نقاد لحتفنا بقارب موجه .. واليمن دليل جديد

تشكلت قناعه لدى الناس العاديين في ثقافتهم ووعيهم بأن داعشن تنظيم يكبر ويقوى ويتمدد مع هذه الحرب وعلى يد هذه الحرب . لكن بعد تجربة اليمن الذي بقي التنظيم بعيدا عنها مع أنها كانت وتعززت اليوم كبيئة مثالية الارهابيين بلا منازع ، بدا واضحا لهؤلاء العاديين أن التنظيم يعرف الطرق والأمكنة والدول والاهداف المفتوحة له أو المصرح له بها ، ويعرف متى وكيف يدخلها كما يعرف ما ليس له . إسمه المعدل مع بداية مسرحية حرب التحالف عليه ، هو دولة الخراب في الشام والعراق وفي الدول العربية المنتقاه حسب المخطط وتوقيتاته . وعندما تمدد بسهولة الى لبنان وبعدها بقوة الى مصر وليبيا أصبح اسمه دولة مصر وافريقيا ( دامش ) . والباقي من دولنا تخضع لتطورات هي من شأن القوة الخفيه صانعة القرار للتنظيم ، خلف كواليس متخذي القرار . أما منفذي القرار من دولنا لا نرى منها سوى التنفيذ حتى لو حللت الواقع ووصلت للاستنتاج المنطقي ، فإنها تصر على التعامل مع الحالة المتفاقمة تعاملا من نوع الاستعراض العسكري دون موقف فاحص يقود لرؤية أوسع وقرار ذاتي . وترسخ دورها في حرب التحالف هذه الى تنفيذي تعبوي محض دون تدخل بالواقع السياسي لهذه الحرب وخططها العسكرية حجما ونوعا وفاعلية . ثم انحرف دورها في عملها العسكري ليصبح فاقد الاستراتيجية تماما ، وقائما على مبدأ الفعل ورد الفعل ، وإلى جريمة قتل استفزازي ترتكبها داعش بهدف سياسي تقابل من دولنا بعمل انتقامي ، وهكذا نسميه ؟؟ . كلام وسلوك لا يصيب الهدف ولا مكان له في قاموس ما نحن به كدول ، وما نواجهه من مصير . بل ترسخت أثناء هذه الحرب سياسة على صعيد الانظمة العربيه شطبت بموجبها قضايا الأمة السياسيه وعلى رأسها القضية الفلسطينية وعدوها الاساسي اسرائيل وأفاعيلها اليومية ، كما تراجعت أو شطبت قضاياها الوطنية على صعد الاصلاح والتنميه والفقر والمرض والجهل. . إننا في هذه الحرب أمام دول في قفص الإتهام ، الولايات المتحدة واسرائل منهما . ولسنا أمام تنظيم يفترض أنه من الرعاع ، بل تنظيما محميا ومدعوما بكل الوسائل وموجها لينجح في سوقنا لحتفنا ، مجازر وإبادة وتمثيل وتشريد وتهزيء للأنظمة والدول والحدود وخلط في الجغرافيا وتزوير في الدين وحرب بين المذاهب وكل ما يؤدي الى تنفيذ المخطط الصهيوني .
وحيث أن اليمن دليل جديد لانتماء قيادة داعش لصنيعها وموجهها ، فلا بد من وضع القارئ بصورتها كما شاهدتها وعشت فيها ، وكذلك بقرار مجلس الأمن رقم 2019 بشأنها ، ليسأل نفسه كيف لداعش أن تتركها لغريمها المفترض . . جغرافيا اليمن جبلية مترامية الأطراف تنتشر فيها تجمعات سكانية هي الأكثر في العالم عشوائية وتناثرا في العالم بحيث يستحيل على اي مستعمر احتلالها او إخضاعها ويستحيل على أية حكومة تقديم خدمات اجتماعية لسكانها إلا بألاف من التلفريكات . سواحلها مترامية على طول 2500 كلم مع مئات الجزر ومشرعة ابوابها على البحر الاحمر وبحر العرب وخليج عدن ومضيق باب االمندب بلا أدنى حمايه أو سيطره . اليمن دولة قبائل ذات استقلالية بقضائها وسجونها وأسلحتها الثقيلة وارتباطاات شيوخها الخارجية طلبا للمال والمساعدات ، والسلطة في صنعاء تعرف ذلك ودأبت على التعايش مع الوضع كجزء منه بالتنسيق مع المشايخ . وبهذا قص الرئيس صالح على مضيفه دولة زيد الرفاعي بحضوري ، أن شيخا قال له بأن الدوله االفلانيه تعطي الشيخ فلان أكثر منه ، فقام الرئيس وأعطاه الفرق . السلاح في اليمن بما فيه القنابل يباع في أسواق شعبية كأسواق الخضرة تماما ، وتقدر قطع السلاح الخفيفة بأيدي الشعب بستين مليونا أنذاك ، وبهذا فقد استضافني أحد الشيوخ ورأيت في منزله الواسع محطة بنزين خاصه ومضاد طائرات . الجيش فيها من هذه القبائل ولهذه القبائل ، أو لمن يد .. ، الوجود الدولي بمؤسساته في اليمن مظهر من مظاهر فساد الأمم المتحدة والسلطة وبعض شيوخ القبائل معا . الوظائف فيها تقطع أو تباع حسب انتاجيتها ، فوظيفة بالجمارك مثلا هي من الأغلى ثمنا ، والجهل والأمية والفقر فيها مذهل ومتزايد والمرض مستفحل والأوبئة مستوطنه
