نحن هبة الأوراق الضاغطه ونتجاهلها

نعلم أن حركة الانسان وكل مخلوق حي تقوم على ركيزتي الأمن والاقتصاد ، وينسحب ذلك على غايات وأهداف الدول ، فمن أجلهما كانت السياسة ، وكانت في خدمتهما تحقيقا واستدامة . وصدق الله العظيم إذ يقول “فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف” وأصاب صائغوا ميثاق الأمم المتحدة عندما جعلوا من تحقيق هذين الغرضين أساسا للسلم والأمن الجماعيين، بعد أن فشلت عصبة الأمم في تحقيقهما . ولعل المتابع للتاريخ القديم والحديث يعرف أن القوة الرادعة للدول هي ما يحمي أمنها القومي والسيادي ومصالحها ويؤمن حقها في استحضار وتوظيف أسباب تحقيق أهدافها الاقتصادية والتنموية واستدامتها وصولا لرخائها . وبالمقابل فإن افتقاد الدول لتلك القوة الرادعه يشكل من ناحية بيئة داخلية هشة تهيء لامتهان العمالة الأجنبية ، ويشكل من ناحية أخرى تكريسا لعوامل الفشل و التراجع والاستعباد والاندثار .فالقوة الرادعة وسيلة حياة وبقاء يفتقدها الضعفاء بشكلها التقليدي ولكنهم لا يفتقدونها بأشكال أخرى
لقد شاءت سنة الوجود أن يكون هناك أقوياء والى جانبهم ضعفاء . لكن هذه السنه لم تترك الضعفاء بلا وسيلة يدافعون بها عن انفسهم وأهدافهم المشروعة فرادى وجماعات ، بل منحتهم البدائل . وهذا ما كان وما زال في مجتمع مملكة الحيوان التي سيق وجودها المجتمع الانساني . فلسنا أقل عقلا ولا حبا بالحياة من سحلية تلتقط عودا من الارض تضعه في فمها حين تواجهها أفعى تريد ابتلاعها . وأتحدث هنا عن الأوراق الضاغطة وتحت أي نوعية أو صفة كانت ودون اعتبار لجدلية مشروعيتها ، فليس ذلك أقدس من حياة الدول وشعوبها حين تكون مستهدفة بلا مشروعية سوى مشروعية قانون البقاء للأقوى والحقوق للأقوى . إنها أوراق موجودة بحكم الطبيعه وطبيعة الأشياء والحياه . وعلى الدول الضعيفة أو المستهدفة التي لا تراها ، أن تتلمسها ، وعلى الدول التي لا تكفيها ما بيدها من أوراق أن تصنع ما يكفيها . ومن الطبيعي أن تسعى الدول المستهدفة لصنعها في كل الظروف وتدخرها.
إن امتلاك هذه الأوراق يشكل مصدر قوة رادعة هامة وضرورية للدول الضعيفة والتي لا تمتلك القوة العسكرية الكافيه ، لتستخدمها عند الحاجة أو تلوح باستخدامها ، وإن استخدامها والتلويح بها هو عمل مبرر لها . بل أن المفاوضات السياسية تصبح بدون تلك الأوراق مفاوضات لتقنين الاستسلام أو تكريسه دون كلفة . وفي كلا حالتي استخدام أو عدم استخدام الأوراق الضاغطه من قبل الدول ، فإن حكوماتها التي تستسلم لواقع ما أو ظرف تسميه قاهرا يمنعها من العمل لدرء خطر عن الوطن أو الشعب أو عن تحقيق هدف حيوي لها هو في الضرورة سلوك غير مبرر من تلك الحكومات ، ولا ينسجم مع مبرر وجودها المفترض أو الذي تدعيه لانتفائه . ولو نظرنا الى الدول الضعيفة نسبيا أو الأضعف لوجدنا بعضها قد استخدمت هذه الوسيلة ونجت من الافتراس ومضت تعيش محافظة على وجودها وسيادتها وأمنها ، لتذهب الدول المفترسة لافتراس الأضعف ممن لا تستخدم أو لا تجيد استخدام وسائل الدفاع البديلة المتمثلة بتلك الأوراق .
