ان ما يجري من مخاض عميق داخل حركة الإخوان ووصل حالة التشظي ، هو من مواليد التناقض بين واقع الحركة المستقر على ما هو عليه فكريا وسياسيا داخل الاطار الديني لعشرات السنين ، وبين ديناميكية التطور وحركة التاريخ ومقومات العمل السياسي المعاصر من جهة مقابله . وإن التوقيت لما يجري بداخلها يعود لتسارع الاحداث وتراكم عوامل انعزال الحركة وتهميشها وظهور التحدي الجاد على خلفية هذا التناقض ، فالدولة بقيت تمسك بخيوط اللعبة السياسية ، والظرف الذي استخدمت فيه الاخوان ضد الأحزاب، تغير لتستخدم هذه الأحزاب ضدهم ، بل إن الظرف العالمي انقلب ضدهم تخطيطا او مصادفة . وحركة الاخوان للتذكير لم تتطور لا فكرا ولا سياسة ولا سلوكا ، ولم تنجز شيئا ملموسا تماما كغيرها من الاحزاب ، وهذه أيضا نتيجة منطقية في حساب المقدمات والنتائج .
إن أي تنظيم أو حزب يقوم على فكرة الدين في عمله السياسي هو تجمع ايدولوجي امتداداته خارج الأوطان ، ويحكمه برنامج من نوعه ليصبح الهدف هو خدمة هذه الأيولوجية داخل الأوطان ، وفي ذلك إقصاء سياسي قسري يفرضه هذا التنظيم على نفسه ، وعندها فلن تتوقف النتيجة على صفر في الإنتاجية السياسية فحسب ، بل ان عملية التقييم الداخلي للتنظيم والتي عادة ما يستفزها تحد ما على وجوده او شعبيتة او حركتة ، ستؤدي في حالة عدم مراجعة الاستراتيجية والأساس الذي قام عليه الى فقدان قيادته للبوصله ، فنرى الابحار في قوارب باتجاهات مختلفة إيذانا بانفراط العقد.
قد يكون مفهوما أن تكون هناك جمعية إسلامية في دول المهجر تهتم برعاية حقوق و شئون الأقلية المسلمة وتمثل ثقافة الاسلام الوسطية السمحة المحبة للآخر والتاركة له وشأنه في معتقده . ولكن من غير المفهوم أن تقوم جماعة أو حزب إسلامي في داخل دولة إسلامية ، إذ سيفرض ذلك حالة التمييز بين مسلم ومسلم ، ومسلم وأخر . وبالتالي تقسيم المجتمع الواحد الى ضدين أو أضداد . ولا ننسى أن الأحزاب الدينية اليهودية والمسيحية فشلت في السياسة ونجحت في العنف وتوفير بيئة الارهاب. ونرى المدنية الأوروبية اليوم تستثني المسلمين من العمل السياسي وتستقطبهم في العمل العسكري او العنفي.
لقد استقرت الاديان كما هي عليه اليوم داخل دول مدنية وطنية national states بعد مخاض . ولسنا نحن المسلمين راغبين بتجييش الأديان ولا قادرين إن شئنا على إلغاء ما استقرت عليه، وإن ما كان مطلوبا منا تحقيقه في بداية الإسلام وقبل ترسيخه من سياسات ، لم يعد مطلوبا منا اليوم ،فالعالم من حولنا ناضج وخياراته قد استقرت وكذا شعوبنا ، فالحاجات والأهداف تطورت واستراتيجيات تحقيقها اختلفت والوسائل ما عادت نفسها ، وأصبح التطوير هو سلاحنا النوعي . فالاسلام جاء ثورة فكرية ديناميكية تطويرية راشدة ، والفكر الذي لا يتطور يرتد على حامليه . ونحن أمة تحمل رسالة متعددة الأبعاد قد انطلقت من الواقع لتقدمنا للعالم كأصحاب فكرة التزاوج الشرعي بين الروحانيات والماده.
إن الديمقراطية بمفهومها الصحيح ، والتعددية والحريات بأشكالها ،وعدم احتكار الحقيقة عنوان جامع لهذا العصر المعولم . وهو الاطار الأساس الذي يقوم عليه ويفعل العمل السياسي الدولي لتحقيق المصالح الوطنية والقومية للدول وشعوبها بشكل متوازن طبقا لقواعد القانون الدولي ومصادره المستقرة في ميثاق الامم المتحدة والمعاهدات الدولية في مختلف شئون الحياة كمرجعية . وهي مقومات قد تلاقت عليها الدول والشعوب ، ولا تلاقي بينها على مقومات المعتقدات الدينية وتعاليمها المختلفة التي لا تشكل لغة مشتركة بينها ، كما لا يشكل عدم تثويرها غاية منسجمة مع نمو العقل البشري ، حتى بات التزاوج بين الدين والسياسة فاشلا إن لم يكن مرفوضا.
فإلى أي مدى يتفق حراك الحركة الاسلامية في الأردن مع هذه المفاهيم ، وهل تتخلى عن توظيف الدين كوسيلة للعمل السياسي ؟ فإذا أراد المهتمون من القيادات الإخوانية عملا سياسيا ناجحا يحدث فرقا لصالح الناس والوطن ، فعليهم الخروج من قوقعة الحزب الديني أو الدعوي إسما وموضوعا إلى الحد المطلوب ، والإيمان بالتعددية وضرورتها والتفاعل الايجابي مع أي ظرف سياسي ، مع الحذر من تشكيل طبقة داخل مجتمعاتنا العربية والاسلامية فالإسلام جاء حربا على الطبقية ، وعليهم الإنعتاق تماما من شعار الاسلام هو الحل على قاعدة استنساخ الماضي بظروفه لمواجهة الحاضر بواقعه المختلف.
أمام المعنيين من قيادات الاخوان فرصة لتشكيل حزب أردني برامجي وطني خالص ببعده القومي ومرجعيته المدنية ، بمعزل عن الحزب القائم ومرجعياته وبمعزل عن التنظيم العالمي ، على أرضية النظرة الشمولية للإسلام وللمجتمع بكل أطيافه ، وإن لديهم كأشخص معروفين بنظافتهم وسمو خلقهم ، قاعدة شعبية أردنية عروبية متمسكة بالاسلام كهوية وكثقافة ، وتواقة للإصلاح الجذري الذي ينتج التغيير والعدالة الاجتماعية في دولة مدنية ،بعيدا عن الدخول في متاهة الخلط بين الشأن الشخصي المعزول عن المجتمع وبين الشأن المجتمعي . فهناك قناعات ترسخت بأن العبادة والفروض لا تخص المجتمع بل تخص الفرد وربه ، وليس مناط تطبيقها وتقديرها ولا ثوابها وعقابها بأحد اخر، وبأن الحكم والحد فيها هو بيد لله ، والله مدرك للنوايا وعقابه أشد ورحمته أوسع.