وعلى أساس هذا الواقع ، تكون اليمن دولة مؤهلة وجاذبة بكل المعايير لدخول واستقرار التنظيمات الارهابية . وهذا ما كتبت فيه لحكومة بلادي قبل سنوات أثناء خدمتي كسفير هناك . ولنتساءل الأن سوية ، كيف لداعش إن تتمدد الى لبنان ومن ثم لمصر وليبيا ولم يشمل هذا التمدد اليمن ، المكان الحاضن والجاذب والأسهل والأرحب والأغزر في جمع الأنصار والأكثر حساسية واستراتيجية مفترضة لها . ولماذا يصبح البديل لداعش هم الحوثيون الأعداء المفترضين لهم وبمباركة أمريكية ودعم منها على الأرض وتأسفا على الأثير ، الى جانب موقف سعودي غير حاسم أمام الحوثيين الأكثر خطرا وعداوة وابتزازا ، على الخليج . ألا يستحق ذلك كله أن يكون محل تفسير سياسي لا عسكري لأنظمتنا وهم يرون الموقف الامريكي ، ويرون الموقف الخليجي الحزين المقموع قد جاء متأخر لا يرقى الى مستوى الحدث عليهم . إن ما يجري في اليمن يشير الى أنه هو حلقة تنسجم مع حلقات المسلسل القائم ، وتتقاطع مع الأهداف المرحلية والهدف النهائي لمجمل الحرب الصهيونية الداعشيه
وإن كان هذا لا يكفي لحكامنا ، فلينظروا إلى سلوك مجلس الأمن وقراره رقم 2019 بشأن اليمن الذي يؤكد النوايا والتوجه الأمريكي بما يعزز ذلك أو ينسجم معه على الأقل . إذ ليس فيه فقرة تذكر كلمة انقلاب ولا اغتصاب للسلطة وليس فيه من حاسم أو واعد . إنه قرار لا يتعامل مع الحدث القائم والوضع المستجد الذي انعقد المجلس افتراضا من أجله ، ولا مع ما وصلت اليه الأمور في اليمن ، بل يتعامل باستغباء مع وضع لم يعد موجودا ولا أدوات شروط التعامل معه باتت موجود ، والرئيس التوافقي مسجون ولم يذكر اسمه في القرار . وذلك عندما يدعو القرار جميع الاطراف للالتزام بالمبادرة الخليجية وبنتائج الحوار الوطني وكأن ذلك كله ما زال موجودا على الأرض أو أن أرضيته موجوده ، ويطلب من الحوثيين الامتناع عن اتخاذ المزيد من الاجراءات أحادية الجانب بمعنى أن ما جرى قد جرى ، والأهم أن القرار عندما يتوعد كل الأطراف باتخاذ خطوات أخرى دون تحديدها في حالة عدم الاستجابه للقرار وللحوار ، فإنه بهذا يقول كلاما فيه موقف فاضح وخرق واضح لترابط وتسلسل الاجراءات في الفصلين السادس والسابع من ميثاق الامم المتحدة . حيث كان متوجبا في حالة عدم الاستجابة أن ينص القرار على الانتقال الى الفصل السابع .
إن هذا كله إلى جانب كلمة المندوبة الأمريكية في تفسيرها للتصويت والتي طالبت فيها الحوثيين بمجرد الالتزام بالعملية السلمية إضافة الى طلب القرار من الامين العام تقديم تقرير عن الحالة خلال اسبوعين ومن ثم المواظبة على تقديم تقرير كل شهرين يؤكد أن القصة طويلة وأن ما قام به المجلس هو مجرد عمل سياسي ودبلوماسي تقوده أمريكا فيه مصلحة لروسيا التي مررت القرار على قياسها لحينه ، باتجاه امتصاص الثورة الشعبية القبلية في اليمن على الحوثيين الانقلابيين وتكريس الأمر الواقع وما سيقع بمرور الوقت في إطار استكمال المخطط . ولا ننسى أن في القرار رسالة لدول الخليج بالضغط على الكوابح وأن الأولوية ليس لاستراتيجيتها ومصالحا .
إن دوائر تحمل المسؤولية في في بلداننا ليست غبية لهذه الدرجه حتى لا تبحث ما يجري من حولها ، من منظور سياسي ومردوده الوطني والقومي وحتى الشخصي لهم . .فهل تبقى مواقفها مبنية على قاعدة اختيار أهون الشرين عليها هي فحسب ؟ . إن من يتابع الإعلام المصري الموجه بعد زيارة بوتين ، يخرج بنتيجة أن هناك دولة عربية بدأت تمهد طريفها للتعامل مع الوضع سياسيا ، فهل ستفعل وتعلق الجرس .