داعش وسيلة عظمى لقوة عظمى

لم يعد هناك من لا يدرك أن داعش لا يبدو هدفا استراتيجيا لقيادة التحالف ، ولا إلى أي من ايران وتركيا وإسرائيل. وليس أي من هذه الجهات بدورها هدفا لداعش . ، فرأس التنظيم ليس هو المطلوب . بل إن حماية رأسه وبقاءه وتمدده وتمويله هو المطلوب لإكمال دوره المؤدي للهدف الاستراتيجي ، فهذا التنظيم قد تم تمكينه من أن يصبح القوة العظمى في ساحات القتال ، والممارس الوحيد للإستراتيجية العسكرية الإحترافية ، ليكون الوسيلة العظمى لتحقيق الهدف . وهو لا يواجه من الولايات المتحدة إلا بالشتم والمضاربة والمشاغله ، وبالحفاظ عليه وعلى نهجه بنفس الوقت ، حتى ينتهي دوره في جعل الثقافة الاسلامية العربية محل شك وتشويه ونقاش وخطر من ناحية ، و تحطيم الأنظمة وتغيير طموحات شعوبها وجعل منطقتنا محلا لتهيئة واقع اجتماعي يائس، وجغرافي وسياسي مدمر وفوضوي من ناحية ثانية ، وصولا لجعل الهدف المتوخى ضرورة منطقية التطبيق أمام العالم وعرب الإقليم . وأعتقد أن بائع الجرائد أصبح يلاحظ ذلك . ولكن الكلمة ليست له .

وإن إدارة التوحش التي وردت في كتاب إدارة التوحش لمجهول الهوية ابو بكر ناجي ، تتلاقى تماما مع الفوضى الخلاقه التي يضطلع بها التنظيم ولكنه يقف عندها ولا يقترب من المرحلة الوهمية المدسوسة في الكتاب بمواجهة امريكا واسرائيل . إنه تنظيم يتمدد في أماكن معينه من موقع لأخر ومن دولة لأخرى ولكن بحساب وباستراتيجية عسكرية لا تجارى . فهو مثلا لا يتمدد للأن في اليمن مع انها ساحة كل ما فيها ينادي الارهابيين ولا أسهل من دخولها ،بل رأيناه يدخل السعودية لمساعدة ايران في استغلال واضح للطريقة التي واجهت بها السعودية مد الفوضى الايرانية لليمن ، والتي لا تقوم على منظور وأساس سياسي وشمولي محسوب . وهذا يعني أنه تنظيم مرعي وليس بسيد لنفسه ، ولا هو بلاعب سياسي ، ولن تكون له حصة في المحصله . أما الهدف الأستراتيجي لقيادة التحالف وأعني أمريكا من هذه الحرب فهو هدف سياسي مخجل لا يتم الاعلان عنه، ومع أن أحدا لا يعرفه على وجه التحديد إلا أن ما يجري في المنطقه والنتائج المؤدية اليها الحرب هي المؤشر الوحيد على الهدف وقد نشرت وتنشر فيه سيناريوهات متعددة ومضمونها واحد ونحن فيها جميعا الأردن الكبير ، ونموذج الفاتيكان في مكه .

إن من لم يكن يدرك ذلك من دول التحالف والاقليم والعالم أصبح يدركه . وإن إدراكه من أي طرف واع في المنطقه يعني ضرورة اتخاذ هذا الطرف لقرار وطني واعي لا يخرج عن مسارين . فإما الإنخراط لدفع الأذى عن نفسه أو للحصول على مغنم ، وإما خروجه من المسرحية في إطار وطني شعبي واع ومتماسك. ونحن العرب ما زلنا خارج المسارين وننكر المسرحية . أما الطرف الذي يدرك أو أدرك المسرحية الهادفة من خارج المنطقه والمتمثل بالمجتمع الدولي فقد أخذ دور المتفرج والناصح حتى أن الأوروبيين بدأوا من واقع انكشاف اللعبة ورضوخههم لها بالحديث عن حلول سياسية في المنطقه . إنهم عمدوا لذلك وهم يرون أمريكا تزبل قرارات مجلس الأمن تحت الفصل السابع بشأن اليمن وتجبر الشرعية والسعودية على شروط الحوثي الإيراني والتوجه لجينيف رقم 1 في ترسيخ واضح للحالة اليمنية القائمة على الأرض وترسيخ حرب الفوضى والاستنزاف وإقحام السعودية بالفوضى

