عمان – طهران الطريق الوعرة

إن التقارب الاردني الايراني الذي تجاوز شكله غير المباشر بعد أن تجاوز الزيارات و والرسائل والتصريحات الرسمية الى شكله المباشر المتمثل بالتلاقي والتزاو بين الاردن والشخصيات الديينية الشيعية العراقية صاحبة الميليشيات ، يمكن أن يكون أمرا عاديا وطبيعيا خال من الحمولات الزائدة لو تم في وقت كريم وبرئ يكون فيه الأردن معتبرا داخل أحلافه التقليدية ، أو لا تكون فيه ايران في أوج مجدها وراحتها السياسية والعسكرية وتقترب من حدوده على حساب المكونين العربي والسني وطنا وعقيدة . لا شك أن الأمر يحتاج الى تحليل في ضوء غياب التوضيح الرسمي الأردني . فهنك معطيات تولد تساؤلات مشروعة ، وليست إيران غافلة أو مغفله ولا الأردن يلعب من فراغ . فهناك حالة السلام بين ايران وأمريكا ومحاولات الأخيرة تقديم الاسترضاءات لإيران بل تنازلات يردفها ظهور ايران كقوه عسكرية ناجحه ومؤثره في اطار الحرب الدائره على مساحة الوطن العربي ، وهناك تفرد ايراني عراقي في التخطيط لحرب داعش في العراق لا يتفق مع معايير ورغبات أمريكا المعلنة والتي تقف عاجزة أو رافضة عن ردها ، يردفه بطش أشبه بالتطهير العرقي من قبل ميليشيات الحشد الشعبي ضد المكون السني في المناطق التي يدخلونها في المحافظات السنية ولن تكون تكريت أخرها ، بطش يقول لسكان تلك المحافظات لن تكونوا حكاما على مناطقكم . وهناك توجه ايراني سوري مع حزب الله اللبناني للسيطرة على مناطق في الجولان ومحافظة درعا والحدود الأردنية السورية ،وهذا يشكل أهمية أو أولوية للأردن كأمن وكجغرافيا ، وهناك ضائقه اقتصادية مالية أردنية مزمنة دون التفات عربي أو دولي لها ،وهناك تاريخ من الارتباط السياسي بين الأردن والسعودية . يردفه اليوم تشرذم عربي على مستوى القيادات التي تعيش حالة ضياع وفقدان ثقه . ويبدو أن كلا منهم يبحث عن طريقه أو خلاصه .

بالمقابل أصبح التواجد العسكري الإيراني على حدودنا مع سوريا أمرا واقعا مع غياب أي حل سياسي أو عسكري في سوريا ، بعد أن كانت ايران تقدم الاغراءات الاقتصادية والمالية والنفطية والسياحية للأردن ، وما زالت تعرضها . وكان رفض الأردن لتلك الإغراءات قائما على أساس أن همه الأول وأولويته هو في الحفاظ على أمنه وعلى حدوده والحرص على تحالف يقيمه مع أعداء ايران . وهو الهم الاردني الذي بات اليوم مهددا ليس من ايران فقط بل من كل أضلاع المثلث في المنطقة الذي يكتمل بتركيا واسرائيل . فالسياسة التركية ومهادنتها لداعش وتقاربها مع الاخوان يخيف الأردن .. وعودة نتنياهوا وزعرانه الى الحكم يخيف الاردن ، فهم لا يعترفون بحل الدولتين وجاهروا به اليوم صراحة ويرون أن الأردن هو جزء من فلسطين . فلا تبدو اليوم اسرائيل راغبة بالتحالف مع النظام الاردني بل ولا مجاملة له وتعتبره النقيض لها في هذه المرحله ، وأمريكا تبدو عمليا ناسية لشيئ اسمه الاردن . إن كل ذلك يجعل الاردن خارج سياسة الأحلاف التي تقوم عليها السياسة الخارجية الاردنية وتحمي بها وجود الأردن السياسي والجغرافي

إن النظام الايراني قد تعمد أن لا يهدد النظام الهاشمي يوما ولم يصعد الخلاف معه رغم وقوف الاردن مع عراق صدام في حربه مع ايران ورغم موقفه من الحرب القائمة في سوريا . والأردن يعلم ذلك ويعلم حدود مواقفه السياسية ويقف عندها ملتزما . وإيران تعلم أن الأردن بتركيبته السكانية وموقعه الجغرافي والديني يشكل لاعبا أساسيا في اللعبة الايرانية . ومن منا لم يلاحظ أن السياسة الاعلامية الاردنية تمسك العصا من وسطها إزاء ايران فتنأى عن مهاجمتها رسميا في حين لا تتدخل في مهاجمة القطاع الاعلامي الخاص للسياسة الايرانية وكذا السورية . ولا نغفل في هذه المرحله عن ما يكتب عن وساطة اردنية محتملة في الأزمة اليمنية التي تقع ايران في قلبها .

إنها خلطة لا تكتمل الا بأخذ الاردن موافقة ايران على التدخل في الشأن السوري العشائري ، خلطة تقول أن الأردن يواجه تجاهلا من حلفائه التقليديين ويتلمس طريقه لحماية نفسه وليست المبادئ ما تقوده بل الحاجات الاستراتيجية حين يفتقدها . ومن هنا نتساءل عن المدى الذي سينجر له الاردن على مستوى النتائج المخطط لها في حرب داعش . هل سيقبل أن يكون الاردن الكبير ؟ وهل سيكون جزءا من حل مشكلة السنة العراقيين سياسيا وجغرافيا أم سيعود لموقعه السياسي التقليدي إذا ما انتبهت امريكا والسعودية لحاجاته أو تغيرت سياسيتيهما. نحن الاردنيون نحتاج الى الشفافية اليوم أكثر مما مضى.