إن بلداننا العربية خرقت هذه القاعدة الطبيعيه متنكرة لقانون الطبيعه . ونحن لا نحملها ما حملته كوريا وايران والباكستان والهند من امتلاك للسلاح النووي ، فلعل تاريخا من التحالفات الغادرة عشناه ونعيشه الى جانب تاريخ من عدم الاستقرار والانشغال بالانقلابات على الكراسي ومن أجلها ، ثم تحولنا لسياسة القطرنة غير الراشدة التي فعلت أيضا فعلها مع أننا كنا وما زلنا أحوج من كل تلك الدول وغيرها . ولكن لا نبرئها من صنع وامتلاك ايران وغيرها لأوراق ضغط من داخلنا ومن مكوناتنا في لبنان وسوريا والعراق واليمن ، تدعمها لوبيات ايرانية ناشطة في كل الدول العربية، ولا نبرئها من امتلاك اسرائيل لأوراق الابتزاز الاقتصادي السياسي في أوطاننا . إن الدولة التي تفتقد للمال أو الحنكة السياسية لصنع مثل تلك الأوراق، تجد دائما أمامها ورقة متاحة وهي التحالف الاستراتيجي المتبادل الذي يتجاوز الصداقات التقليدية وتبادل المصالح في سلال المقايضات السياسية التي تستخدمه الدول القوية على حساب الدول الضعيفة ، كالحالة المصرية مع الاتحاد السوفيتي على عكس حالة كوبا معه في ذات الحين وعكس طبيعة علاقات دول عربية أخرى مع الولايات المتحده ، وكل ما شهدناه تحالفات استراتيجية من طرفنا فقط ، مقابل حماية واهمة تبقى في المحصله في سلة المقايضات الدولية أو تخضع لأولويات المصالح ، ولا نتكلم هنا عن الأسباب .
ولو تفحصنا مدى استخدام الاردن للأوراق الضاغطة فإننا نجد تراجعا واضحا في مجال استخدامها ، وربما لم نعد نحسن البحث عنها أو قراءتها القراءة المناسبه ، بعد أن كان الاردن يجيد ولسنين طويلة هذه الجزئية الرئيسية في اللعبة السياسية وكان من روادها في المنطقة ، يجتهد لخلقها ويحتفظ بها كدولة ضعيفة اقتصاديا وعسكريا . ونحن اليوم ما زلنا نواجه تحديات وقضايا حيوية لحاضر ومستقبل الاردن والقضية الفلسطينية ، فالحصار الاقتصادي والمالي علينا يفعل فينا فعله ، وحلم الوطن البديل أصبح يترجم على الأرض ، وحل الدولتين ملهاة قد انتهت ،، والاستهداف الممنهج للأقصى والقدس قائما، وما يجري في منطقتنا لسنا بمنأى عن نتائجه ، ولا نحرك مع كل هذا ورقه ، وقبل ذلك الجدار العازل يهدد أمننا السياسي والاقتصادي ويقضي على الدولة الفلسطينية ، وتأكل مفاعل ديمونه ينهشنا بصمت ، والأسرى الاردنيين في السجون الاسرائيلية تحول لورقة علينا وما حركنا ورقة . ونحن ما زلنا نقدم لأمريكا والغرب واسرائيل خدمات استراتيجية مجانية وقيمتها لا تقدر بثمن مادي . واعتبرنا اتفاقية وادي عربة التي تنقلب اسرائيل على كل ما لنا فيها بصمت مغنما . ولا ننظر الى حيويتها للغرب واسرائيل ومجمل عملية السلام من مدريد لليوم . وهي في واقعها ورقة ضاغطة حلوب بأيدينا لا نستخدمها ولا نلوح باستخدامها ،، فهل من سر ؟ أم أن هناك دولة عميقة تحكمنا بأجندتها ولا ندري فيها.