سأل حافظ الأسد عبد الحليم خدام ، حامل الملف اللبناني ، قائلا كيف رأيت السياسيين اللبنايين وأنت عائد للتو من هناك ، فرد عليه خدام سيدي لم يبق هناك سياسيين لبنانيين والموجودين الأن هم زعران شوارع .
كان ابطال اللعبة على جانب عدونا وتناقضنا الأساسي ، هم جيل من عتاة الصهيونية وساستها التاريخيين ومفكريها وتلاميذهم ، وكلنا يعرفهم وأخرهم نتنياهو . وكانوا يفهمون تماما من هم ، ويعرفون أن نسبهم وأصولهم لا تمت لابراهيم وبني اسرائيل بصلة ولا تربطهم أي علاقة روحية أو تاريخية بفلسطين ، ولم تطأ أقدام أسلافهم يوما أرضها . ويعرفون أنهم غزاة وأن العرب هم أصحاب الارض وأصحاب الحجه . ويعرفون أن أمامهم هدف هو تحقيق مشروع استعماري استيطاني بفلسطين كوطن بديل لهم بعد زوال مملكتهم الخزرية . وهذه المعطيات لهذا الجيل وشيك الانقراض ، قد ترتب عليها سلوكهم الاستراتيجي سياسيا وعسكريا واستخباريا وإعلاميا وتحالفيا ، الناجح في التعامل معنا ومع العالم .
كان رجال هذا الجيل الراحل من السياسيين والمفكرين والمخططين ، هم من هيئوا كل الظروف لاحتلال فلسطين ، وعندما أنشأوا اسرائيل كانوا هم قادتها وروادها ومن يوجه سياستها في الخارج والداخل دون تأثير شعبوي يهودي داخلي عليهم وعلى سلوكهم . ودون وجود مجموعات غوغائية طامحة للحكم أو مراكز قوى مؤثرة عليهم في مجتمعهم الداخلي . فكانوا بمثابة خلفاء راشدين لليهود في العالم وفي اسرائيل . وكانت الفكرة الدينية والأحزاب الدينية غير متأصلة أو غير طافية أو مؤثرة في الحكم والحاكمين . بل كانت مجرد ذريعة استخدمتها الصهيونية مرحليا للحشد الأوروبي المسيحي مع خلق كلمة jew ومساوتها مع مصطلح بني اسرائيل . كانوا حريصين على توجيه معركتهم بحكمة وبعقلية المؤامرة والمسايسة ويستخدمون عقولهم مع سلاحهم لتحقيق أهدافهم الاستعمارية . ويمثلون أمام العالم دور الضحية الضعيفة المستهدفة التي لا تبغي أكثر من العيش بسلام والتفاهم مع العرب
اعتمدوا التعامل مع الفلسطينيين كشعب، بسياسة مختلفة عن سياستهم في التعامل مع الحكام العرب . فمع الفلسطينيين اعتمدوا الارهاب والابادة والتطهير العرقي تحت غطاء دولي لطردهم من فلسطين ، ومع الحكام العرب اعتمدوا اسلوب التفاوض المعلن المضلل والملغم والتفاوض السري الحقيقي وعقد الصفقات السياسية والعسكرية والاستخبارية في اطار نهج الاختراق وصنع الأعداء الأصدقاء . كما اعتمدوا شق الصف بين الحكام فيما بعد وتشجيع الانقلابات العسكرية ، والدكتاتورية غير الواعية هنا وغير الوطنية هناك . واشاعة كل ما يسهم في عدم الاستقرار السياسي في الدول العربية وأخيرا عزلها عن مسئولية القضية الفلسطينية . ابرموا معنا اتقاقيات ومعاهدات ملغمة فيها لهم مزايا استراتيجية ، وأعطونا وصرفوا لنا بموجبها فتاتا وأعادوا لنا بعض ما أخذوه أصلا للتفاوض والابتزاز مقابل ما توخوه من ثمن . وبالمحصله أعطونا شيئا ويعطونا ويعترفون ببعض الحقوق لنا ويعترفون أمام العالم بأننا بشر ولنا حق الحياة ولا يتوقفون عن طلب التفاوض معنا
جيل جديد من الحكام في اسرائيل يتولى المسئولية أو في طريقه لها ، ونتنياهو أخر الشخصيات والجسر المتأرجح بين الجيلين إذا اعتبرنا بأن بيرس هو في حكم الميت سريريا من الناحية السياسية على الأقل . إنه وأعني نتنياهو يرفض الترجل لكنه يترنج في مواجهة أبطال هذ اللعبة الجديدة مهما زايد على ابطالها . فأمامه وأمامنا خلطتان من أحزاب دينية وعلمانية تقف على يمين يمين نتنياهو اليميني المتطرف وأثبتت الاستفتاءات الشعبية قوتهما . . وقاموس شخصياتها ورعاعها يخلو من مصطلحات السياسة والدبلوماسية والفكر والمفاوضات . فهذه كلها ليست مهنة ولا كارا لهم ، ولا يؤمنون بها وبأصحابها ولا باعتمادها وسيلة لأهدافهم . الخلطة الأولى ، دينية متطرفة ومشعوذه وحاقدة تجاوزت العقل والنقل في قولها وسلوكها وصدقت مع مرور الزمن أنهم يهود بني اسرائيل وأنهم في ارض الميعاد التي لا وجود لغير اليهود فيها ، والحاخام يعقوب يوسف صاحب الإثني عشر مقعدا في الكنيست ليس إلا مثالا .
