نعلم أن العملية التربوية والتعليمية عندنا تعتمد اسلوب التلقين بدلا من اسلوب توجيه النشئ للبحث، ونبتلع ذلك. لكن ما يصعب بلعه هو ، كيف لواضعي مناهجنا المدرسية ، التاريخية منها والدينية أن لا يستندوا فيها إلى البحث والتوثيق العلمي لما يعطى أو يلقن للنشئ من معلومات ، وهو أضعف الإيمان ، حتى لا تترسخ في أذهان الجيل بهذه الحالة الكثير من المفاهيم الخاطئة والثقافة الدخيله ، ومنها الضارة في قضايانا . وأنا هنا أترك جهل أوتجاهل المسئولين عن السياسة التعليمية في تضمين المناهج لأي ذكر عن تاريخ يهود الخزر الموثق ، الذين يحتلون فلسطين اليوم باسم بني اسرائيل ، والذين خاضت معهم الخلافة الاسلامية حربا امتدت لمئة عام . أتر ذلك لمقال أخر ، وأتناول هنا باقتضاب مفهوم العبرية كما فرضوه على الجيل وكما هي الحقيقة .
وبهذا أقول كيف لواضعي المناهج المدرسسية وخاصة في فلسطين والأردن أن يعرفو لنا كلمة او مصطلح العبرانيين بكل بساطة ، على أنه مرادف لليهود ومشتق من عبور يوشع وجماعته المفترضين لنهر الأردن الى فلسطين أو لعبورهم لأي نهر اعتباطا قائما على الجهل أو على أقوال مدسوسة فرض علينا توارثها ، دون أي محاكاة للعقل أو بحث تاريخي او استحضار لأراء علماء وأساتذة اللغات القديمة والتاريخ والأثاريين خلال القرنين الأخيرين . ودون قراءة فاحصة للتوراة التي تؤكد على عدم ارتباط الكلمة بابراهيم او بني اسرائيل . ولست هنا لضيق المكان بصدد تبيان سطحية وخطأ التعريف ومجافاته للمنطق أو تفنيد أسسه السطحية وأقلها أن كل الأمم عبرت الانهار قبلهم بألاف السنين . ولكني أكتفي يإلقاء الضوء التاريخي الموثق على هذا المصطلح ومم اشتق ولمن يعود وكيف تم السطو عليه .
بداية فإن البحث الشامل والمعاصر تاريخيا وأثاريا ولغويا ينفي وجود أي قول مسند من مؤرخ أو باحث أو من عالم لغات أو آثار يشير أو يثبت بأن مصطلح عبراني مرتبط أو دال أو خاص بأية جماعة أثنية أو عرقية أو دينية معينة عبر التاريخ , أو أنه يخص ما اتفق على تسميتهم باليهود , وينعدم وجود أدنى إثبات تاريخي موثق أو بحثي أو نسق ميثولوجي منسجم يشير لغير ذلك . وإن ما يؤكده البحث الموثق ، أن معنى وأصول مصطلح عبري مرتبط بجماعات منسلخة عن قبائل وأصول وأعراق مختلفة كانت تعرف تاريخيا بإسم العبيرو أو الهبيرو Hapiru –Apiru . يجمعها نمط معيشتها فقط ، حيث كانت تعيش وتتنقل في الصحاري وعلى أطراف الحواضر بنمط حياة بدائية واجتماعية وضيعة ، يلبسون الجلود ويمتهنون الإسترزاق بطرق الغزو وقطع الطريق والتسول والتجند في خدمة الأقوام الغازية وبيع بعضهم رقيقا . حيث من هذا المصطلح التاريخي الذي يعود لتلك الجماعات اشتق كتبة التوراة وأحفادهم في فترة لاحقة مصطلح عبراني وخلعوه على أنفسهم أو احتكروه ليوحوا بأن لهم عرقا موحدا وعريقا يدعى العبرانيين . وقد عثر على اسم العبيرو والهبيرو ومرادفاتها في مختلف اللقى والنقوش والكتابات والوثائق الخاصة بالشعوب القديمة في مصر وبلاد الرافدين وفلسطين وسوريا بدءا من 3000 ق م وقبل ظهور سيدنا ابراهيم وموسىى واليهود بحوالي ألفي عام. فذكرهم السومريون والاشوريون والبابليون ووثاق تل العمارنة ونصوص مملكة ماري باسمهم وبوصفهم المشار اليهما كخليط لا يربطهم عرق واحد ولا قبيلة ولا معتقد.
