ليس من متابع لمأساة السنة المتنامية في العراق كما ونوعا وصل حد التطهير الطائفي ونكران الهوية والمواطنيه ، إلا وتستوقفه التساؤلات أمام فشل تفاعل معادله بشقين متناغمين هما ، بساطة ومشروعية المطالب ، وسهولة المعالجة . وليس من تفسير لهذا الإصرار على استهداف المكون السني العراقي إلا في سياق نتائجه عندما نراه يستخدم كوسيلة لعدم استقرار العراق أو تقدمه خطوة للأمام نحو مفهوم الدوله ، مستقلة كانت أو غير مستقلة . والمستهدفين (بكسر الدال ) هم من يصنعون العجز السياسي الذي يحول دون الحل لإبقاء سنة العراق رهينة لا يمكن تفسيرها إلا في سياقات مكنونة لصالح خطة سياسية مستقبلية ليست في صالح العراق وشعبه . ولا يكفي القول بأن الجهل والحقد الطائفي أو القومي وراء ما يحدث . وقد جاء الموقف والسلوك الرسمي العراقي من الغزو الإرهابي الداعشي القائم على المناطق السنية ليكشف عمق الاستهداف للمكون السني من خلال تحييده وتشتيته والاصرار على عدم تسليحه .
ومن العبث السياسي هنا ، أن لا نربط ذلك بالتخوف الايراني الناشئ عن تسليح السنة ، سواء من قبل جهة دولية أو عراقية ، لكونه قد يشكل حافزا للسنة للقيام بخطوة سياسية لتفعيل المادة 119 من الدستور كوسيلة لحماية وجودهم والمحافظة على كينونيتهم السياسية على ارضهم في اطار وحدة الاراضي العراقية وسيادته . وهذا التخوف الايراني ليس فقط من واقع أنه يفقدها ورقة سياسية أساسية تستغلها دوليا لملفاتها ، بل لما يشكله على الارض من بقاء العراق ممزقا ومنهكا وصولا لتثبيت وتقنين السيطرة عليه وعزله عن الوطن العربي ، إن ايران ماضية في ترجمة مقولتها العلنية على لسان مستشار الرئيس الايراني من أن العراق وايران هما جغرافيا واحدة لا تتجزأء ، والرسميون العراقيون لم يفكروا حتى بمجرد طلب تفسير لهذا الكلام من المسئولين المسولين الايرانيين أو من سفير ايران في بغداد حتى لو كان مندوبا ساميا . والجامعة العربية صمتت ، والعراقيون من زعماء المليشيات والكتل السياسية قد صمتوا . .. وهذا في الوقت الذي يرى فيه الجميع أحزاب ومليشيات ايران العراقية يحكمون سيطرتهم على القرار العراقي عسكريا وسياسيا ، ولا نرى مقابل ذلك حزبا سياسيا سنيا جامعا ، بل تشظيا ، ومحلا للاستقطاب السياسي من خارج مكونهم .
يعلم الجميع أن هناك ثلاثة أطراف فاعله تتعامل مع المكون السني في العراق وتؤثر في صنع المأساة وبقائها أومعالجتها ، وخيارها الحقيقي للأن هو ما يجري على الارض ، وهي ايران بامتداداتها العسكرية والسياسية في العراق ، والحكومة العراقية بملاليها ، والولايات المتحدة . ويبقى لتاريخه ما غيرهم بما فيهم القيادات والزعامات السنية العراقية ، والأنظمه العربية والمجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة مجرد متفرجين أو معلقين ، أو يتعاملون خجلا وتمويها مع مظاهر وأعراض المأساه.
وأمام موقف كهذا لللأطراف الثلاثة ورابعها الصامت ، أقول ، لو كانت هناك جرأة على تحديد الاجابة على المطلوب من مصير للسنة والعراق ، ولمصلحة من ، ستكون هناك إضاءة تنير الطريق للتعامل العربي والسني العراقي المنطقي مع المشكلة وحسمها بأيسر الطرق التي كفلها الدستور . فالحيثيات المطروحة أمام العالم وأمام أي مؤتمر كافية للجوء سنة العراق لحل دستوري وجذري متاح ينقذهم وينقذ وحدة العراق وسيادته بآن واحد ويسحب الورقة من ايران وأزلامها .
فالعراق الجديد قد قام على دستور بنظام اتحادي فدرالي يؤمن حقوق وحماية كل مكوناته ضمن وحدة التراب الوطني ، والمادة 119 منه أسست ومهدت الطريق للحفاظ على هذا الهدف ، وذلك عندما أعطت الحق لأي محافظة أن تشكل بذاتها أو بالاشتراك مع غيرها إقليما برغبة سكانها و بالمواصفات المنصوص عليها دستوريا والتي كرسها الأكراد في إقليمهم . إن هذا التمهيد الدستوري لم يأت عبثا بل جرسا يحذر من الطغيان والإنحراف عن حماية تلك الحقوق التي أصبحت مستهدفة بوعي وإمعان . والدستور العراقي لم يضع تلك المادة ليقتصر تفعيلها على إقليم واحد هو كردستان وتبقى 15 محافظه تشكل أقليما ثان ممثلا بالحكومة الفدرالية ، فالوقوف عند إقليم واحد للأكراد فقط يشكل حالة سياسية غير صحية لما يسببه من استقطاب واستفراد نشهده اليوم .
إن قرارا بلجوء سنة العراق للإستحقاق الدستوري سيشكل رسالة الى كل الأطراف العراقية والاقليمية والدولية المتعامية عما يجري في العراق وطنا وسنة ، مفادها أن حماية مكونات شعب العراق ، ووحدة ترابه وسلامة سيادته وقراره الوطني المستقل أمر بات تحقيقه يستلزم إقامة الإقليم أو الأقاليم السنية من محافظتها الخمس بكل المواصفات الدستورية . فهذا ما يكسر الارادة الإيرانية على العراق ، ويعقد مشروعها ويؤمن الأساس الديمقراطي للدولة ويحفظ وحدة وسيادة ترابها ، ويضع الشيعة من ذوي الانتماء العربي في بقية المحافظات في مواجهة الاحتلال الايراني لمحافظاتهم وقرارها .
إن هذا الحل الجذري الدستوري المتاح لا يتم إلا بلم الشمل لكل زعماء وقادة ورموز وفصائل السنة في حزب أو تجمع وطني واحد وتوافقهم للخروج من دوامة الذبح والتهميش والتشرذم وتجاذبات ايران وسلطتها في العراق أمام العجز العربي .وسيقف العالم كله مع حقهم هذا .