غماية حصان باتجاه ايران، فخ

أكتب هذا المقال المتعلق بما يجري في اليمن بشئ من خبرتي العملية فيه ، بالتزاوج مع رؤيتي السياسية للأمور . وفي هذا أقول ابتداء أن النتائج لعاصفة الحزم على الأرض قد حققت لتاريخه أهدافا اعلامية وإيحاءات سياسية دون الأهداف المعلنة . لكن الأمر لا يقرأ هكذا ببساطه . إن الحرب التي لا تحسم الموقف في زمن محدد تتحول الى معارك ، والمعارك هنا تأخذ شكل ومضمون الحرب الاستنزافية ، والاستنزاف في حالة عاصفة الحزم محله اليمن والسعودية ويطال الموارد البشرية والمادية والطاقات المفترض توجهها لغاياتها الأساسية ، كما يعزز خطأ أرضية معالجة الخطأ المفترض تصليحه ، ويشكك في قدرة ومصداقية من بادر لتصليحه . بمعنى تحول الحرب من حرب على الخصم الى حرب له أو لغيره . نحن لا نريد هذا ولم نتوقع كثيرا للعاصفة أن تفعل فعلها وتمضي للسكون . لكن أن تستحيل إلى حرب استنزاف طويلة يحشد لها الطرفان ويخسر فيها الطرفان فهذا لا يعني عدم وجود رابح من بقاء الحال واستفحاله ، بل أن طرفا أو أطرافا أخرى تكون هي المستفيدة .

وعلينا أن نقرأ قرار مجلس الأخير جيدا ، فهو يطالب الحوثيين بالتخلي عن أسلحتهم الاضافية التي استولوا عليها لا بتسليم كل أسلحتهم للدوله كمليشيا تحاول فرض نفسها كدولة عميقه بدعم خارجي ، ويدعو الى الاتفاق على شروط لوقف العنف وفي هذا رسالة مشجعة للحوثيين . والقرار يخلو من نية لعمل دولي عسكري يحسم الموقف وليس فيه ما يدعم أو يشجع على عمل عسكري عربي بل فيه ما يشجع على علك المعلوك .ولا يترتب على عدم تنفيذه سوى إضافة بضعة أشخاص ليخضعوا للعقوبات ، وإن طلب مراقبة المضيق والسواحل وما يدخل اليها من سلاح وغيره من قبل دول المنطقة هو إجراء إقائم من حين بدء العمليات العسكرية بحكم المادة 51 على مبدأ حق الدفاع عن النفس . إنه قرار باسم الفصل السابع لكنه منزوع من دسم الفصل وغايته ،

إن الحرب ما زالت محصورة على ارض اليمن دون حسم رغم اختلال ميزان القوة لصالح التحالف كما سمي . وتلكؤها قيد التحول لحرب استنزاف يثير علامات استفهام سياسية خطيرة لعدة أسباب ويجب التوقف عندها ، من أهمها أن اليمن كدولة لا يشابهها دولة في عالمنا وإن كانت عضوا في الأمم المتحدة . وما يهمنا هنا أن اليمن بشعبه صيد سهل لخلط الأوراق واستخدامها ، وتحقيق االتمرد والانفلات الأمني والاداري فيه أمر ممكن دون عناء بسبب توفر عناصر البيئة الاساسية لذلك على قواعد جغرافية بالغة الصعوبة ،وسكانية واجتماعية وثقافية قائمة وعصية على التغيير عبر العقود وربما القرون للأن . وبالمقابل فإن من السهولة بمكان أيضا تحقيق الاستقرار في اليمن على قواعد راسخة في شعبه تسقط استخدام العنف تماما ، وتكمن هذه القواعد في وجود سيكيولوجية واحدة لليمنيين وعقلية ، وثقافة متجذرة واحده ترفض التغيير والتطوير والتحديث ، واهتمامات مادية نفعية وعشائرية لا تفاوض ولا مقايضة على المس بها بعيدا عن المبادئ والأيدولوجيات . ولنا مثال في تمكن الرئيس صالح من تحقيق الاستقرار لعقود على هديها واستخدام آلياتها . وما تمكن الرئيس هادي من الهرب الى عدن .الا باستخدام وسيلة منها . كما لنا مثال ساطع في تعايش القاعده مع السكان على نفس القواعد الاجتماعية والنفسية .

