رغيف وارهاب يساوي ” بيت القصيد

إن الحقيقة فيما نختلف فيه قد لا نجدها أمامنا ولا خلفنا ، وإلا لما اختلفنا فيها ، وإن السبب فيما نحن فيه وما يواجهنا من ضنك العيش واختلالات في نمط حياتنا ليس بالضرورة ما نعتقده أمامنا ونسوقه . قد تكون الحقيقة أو السبب في النقطة السوداء أو العمياء ، وربما تستحضر عزيزي القارئ في هذا صورة لص محترف يفاجئك بأن يمد يده بكل تهذيب على كتفك لينفض عنه الغبار فينشفل دماغك في كتفك ، وبهذه اللحظة يمد اللص المهذب يده الأخرى وينشل محفظتك من جيبك ويستودعك الله لتعلم الحقية بعد إنجاز المهمه وفوات الأون …. وبعد فهذه مقاربة تدعونا للتخلي عن تسويق ما خطط لنا أن نراه دون غيره ، وأن نغير طريقة إمساكنا بالشيء لنرى وجهه الثالث أو الخفي . وفي جملة تبدو معترضة وهي ليست كذلك ، أقول كنت قد حددت في كتابي السياسة الخارجية الاردنية وتطورها أداتين تخدمان عملية تطور السياسة الخارجية لتفي باحتياجات تطور السياسة الخارجية الأمريكية وهما ، البلد أولا ، واالحرب على الارهاب ، لكني أضيف عليهما هنا سياسة الافقار والتجويع التي مررت عليها في غير مكانها .
كلنا نعرف حقيقة أن الغرب الذي كانت نفقاته الشهرية في العراق تتجاوز الستين مليار حسب تصريحاته ، يستطيع منفردا أو بمساعدة من رعاته في حقول النفط والغاز العربي أن يخصص عشرا بالماية مما ينفقون في اسبوع ، وضخ هذه النسبة على كل الأمة العربية مجتمعة لتختفي ظواهر الفقر والبطالة والمرض والجهل بالنسبة لنا ويعم بيننا جوا أكثر استقرارا ، ويختفي بالنسبة لهم الارهاب كظاهره أو تختغي ماكينات تفريخه لو افترضنا أن الارهاب هذا ليس مطلبا لهم أو ليسو راغبين في تعظيمه ، مشيرا هنا الى النظام في الاردن وحده لو قدر له أن يقبض ثمن ما قدمه ويقدمه من خدمات استراتيجية للغرب وحليفته اسرائيل مالا ، لاستحق الأردن سيلا لا ينضب من المليارات .
وإذا قلنا بأن الغرب الصهيوني يفهم هذه المعادلة على وجه اليقين وهو كذلك ، ويدير ظهره لها ، فيكون عندها التجويع والافقار والاختلالات الاجتماعية لدينا هي سياسة غربية صهيونية ، أدركها حكامنا أم لم يدركونها فهم جزء منها أيضا . وتكون تداعيات هذه السياسة ملهاة لنا عما يفصل ويصنع من حولنا نحن الأردنيين ومعنا الشعوب العربية ، إنها سياسة ناجحة بحكم الطبيعة الانسانية التي يكفرها الجوع ، تقودها المؤسستان السياسيتان بامتياز، البنك وصندوق النقد الدوليين .
وتصبح الملهاة مغناة لشعوبنا تجعلنا وعقولنا وقلوبنا منشغلين أو ملتهين على الدوام وعلى سبيل الأولوية ببطوننا واحتياجات فلذات أكبادنا وتتقزم قضايانا بأسعار الخبز والكاز والرواتب والأقساط وهيكلة الرواتب وعلاوة الطبشورة والتضخم . ونجيش لذلك الاعتصامات والحراكات والاعلام ، وكلها تساوي المطلوب . ليتولى الغرب الصهيوني الصانع والمخطط بكل سلاسة وأريحية تمرير ما هو أخطر على حاضرنا ومستقبلنا ، و تفكيك بلداننا المفككه بعد وحده ، وتفكيك جيوشنا المأزومة بعد عقيدة عسكرية حكى التاريخ عنها ، ومسخ ثقافتنا التي وحدها من بين ثقافات شعوب العالم تجمع بين الروح والمادة تؤهل العرب والمسلمين لحضارة مستدامة بشهادة فلاسفة الغرب ومنهم شبنجلر . ولا شك أن الغرب الصهيوني قد حقق الكثير من هذا دون أن نحقق نحن حلا لمشكلة واحدة من المشاكل التي أغرقونا فيها . وتستمر بهذا مخططات الغرب الصهيوني على الأرض في منطقتنا لتأمين مستقبل مصالحه على حساب ممستقبل مصالحنا ولجعل دولة الخزر التي أسموها اسرائيل قوة إقليمية وضابطة علينا في دول ملوك طوائف وإقطاعيات همها الارتزاق والتدحيس والتغبير ، تتحول شعوبها الى مخزن عمال في الآلة الاقتصادية الاسرائيلية الغربية الى ما شاء الله ،
ليس المطلوب من المواطن الأردني أن يتخلى عن التعامل مع الضغوطات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية الواقعة عليه ، بل أن يعي بأنها ضغوطات مصطنعة ومتعمدة وسياسية الأهداف بالأساس ، وأن الغرب ومسئولينا في هذا ليسوا بأغبياء ولا بساديين يتلذذون بتعذيبنا بل إن مصالحهم وأهدافهم هي ما وراء ذلك ، فماذا نحن فاعلون ؟ ربما علينا أن نستخدم الكوابح ونتعامل بنفس الوقت مع ما يحاك لنا .
ولعل التحالف للحرب على الارهاب يتجاوز كونه ملهاة لنا إلى كونه الاداة التنفيذية لتسريع تحقيق الاهداف الصهيو أمريكية وهي في منطقتنا خلط الأوراق لخلق شرق أوسط جديد يضمن تصفية القضية الفلسطينية وطوي ملفها خارج الأرض الفلسطينية ، وإدماج اسرائيل في الوسط العربي الاسلامي كقوة اقليمية الى جانب ايران وتركيا وتحقيق الاستقرار بالمحصلة لأمريكا واسرائيل والرخاء للجميع ممزوجا لهم بالكرامة والحريه وممزوجا لنا بالذل والخنوع وفقدان الحقوق السياسية والتاريخية . وعلينا هنا أن لا نناقش كثيرا في كون مسألة الارهاب وتعظيمه أمر مصطنع وأن معركته ليست معركتنا بل هي معركة علينا ولا هو بالضرورة عدو مشترك ، والدوله التي تشارك بها تصبح طرفا مستهدفا ، وهذا ما يخلق قضية أمنية داخلية ينشغل فيها الشعب حماية لأمنه وبقائه كأولوية تتراجع في اطارها الاهتمامات السياسية والوطنية وتمر مخططاتهم على جثث مصالحنا وقضايانا .