إن الملاحظ بأن الأمم المتحدة سواء على صعيد الجمعية العامة أو مجلس الأمن لم تستطع منذ إنشائها تسوية النزاعات الدولية التي عرضت عليها , وكثير من تلك المسائل ما زالت قائمه أو على جدول أعمالها منذ عشرات السنين , ومنها على سبيل المثال كشمير و كوريا وفلسطين والشرق الأوسط والحالة بين كوبا وامريكا ومسألة جزر الفوكلاند . واما ما تم تسويته من بعض المسائل فمعظمه كان خارج نطاق الأمم المتحدة التي اقتصر دورها كشاهد وللتوثيق،
فهل يكمن السبب في الآليات السلمية المضمنة بالميثاق وخاصة بالفصل السادس منه ؟ وهل هناك عيوب أو نقوصات في تلك الآليات أم أن هناك أسبابا أخرى ؟ لا شك بأنه من واقع الإطلاع والتجربة يمكن القول بأن هناك حاجة وهناك إمكانية لتعزيز آليات الفصل السادس السلمية لا سيما من خلال تفعيل دور محكمة العدل الدولية , وهذا أمر قابل للإجتهاد ، لكن وبالتأكيد فإن اسباب الفشل لا تتعلق بمنطوق الآليات نفسها بل إنها تكمن في واحد أو اكثر من ثلاثة اسباب . الأول والثاني منها مترابطان
.
أما السبب الأول / فهو// إحجام مجلس الأمن ممثلا بأعضائه الدائمين عن ممارسة صلاحياته بموجب المادة 37 بصورة جدية ونية صادقة // ومفادها انه ( في حالة اخفاق الدول في تسوية نزاعاتها بالآليات السلمية المشار اليها بالمادة 33 فيجب على تلك الدول (وجوبا) عرض النزاع على مجلس الأمن ليبت فيه ويوصي بطرق التسوية وبالملائم من شروط حل النزاع). انتهى . إلا أن أولوية المصالح الوطنية والقومية لأحد او بعض الدول الاعضاء الدائمين في المجلس وما يرتبط بها من تحالفات مع احد طرفي النزاع أو كليهما ، من شأنه ان يغيب الارادة السياسية لتسوية النزاع ضمن المعايير الدولية ومبادئ الميثاق والقانون الدولي ، وهو الأمر الذي يعطل عمل المجلس في ظل ميزة النقض او الفيتو والتي هي حيوبة لاستمرار النظام الدولي الحالي من حيث منعه لتصادم الكبار عسكريا . وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك ومنها مختلف القضايا التي تكون فيها اسرائيل طرفا وكذلك المسألة الكورية وحديثا سوريا على سبيل المثال.
اما السبب الثاني/ فيخص حصرا المسائل التي لا يوجد فيها لطرف النزاع الأخر حليفا استراتيجيا داخل المجلس . ويكمن هذا السبب في سوء استخدام مجلس الأمن لصلاحياته في تنفيذ الجزاءات والعقوبات المضمنة بالفصل السابع // بحيث يصار إلى الخلط المتعمد وتجاهل الغاية من العقوبات وإحلال هذه الآلية القمعية مكان الآلية السلمية المضمنة في الفصل السادس من الميثاق . ونستطيع ان نتحقق مسبقا بنية المجلس في سوء الأستخدام هذا عندما نلحظ انه لا يفسح مجالا من الوقت لاستنفاذ آليات الفصل السادس السلمية واذا استنفذت فعلا فإنه لا يمارس صلاحياته التي تتلو والمنوه عنها في المادة 37 بالجدية الكافية مسهما بذلك في خلق الأوضاع الموجبة لاستخدام اليات الفصل السابع , وبعد الوصول لتلك المرحلة نراه عندما تكون النية مبيتة لا يعطي مجالا لاستنفاذ ما ورد في المادتين 39 و 40 ويبدأ فورا بتدابير العقوبات وينتقل لمرحلة استخدام القوة العسكرية .
اما كيف يسيئ مجلس الأمن استخدامه لتلك الآليات القمعية والاكراهية في الفصل السابع , فذلك عندما يجعل من استخدام العقوبات والقوة المسلحة تلك هدفا بحد ذاته على حساب تسوية النزاع بين الطرفين . ويستمر في استخدامها، ثم يتوقف عند الانتهاء منها دون العمل على اعادة طرفي النزاع للمسار السلمي . بل يستخدمها أحيانا جسرا لأهداف او اجندات خاصة متجاهلا بأن هدف المشرع من استخدام العقوبات والقوة المسلحة بموجب الفصل السابع هو اعادة الوضع لما كان عليه قبل العدوان والعودة لاستخدام الاليات السلمية في الفصل السادس وصولا للتسوية التفاوضية المقبولة بين الاطراف , وإلا فسيكون استخدام آلية الفصل السابع هنا هو لغايات أخرى كإقامة أمر واقع جديد على حساب النزاع الاصلي وأسبابه أو لتنفيذ أجندة أخرى ، مما يكرس النزاع ويعقد المسأله ويشكل تجاوزا من المجلس لصلاحياته وتقويضا لأهداف ومقاصد الميثاق . فالقمع وفرض ارادة القوي على الضعيف لا ينشئ حقا ولا يسوي خلافا ولا يشيع سلاما بل ان الحلول التفاوضية المنبثقة عن ارادة حرة لكل اطراف النزاع هي التي تقيم الحقوق وتثبتها وترسي اسس السلام .
السبب الثالث // الذي يحول دون تمكن الامم المتحدة من مساعدة طرفي النزاع من تسوية النزاع فهو // وجود صعوبات موضوعية جدلية نادرة وبالغة التعقيد تكتنف طبيعة بعض النزاعات وتضغط باتجاه تصلب المواقف ومن ابرز هذه الصعوبات هو تضارب او تصادم مبدأي حق السيادة وحق تقرير المصير في نفس النزاع // حيث تكون طبيعة المسألة او النزاع قائمة على كلا الركنين ،ويصر كل طرف من طرفي النزاع على إعمال أو تطبيق واحد من هذين الحقين او المبدأين دون الاخر . ومن الامثلة على ذلك مسألة جزر الفوكلاند حيث تتمسك الارجتين بمبدأ حق السياده ،وتتمسك بريطانيا بمبدأ حق تقرير المصير لشعب الجزر بعد أن غيرت ديمغرافيتها بالمهاجرين والمستوطنين البريطانيين منذ احتلالها عام 1833 .وكذلك مسألة كشمير ذات الاغلبية المسلمة ورفض الهند الحاقها بباكستان طبقا لمبدأ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947 ،
وبالنسبة لاسرائيل فإن إدراكها لركاكة ادعائها بمبدأ السيادة على فلسطين لقيامه على خرافات لا يعتد بها من وجهة نظر القانون الدول وميثاق الأمم مع صعوبة الاعتراف بيهودية الدولة ، فإنها ما فتئت تهتم ومنذ إنشائها على تغيير البنية السكانية في فلسطين مستخدمة الهجرة اليهودية لفلسطين والتهجير الفلسطيني لخارجها لتحصل وتحافظ على الأعلبية اليهودية لتقيم في النهاية ادعائها على حق تقرير المصير . تماما كما يفعل المستعمرون ، وكما فعلت بريطانيا في جزر الفوكلاند . ومن هنا فإن سياسة الاستيطان الاسرائيلية وتضييق الخناق على الفلسطينيين هي الأساس في السياسة الاسرائيلية . وعليه فإن صلابة الموقف العربي من يهودية الدولة ومن الاستيطان أمر يجب أن لا يكون خاضعا لأي مساومه