إنها مسئولية الشعوب

ان المستعرض للتاريخ العربي والاسلامي يخرج بنتيجة مؤداها ان الديمقراطية ليست جزءا من ثقافتنا ولم يشهدها تاريخ شعوبنا لا في فترات قوتنا وتسيد امبراطوريتنا ولا في فترات ضعفنا ، ونشهد بالمقابل أن نقيض الديمقراطية بأشكالها هي الموروث الثقافي لهذه الأمة من انظمة ابوية ودكتاتورية ، وطنية وغير وطنية. فمجتمعاتنا ودولنا ودويلاتنا القديمة والحالية كانت وما زالت دول رجال وليست دول مؤسسات.
هذا نهج حكمنا في جاهليتنا ونظامها القبلي وفي صدر الاسلام مرورا بمعاوية الامويين وسفاح العباسيين ثم تنصيب الأعاجم للخلفاء وعزلهم وسحلهم والى يومنا هذا الذي ينجح فيه الأجنبي في الاستيلاء على ارادة الأمة بمجرد نجاحه في صنع أو استقطاب حكام تحت حمايتهم أو ابتزازهم .
و ما زال هذا حالنا لليوم . وما زلنا نشهد شخصا يستطيع فرض نفسه سلطانا أبديا بما يتهيأ له من ظروف ويمتلكه من اساليب ، ونشهد المستحقات المدمره لهذا المشهد الشاذ نظرا لبقائه في ظروف دولية مختلفة . وهذا الموروث الثقافي ينسحب على الدول الاسلامية الى حد ما ولكن ليس كثقافة موروثة بل مكتسبة ، عمل عليها وعززها تضامن المقتدرين من الداخل والخارج ممن ليس لهم مصلحة فيها . فنرى الشعب الباكستاني الذي ولد مع الشعب الهندي وانفصلا في دولتين عاجزا عن ترسيخ الديمقراطية في حين ان الهند عاجزة عن ان تكون غير ذلك . كما ان تركيا الدوله الاسلامية الوحيدة في الحلف الأطلسي قد عاشت ردحا من الزمن تحت حكم العسكر وما زالت تصارع وتتأرجح مع واقعها الجديد، وكذا ايران التي يحكمها الملالي
ان المشكلة لا تكمن في الحكام ولا بارادة الاجنبي بل تكمن في صميم ثقافة شعوبنا الموروثة ، ومن هنا يكون مفتاح التغيير . فهذا لا يعني ان الفردية واللاديمقراطية هي قدرنا الى الابد ، فهناك الكثير من القوانين الطبيعية والاجتماعية تعمل على تغيير الموروثات وتطويرها عندما يصبح لذلك حاجة ومطلبا حيويا بفعل غريزة البقاء، وأمامنا قانون النشوء واالتطور وكيف أن مجموعة من القردة تطورت عندما وجدت نفسها خارج الغابات معرضة للفناء . وحالتنا مع تغيير موروثنا ونحن العقلاء ليست بعيدة عن ذلك فنحن قد أصبحنا خارج التاريخ وصناعه وخارج مفهوم الأمة وخارج أسباب التحول لدول حديثة قابلة للبقاء وللحياة الحرة المتطورة على نسق دول العصر
ان معركة الديمقراطية هي ام المعارك واقدسها بالنسبة للشعوب العربية . انها معركة الحفاظ على وجود نا كأمه ووجود وطننا ودولنا وتقدمها وسيادتها ،، فعلى أسس الديمقراطية تبنى الدول الراسخه القابلة للبقاء في عالم اليوم ، بعيدا عن الدول الهشة التي تنهار برحيل اشخاصها . انها معركة مغ الفردية وتأليه الأشخاص أو اسباغ العصمة عليهم . ان اسباب التخلف والمعاناة وهشاشة الانظمة والهزائم والتهديد بالزوال ومشاكل العصر سياسية كانت او اقتصادية او غيرها تجد اعشاشا لها في الوطن العربي في غياب الديمقراطية ، فهي التي تصوغ الدساتير وتطورها وتحميها وهي التي تبني أمة من دولة المواطنه ، وتأتي بحاكم حر مستنير يعيش بحماية وإرادة شعبه ولا مرجعية له غير شعبه . وهي التي تبني الانسان الواعي المنتمي والمالك لاعتباراته النفسية والقانونية ، وبها وحدها تبنى وتحمى الأوطان وتترسخ الدول .
إن السؤال الكبير هنا هو هل أن شيوع الديمقراطية في كل دول العالم هو مطلب وشرط وحاجة لكل دول العالم ، الجواب المنطقي المفترض هو نعم ، لأن هذا الشيوع هو شرط أساسي لتفاهم قيادات الدول بلغة واحدة وتعميم تبادل المصالح بنجاح وسلاسه ، وشرط لتعايش الشعوب وأمنها واستقرارها على أسس قانونية وإنسانية مشتركة . لكن إذا كانت هناك دولة ما أو دولا معينة لا تريد لهذه الديمقراطية أن تكون وتترسخ في دولة أو دول أخرى معينه كالدول العربية مثلا فهذا يعني على سبيل الحصر أن لا نية لتلك الدولة أو الدولتين الممانعتين لوجود الديمقراطية في الدول العربية في التعايش معها وأن المطلوب هو استهدافها بالتحطيم والاستعمار والاستباحة والزوال من الخارطة السياسية المؤثره ، وليس المطلوب هو مجرد ابقائها متخلفة . وهذا بحد ذاته خللا اعتباطيا ضارا في العلاقات الدوليه يرتكبه الحلف الصهيو أمريكي الذي يخوض ضدنا معركة عدم دمقرطتنا بكل الأساليب ويستبق بالاجهاض أي نزوع أو تحول للديمقراطية باي دولة عربية ويفرضون انظمة موالية لهم .
لكن الأهم هنا أن هذه الرغبة للحلف الصهيو امريكي ودوره في الابقاء على هذا الوضع اللاديمقراطي في بلداننا كأرضية تؤدي لتسهيل انحلالها طعما للأطماع الصهيونية ، ليست هي العامل الحاسم في حجب الديمقراطية عنا أمام قناعة وارادة الشعوب التي تريد الحياة والبقاء بعزة . والتاريخ بلا استثناء يحدث ويوثق بأنه لا الأنظمه المتعاونه ولا أنظمة الدكتاتورية الوطنية ولا غير الوطنية التي تعاقبت على الأرض كانت مؤهلة أو قادرة على عملية فتح الباب أما التغيير المطلوب ، بل كان خطرها وطغيانها وحب الشعوب للحياة والبقاء الكريم سببا في انتقال الشعوب لمرحلة الديمقراطية ، إنها مسئولية ومهمة الشعوب