أما لماذا يشكل هذا العجز عن الحسم وإعادة الاستقرار مع سهولة التحقيق سببا لإثارة علامة استفهام سياسية عميقة حول ما يجري في اليمن ، فذلك لأن خرق قاعدة سهولة تفكيك اليمن واشاعة الفوضى والانفلات فيه ، وسهولة إعادة للحمة والاستقرار اليه أمران مرهونان ليس فقط بعدم المساس بقواعدهما ، بل بعدم وجود وتدخل ارادة سياسية خارجيه فاعلة وغير محدودة القوة السياسية او العسكرية القادره على عدم تفعيل القواعد تحقيقا لمصالحها ، أو تفعيلها لصالحها . ومثل هذه الإرادة بوصفها هذا ، لا تتوفر إلا في الولايات المتحدة ، وليست ايران في هذا أكثر من أداة فاعلة ومستفيدة وليس الحوثيون أكثر من أداة تفعيل للأداة الفاعله . وليست هناك أرضية سكانية أو اجتماعية أو دينية تمكن بضعة من الزيديين من اختطاف المذهب الزيدي التي عجزت مناظرات القرون عن احتكاره من فبل فئة ، وعجز أتباعه على أقليتهم السكانية نسبيا عن بلورته على نسق فقهي متفق عليه أو على نسق يبعده عن سنة السلف الصالح ، فما يسود عقلية اليمنيين في هذا هو الدين الاسلامي دون مذاهب ، والعادات العربية القبلية أقوى من كل غيرها .

واستطرادا فإن هدف إعادة الاستقرار إلى اليمن لا يتم بالقوة في الظروف العادية وربما يستحيل في الظروف غير العادية . فحتى الاستعمار لا ينجح هناك بأي وسيلة أو ذريعة . .وإذا ما أضفنا ما توصلنا اليه من أن أمريكا إن لم تكن خلف ما يحدث فهو متسقا مع مصالحها ومخططها ، فإن دخول السعودية على الخط لتحقيقه بالقوة العسكرية على الشاكلة التي رأيناها ، سواء عن قناعة منطلقة من الدفاع عن مصالحها الوطنية او القومية ، أو من تشجيع خارجي أو كليهما ، فلن يكون إلا عملا معزولا عن أسباب نجاحه ليصبح فخا قد انجرت السعودية اليه لتكون هي نفسها الفريسة وليس اليمن ، في تماه مع متطلبات لمخطط واسع يشمل الاقليم ، وبوادره تتكامل على الأرض العربية في انقلاب يبدو على تقسيماتها السايكوسبيكيه . وما يجري لن تنجو منه دولة عربية واحدة ولا نظام واحد ، والهاجس هو المصالح الأمريكية الاسرائيلية ، فمهما اختلفنا وعزلنا أنفسنا عن بعضنا بشتى الأساليب ووزعنا صداقتنا وولاءاتنا وعداواتنا فنحن في نظرهم نبقى أمة واحدة وبناء واحد وهدفا واحدا . والخلاص لا يكون إلا بترجمتنا لهذه النظرة على الارض ، وبتفعيلنا لاستحقاقاتها على الأرض .

إن ما حدث ويحدث في اليمن على يد ايران والحوثيين هو في الأساس عمل سياسي غير معزول ، هم مجرد طرف فيه. فليس من الصواب النظر اليهم بكلا العينين دون النظر لغيرهم ، وليس هناك من بصيرة مع غماية حصان ، واستخدام القوة وسيلة ، هي لعبة تملك قواعدها السياسية وتجيدها أطرافها الأخرى المسماة وغير المسماه . وكان على السعودية والظرف ما زال متاحا أن يكون الدخول العسكري مستندا إلى دراسة شمولية في اطار ما يجري في المنطقة ،محورها التحقق من موقف امريكا السياسي والعسكري على الارض . ومن ثم التعامل مع ذاك الموقف بعمق بعمق وبشفافية ، والانطلاق منه للتحضير للعمل في ضوء النتائج المستخلصة ومدى التأثير المتحقق فيها ، ليكون العمل بالتالي في اطار عمل عربي سياسي استراتيجي يردفه توجه عسكري محسوب ومسبوق بمكاشفة وتصالح عربي عليه ، وتقوده مصر استنادا لظروفها الموضوعية التي تتميز بها عن باقي الدول العربية . وأنا في هذا أفترض تغييرا لما في العقول والخلفيات . وهذا ما يمهد لتغيير النهج .