والخلطة الثانية هي القائده للأولى وتتكون من بلاطجه وقطاع طرق وقتله وزعران ومافيات روسية بولندية يديشية منسلخة تماما فكريا وثقافيا واعتقادا وسياسة وسلوكا عن محتوى الجيل الغازي المقبور قريبا .. تاريخهم معزول عن تاريخ أبائهم ، وسيرهم الشخصية معزولة عمن سبقهم . وهم اليوم الأكثرية الساحقه في فلسطين المحتلة . وأحزابهم بدأت تسود وعنوانها الحرب والتطرف المعلن وجرائم الابادة وعدم الاعتراف بحق العرب بالحياه ولا بحقهم بالسكن في فلسطين . .إنهم يدعون علنا لطرد كل فلسطيني من فلسطين بالقوة ويحاربون اشتراك عرب فلسطين في الكنيست ، وينادون بإعدام كل من يتهم بعمل نضالي ، وبقتل العرب والمسلمين وقتل أطفالهم ، وداعش لا ترقى لمستواهم . ومن أمثالهم أفيغدور ليبرمان الذي يمتلك اليوم ست وزارات . يدغدغون ويستغلون عواطف الأحزاب الدينية المتطرفة ويتحالفون معها لقيادة المرحله .
سيفتقد العالم كما سنفتقد نحن جيلا صهيونيا بمرحلته وسلوكه . وربما سنستفيد ونحن نطوي هذه الصفحة وسلوك أصحابها . ونتنياهو هو المثال الأخير عليه، الذي عاصرته وهو مندوبا في الأمم المتحدة لسنوات يتحدث فيها للعالم وللغرب على سبيل الحصر بلغتهم وثقافتهم بأذكى وأبلغ الحيل والتحايل ، وكذا في كتبه . وفي كل ذلك يعرض اسرايل كصاحبة حق تاريخي بفلسطين وداعية سلام وتواقة للتفاوض وكارهة للحروب وراغبة بالعيش الى جانب العرب الذين يحاربون وجودها ، والكاذبون بحبهم ورغبتهم بالسلام . وكما نطوي سلوك بيريس الاشتراكي ودوره الأعمق بملحه وبهاراته في كل خطاب او مؤتمر وهو تنمية الطفل الفلسطيني . سنطوي والعالم صفحة جيل صهيوني يتكلم بلغة مختلفة ويسلك سلوكا مغايرا تماما لمن سيخلفه. جيل كان مستعدا للعمل السياسي مع العرب وعقد اتفاقيات ومعاهدات معهم نلهث وراءها سترة لعورتنا مهما كانت فتاتها لنا وألغامها علينا ،وكان قادرا على خداع الغرب ومعه العالم في كثير من الأحيان
ولكن كيف يكون موقفنا وسلوكنا مع القادة الاسرائبيين الجدد ، وحكامنا قد اعتادوا أن يصرفوا لشعوبنا الاعتدال والعقلانية . نعيشها معهم على نهج معزوفات التفاوض االخبيثه وواقعية السياسه وكياسة الدبلوماسيه والفرص الواعده ، وهم المحاربين أيضا للإرهاب والتطرف .. هل سنبقى ملتزمين بسياساتنا ونهجنا الهرم نفسه مع أندادنا الجدد وهم لا يتعاطون بها بل مع ضدها ؟ ، وهل أن تلاقي الاعتدال مع التطرف منتجا ؟ وما ذا سينتج عنه . هل سنبقى نحارب ونعزل ما نسميهم بالمتطرفين الفلسطينيين والعرب مثلا ؟ . أم هل سنغير سياستنا معهم ونبني استراتيجية لنا تغير سلوكنا ؟ إن هذا يحتاج الى انقلاب حكامنا على وضعهم وربما على تاريخهم السياسي الحديث من أساسه.
أما السلطة الفلسطينية الواقعة في قلب المسئولية والحدث الجديد والتي وفرت لها الصهيونية المنقرضة ورقة التوت ، فهل يبقى أمامها من خيار واقعي في حال استلام من تعرفهم جيدا حكم اسرائيل ، غير خيار حل السلطة وتفعيل دور منظمة التحرير واعتماد نهج الكفاح المسلح ؟ إنها تعرف أن الاحتلال قد توسع وتعمق مع أوسلو والسلطه وجرائمه تضاعفت ، وإن الاستفتاءات في داخل المجتمع الاسرائيلي صحيحه ، ولا مكان لسياسة السلطة معها أو فيها إلا بدور سلبي على القضية . وإن امتد عمر نتياهو السياسي فلن يمتد إلا على أسس الخلطتين . فهل من وقفة فلسطينية وطنية جامعة تراجع فيها نفسها وحساباتها وتبني للمستقبل على أسس منطقية وعلمية تتطابق مع الواقع ومع تجارب التاريخ واستحقاقاته ؟ نأمل ذلك