقتها وبديلا عن فصائل المعارضة السورية . وكانت قد وطدتهم في العراق بمضمون دولة تحشد لها الدعم العسكري والسياسي حتى اصبحت الدول تتعامل معها بمعزل عن الحكومة المركزية في بغداد . وإن قبرص التي كانت مركزا اقليميا للموساد قد أخذت مكانها أربيل . كما أن اربيل تنتقل شيئا فشيئا لتأخذ مكان هونكونغ .
ولاحظنا عندما واجهت تركيا أمريكا بالاختيار بينها وبين التنظيم الكردي في سوريا كيف ابتلعت الجواب . فأمريكا مستعدة للتضحية بتركيا من أجل الأكراد . كما لاحظنا فشل ايران عندما حاولت التدخل سياسيا بل حراكيا من تحت الطاولة في شأن اربيل الداخلي للتخلص من البرزاني . فمع أن مصالح تركيا وايران تتعارض بقوة مع توسعات الاكراد ومع وجود دولة كردية ، إلا أنه محظور عليهما التدخل مباشرة بهذا الشأن ، وليس بمقدورهما مواجهة الأمر نتيجة الحماية والدعم السياسي والعسكر الأمريكي والروسي للكرد .
هذه وغيرها معطيات تؤشر بقوة على وجود دور محوري للأكراد في مجمل ما يجري في المنطقه ، والمحلل لا يخرج في هذا عن تكاملية الرؤية للشرق الأوسط الجديد ، فما السر في الموقف وما هي ماهية هذا الدور المحوري للكرد؟
لقد انتبهت إسرائيل للمكون الكردي مبكرا حين اخترقته في العراق منذ ستينيات القرن الماضي وكان هدفها ليس بالعمق والاتساع الذي هو عليه اليوم .فالمعطيات التي اصبحت تخص الاكراد وتميزهم تؤكد تحول الهدف من دعم الأكراد القائم على مكاسب سياسية وامنية محصورة في العراق، الى مشروع استراتيجي مشترك مع أمريكا بمباركة روسيا . إنه مشروع استنساخ جمهورية الشاه الايرانية في المنطقة بخلق جمهورية الكرد الشاهنشاهية المهيأه جغرافيا واقتصاديا . وهو من المشاريع النادره التي تلتقي فيها مصلحة أمريكا مع مصلحة اسرائيل استراتيجيا.
إن المشروع الشاهنشاهي الكردي يقع في قلب الرؤية الإسرائلية الامريكية للشرق الأوسط الجديد . فبالنسبة لإسرائيل ، فإن حاجتها له كبيره وتنبع من كون أن التركيبة الاقليمبة الجديدة التي ستجمعها مع تركيا وإيران ، هي تركيبة لن تكون متوازنة لها وليس من مصلحتها أن تجد نفسها أمام دولتين اسلاميتين ولهما مشاريع في المنطقة العربية ، ومن هنا فإن وجود دولة حليفة لها ونوعية بموقعها وبتسليحها في قلب المنطقة وبين الدولتين الأخرتين سيشكل عامل توازن لها وصمام أمان ودعم لم تكن تحلم به .
أما حاجة أمريكا للمشروع الشاهنشاهي الكردي فلم تكن وليدة الاحداث ، بل الأحداث وليدة تلك الحاجة . ،فأمريكا تبدو صاحبة الفكرة ونتذكر في هذا دستور بريمر عندما منح الأكراد دولة جاهزة للاستقلال والتوسع بمقوماتها . فهذه (الدوله المشروع )، علاوة على حيويتها للتوازنات المطلوبة للشرق الأوسط الجديد ، فإنها هي التي ستريح أمريكا من المشاكسين وتضبط إيقاع مصالحها وأهدافها في المنطقه . فإيران الملالي لن تكون محل استقرار ، ولا محل ثقة وارتياح لأمريكا والغرب . ولها في المحصلة طموحات في المنطقة منافسة لطموحات أمريكا ولا تقبل أقل من الشراكة بين لصين ، لكن الشراكة غير موجودة في قاموس امريكا ، وإن إيران التي تتسابق مع السعودية على زعامة المسلمين والاسلام لن تكون صالحة لدور البعبع في الخليج العربي والمنطقه
نحن لا ننكر حق الاكراد في تقرير مصيرهم بدولة على الاراضي التي يعيشون عليها تاريخيا . وقد عاشوا في سوريا أسيادا وكان نظامها سندا لهم في طموحاتهم السياسية القومية . كما أن عراق صدام منحهم الحكم الذاتي منذ عقود ، ولنا معهم تارخ مشترك ومشرق . وهم يدركون في المقابل وضعهم المعدوم الحقوق الوطنية والقومية في ايران وتركيا ، إلا أنهم لا يدركون بأن الشعوب العربية وحكامها لا يستحقون منهم انتهاز فترات ضعف العرب ليكونوا خنجرا صهيونيا .
أما دور العرب مما يجري ، فنستنتجه بعد أن امتلكت السعودية الجزر المصرية في الأحمر وأصبحت برضاها جارة حدودية لإسرائيل . وهو ما يهيء لتواصل سعودي إسرائيلي مباشر . وهذا يمثل برأيي انقلابا كبيرا في سياسة السعودية المستقبلية مع اسرائيل . نحن لا نجد تفسيرا مقنعا لسياسة مصر والسعودية وتقلباتها ، فهي تبدو مملاة تحت وطأة المقايضة . إن الأنظمة العربية بلا بوصلة ، تسير بقوة الرياح نحو التبعية والسلام المفروض مع اسرائيل ، فليست هناك مؤشرات على بناء دول ناجحة أو منافسه أو قادرة على حماية نفسها . بل هناك مؤشرات على استعدادها لدفع الأثمان المطلوبة مقابل عدم استهدافها ،أو اللطف في أقدارها ومقدراتها .