ففي العراق ابتدأت ايران حذرة مع بداية التحالف وراضخة لإخراجها منه .وبدت الحكومة العراقية واضعة بيضها في سلة امريكا والتحالف . وبعد انكشاف اللعبة وعدم جدية أمريكا المتمثل بدورها العسكري الاستعراضي والسياسي التقطت ايران اللحظة وبدأت باستغلالها وانضم العراق وملاليه لها على هدف مختلف بينهما في الواقع ، ومتفق في الظاهر. فالعراق يريد الدفاع عن نفسه وتحرير أرضه ، وملاليه يريدون المال وتنفيذ اجنداتهم ، وايران تريد استغلال الوضع لتحقيق أهداف سياسية لها تتمثل في مطامع استراتيجية في العراق وأخرى سياسية تتجاوز خدمة ملفاتها العالقة مع أمريكا والغرب الى الحصول على اعتراف دولي بها كقوة اقليمية منافسة لاسرائيل وتركيا في السيطرة على مجمل الاقليم في المرحلة القادمة . وأمريكا أسقطت الفيتو العربي وترى في التدخل الايراني هذا معينا ومساعدا لها في خلط الأوراق وتأجيج المنطقه ، معينا يرقى لحليف غير معلن . وما الحشد الشعبي وتدخله في تحرير المناطق السنية إلا لسببين هما إحكام ولاية ايران السياسية والجغرافية على العراق مستعينة بتأجيج الصراع الطائفي من ناحيه ، وعدم تمكين المحافظات السنية من تشكيل اقليمهم على خطى الاقليم الكردي من ناحية ثانية . لأن من شأن ذلك أن يفقدها ورقة ويحول الصراع الشيعي السني في العراق ليصبح بينها وبين شيعة العرب العراقيين .

إن النظام السوري وحزب الله وميليشيات العراق وقادته والحوثيين هي مخالب عسكرية للسياسة الايرانية بتفهم أمريكي ، وإن الجيش الحر والفتح والنصرة وكل التنظيمات الاسلامية المحاربه ذات الطابع السني هي مخالب سائبة تعرض نفسها للبيع مقابل دور ودعم ولا يجمعها جامع . فهي دائمة البحث عن حليف ممول أو نصير ولا تجده ولكن بقاءها لا يقل أهمية عند امريكا عن بقاء غيرها . أما داعش الرقم الصعب فهو مخلب الأسد الضارب في المسرحية ولديه كل أدوات الاستشعار عن بعد . ووصل لمرحلة التكامل والتعاون على الأرض مع مخالب ايران ، إنه بالتأكيد خارج المعادله السياسية على الأرض .

إن أساس البلاء هو التحالف الأمريكي الصهيوني مع الشيعة السياسية فرضته تحقيق الأهداف الأمريكية . لكن تركيا في مأمن واسرائيل في مأمن وايران في مأمن وداعش في مأمن وتتوجه بأوامر الكندور، أمريكي كان أو صهيوني أو ايراني ، والدول العربية هي محل المؤامره والمبحرة بلا بوصله . وصداقتها مع الولايات المتحدة كانت وما زالت تقوم على تقاطع المصالح الكبيرة مع المصالح المسخ . وعند عدم تلاقيها تتحول الصداقة الى أفخاخ ومكائد بلغة الدجل الدبلوماسي والمثال السعودي قائم . فهذا التنظيم لم ينافس أو يحتك مع ايران في اليمن أو في العراق أو في أي مكان أخر .وإن عدم استهدافه للأردن أو لغيره لتاريخه لا يعود لوجود جيش قوي ومتماسك ، فهذا موجود في مصر والسعوديه ولم يمنع داعش من الوصول لهما ، بل إن كل من لا يستهدفه هذا التنظيم هو بسبب عدم وصول الأوامر أو الضؤ الأخضر. والدولة التي لا يطالها التدمير سيطالها التغيير .ومن يشعر بالأمان والثقة فلأن دوره متأخر قليلا لحاجة لهم ، لكن مصيره أسوأ

إن اللحمة العربية على صعيد الأنظمة هي في أسوأ حالاتها ، وقنواتها مغلقة على بعضها ومفتوحة على كل من يمثل لواحدها قشة النجاة من الغرق. ووقت فراغها تعبئه بمسائل لا طعم لها ولا أولوية وجلها من قبيل خلق شماعات الفشل وليس أمامها الا الغول. لتصبح المكاشفة العربية ضربا من الخيال. أما الشعوب العربية فأصبح اليأس يتملكها . وتعظيم النفاق يستحوذ على عقولها ولا تسعى إلا لقوتها هنا وأمنها هناك، ولا يشط تفكيرها خطوة بالمستقبل .

وأتساءل هنا ، هل هناك من دولة عبر التاريخ واجهت خيانة الحليف ، وافتقدت الحليف البديل في لحظة استهداف ولا تلجأ قيادتها لشعبها ؟. إن الدول العربية كلها اليوم مستهدفة بأنظمتها من قبل حلفائها . الوطن والنظام والشعب هم اليوم أمام مصير واحد. ومن هو هذا الذي لا يعرف بأن كل طاولة عليها دوما خروف يجلس مع الجالسين على كراسيها ؟، ونحن اليوم هو الخروف على هذه الطاولة وعلينا أن نهجرها . وليس هناك من لحظة تاريخية أحوج من هذه اللحظة لتحالف الأنظمة العربية مع شعوبها فهذا هو الحلف المقدس والأقوى وهو السياج الذي لا يخترقه عدو ولا تنفذ منه مؤامره . داعش مجرد أوراق لعب لا تفكر ولا تتكلم ولا تتحرك ولكنها صممت وبرمجت لتربح موجهوها ومحترفوها . لا تراهنوا على طائرتكم ولا دباباتكم ولا جيوشكم في مواجهة من نفس نوعها حين لا تكون متكافئه ، بل على العقلية الاستخبارية والحنكة السياسية والشرافة الوطنية من وحي الوطن وضمير الشعب . فهل يكون لأردن مثالا جريئا يحتذى .