مناورات بالأسلحة الاستراتيجية

اعتدنا على سماع أن ما يمر بين الرقة ودير الزور هي سياره حمراء . وهذا مظهر ربما يكون رومنسيا أو حضاريا بالنسبة لسكان تلك المنطقه . ونرى اليوم ودون مرحلة انتقاليه، أن ما يمر بينهما هي صواريخ مجنحه عابرة للقارات ، وطائرات توبولوف 160 الاستراتيجية ،قاذفة القنابل النووية و الأقوى في العالم . ونرى الأقمار الصناعية الروسية غيرت مداراتها السابقه لتظلل الرقه ، فهل نحن أمام حقيقة وما طبيعتها ؟ .
إن استخدام روسيا لمثل تلك الأسلحه لأول مرة في سوريا ، يثير التساؤل عما إذا كانت عصابة مافيوية تتمركز في مدينة الرقه تمثل خطرا كافيا على اراضيها ومصالحها الاستراتيجية العليا ، أو تمثل معجزة عسكرية يستحيل مواجهتها والتغلب عليها بالأسلحة النوعية المجربه التي تختزنها ؟؟؟ . وإذا قلنا بأنه لا أحد يستوعب ذلك ، فهل يكون استخدام روسيا لتلك الاسلحة هو على سبيل اجراء التجارب الحيه لاسلحتها ، معتبرة الاراضي السوريه يابسة دوليه بلا سكان ، ومياهها بحار دوليه ؟. فمع أن ذلك امر قد وقع على الارض فعلا ، إلا أنه لا يبدو هدفا مقنعا وخاصة لدولة تقوم أيدولوجيتها تاريخيا على قيم تنافي ذلك ،
لكن روسيا شهدت وهمية وخداع الأرضية السياسية لهجوم الولايات المتحدة على العراق بأسلحه ذات قدرة تدميرية عاليه استخدمت لأول مرة على اهداف بشرية ومادية حقيقية دون مبرر عسكري لمواجهة جيش منهك بأسسلحه متهالكه ونظام محاصر كان مستعدا للتعاون والتفاهم . ومع أن ذاك الاستخدام المكلف لم تتحمل نفقاته أمريكا بل غيرها ، إلا أن روسيا ونحن معها لا نستطيع القطع بأن الإستخدام الأمريكي لتلك الاسلحة بذاك الثقل الكمي والنوعي كان رهنا بتغطية الكلفة المالية من الغير. بل لا بد وأن يكون هناك هدف أعمق مرسوم
إن روسيا التي ابتدأ تدخلها في سوريا معقولا من حيث ثقله العسكري ، قد طورته فيما بعد ليقلد الفعلة الأمريكية في العراق وتدفع فاتورته العاليه بنفسها رغم وضعها الاقتصادي والمالي الرث . وإن هذا التصعيد الروسي قد أعقب سعي امريكا لإعاقة خيارها السلمي الذي يؤمن لها الخروج الآمن من ورطة مكلفه . مما يعني أن روسيا تلتقط اللحظة ذاتها التي التقطتها امريكا في العراق. وهو ما يشير الى تطور في الموقف الروسي . حيث أن تأمين روسيا لمصالحها في سوريا قد حصل بمجرد دخولها كطرف يدير العمليات بشقيها العسكري والسياسي نيابة عن النظام وايران ، وأن مصلحتها في قهر الارهاب كسبب تدعيه لتدخلها هو هدف مستلزماته مؤمنة لها بأسلحة أخرى متاحة لها و يسندها فيه كل العالم ، ؟
ان روسيا قلب الاتحاد السوفيتي السابق الذي أنهكته أعباء القطبية الثنائية ، لم تتخل عن ذاك النظام من أجل هدنة ولا من أجل عالم تسوده أحادية القطبية ، بل كاستراتيجية تمثل لها رؤية متوازنة تضعها في عالم متوازن المصالح هاجسه الأمن الجماعي بعيدا عن كلفة الحرب البارده وسباق التسلح . إلا انها وبعد عقد من الزمان وجدت أنه ما زال ينظر إليها كاتحاد سوفيتي مستهدف .
لقد لاحظت روسيا أن نظام أحادي القطبية قد ترسخ وترسخت معه عزلتها ومحاصرتها حين استخدمت أمريكا الارهاب كآلية لتصبح قاضيا وشرطيا لهذا العالم . ولم يبق أمام روسيا اليوم إلا أن تستغل الظرف وتستخدم نفس الآلية لتعلن من خلالها رفضها للسلوك الأمريكي وتفرض نفسها ومصالحها . فبحجة الارهاب ذاتها دخلت روسيا بثقلها الى سوريا وبحجة الارهاب تصعد وتستعرض آلتها العسكرية وتبني تحالفات موازية وتمارس نفس عربدة امريكا لتقلب الطاولة .
ومن تابع اجتماع بوتين في وزارة الدفاع قبل أيام مع اركان حربه في بث مباشر على قناة RT الروسيه الذي ضم مئات الخبراء وتقنيات التواصل يلاحظ استعراضا تمثيليا ضخما لغرفة عمليات متكاملة على أعلى مستوى ، وفيها القائد العام يتواصل مباشرة مع قادته الميدانيين ويعطيهم التعليمات المباشره . أما الهدف الوهمي المعلن لكل هذا هنا فليس صدام العراق بل داعش سوريا ، لكنه في الوقع يبدو وكأنه مشهد تلويحي فيه محاكاة لحرب عالمية قادمه .