وبهذا يؤكد الكثيرون ومنهم عالم اللغات القديمة وأستاذها في جامعة ميشغن وعالم الآثار الأمريكي / جورج مندنهال أن كلمة عبري لم تكن يوما تشير الى شعب معين أو إلى اليهود على وجه التخصيص ، بل أنها مشتقة من كلمة عبيرو أو هبيرو التي كانت تشير الى مجموعات بدوية تغير على الدول والكيانات المستقرة . وأن الحاخامات والكتاب اليهود قد استغلوها فيما بعد للتمويه والدلالة على اليهود وأصبحت تطلق على أتباع موسى باعتبارهم من القبائل الرحل . وكما أن درايفر أستاذ اللغة العبرية في اكسفورد قد أكد في مقالة له في دائرة المعارف البريطانية أن الحاخامات في فلسطين هم الذين صاغوا اصطلاح عبري للدلالة على اليهود في وقت متأخر . ويضيف درايفر أن ما يثبت أن صياغتها جاءت في وقت متأخر هي أنها- أي كلمة عبري – لم تكن مستعملة في روسيا للدلالة على اليهود إلا بعد القرن الخامس عشر للميلاد … أما كلمة عبري (عبريت ) وعبراي بالآرامية فقد صاغها حاخامات فلسطين في وقت لاحق للدلالة على اليهود في وقت متأخر. وأن تسمية إبراهيم بالعبراني كان يراد بها القبائل البدوية العربية ومنها بعض القبائل الآرامية التي ينتمي اليها إبراهيم .، وأقول هنا بدوري أن الكنعانيين هم من وصفوه بها …..وكما يؤكد العلامة أدولف كروهمان في كتابه العرب أن كلمة عبيرو قد حرفت الى عبري وأصبحت تطلق على أتباع موسى باعتبارهم من القبائل الرحل . بل أن الأشوريين لم يستعملوا كلمة عبري للدلالة على اليهود حيث أن سنحاريب عندما دون بين 781و 705 ق م تفاصيل حملته على يهوذا سمى حزقيا حاكم يهوذا بإسم حزقيا اليهوذي ( أي من يهوذا كجزء من التلال الجنوبية في فلسيطين ) ولم يستعمل كلمة عبراني . وهو ما ذكره الباحث الأمريكي جيمس برتشارد في كتابه علم الآثار والعهد القديم .
ومن ناحية أخرى يستطيع القارئ أن يعود الى قصة يوسف في سفر التكوين ليتأكد من عدم ارتباط مصطلح العبرانيين ببني إسرائيل فالإصحاح 39 ف 12-14 من سفر التكوين الذي كتب في القرن السادس ق م يشير الى كلمة عبراني في إطار القصة التي تعود أحداثها للقرن التاسع عشر أو الثامن عشر ق م بالنص التالي (( نادت أهل بيتها وكلمتهم قائلة انظروا قد جاء ألينا برجل عبراني ليداعبنا , دخل إلي ليضطجع معي فصرخت بصوت عظيم )) انتهى النص وفي الفقرة 17 من نفس الإصحاح تقول إمرأة فرعون لزوجها ما نصه (( دخل الى العبد العبراني الذي جئت به إلينا ليداعبنا )) إن القارئ للنصين يدرك أن امرأة فرعون عندما وصفت يوسف أو اسمته بالعبراني هنا لم تكن تعلم لاهي ولا زوجها عن هوية يوسف الحقيقية ولا أنه ابن شخص إسمه يعقوب (إسرائيل )أو أنه حفيد إبراهيم العبراني مثلا حتى نقول بأن كلمة عبراني في العبارة مرتبطة ببني إسرائيل .. بل أن كل ما كانت تعرفه امرأة فرعون عن يوسف هو أنه عبد مشترى ومجهول الهوية كغيره من العبيد الذين يتم شراؤهم من الخارج فدعته عبراني. والفقرة 43 من الإصحاح 31 من سفر التكوين تؤكد ذلك كما تؤكد وضاعة تلك الجماعة من خلال رفض المصريين في الجلوس معهم على مائدة طعام وهو ما ما ذهب اليه المختصون مثل ثورير ثوردارسون استاذ اللاهوت في جامعة ايسلندا الذي قال اعتاد المصريون على تسمية الجماعات النازحة من البادية ومن جهة فلسطين الى مصر بالعبرانيين
وأخيرا فإن القرآن الكريم لم يذكر كلمة عبري أو عبرانيين والعرب في زمن الرسول (ص) ولم يعرفوا اليهود ولا بني إسرائيل المفترضين بغير هاتين التسميتين .
|